كيف إكتسب الآشوريون إسمهم؟
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5771 - 2018-01-29 - 21:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (51) – الآشوريون
قبل الحديث عن موضوع تسمية الآشوريين، أود أنّ أذكر بأن وديان سلاسل جبال زاگرۆس و تۆرۆس الكوردستانية، كانت الموطن الأصلي للأقوام المسماة بالأقوام الآرية والتي هي في الحقيقة أقوام زاگرۆسية، تمددت وإنتشرت في إيران وأفغانستان و پاكستان والهند وغيرها من دول قارة آسيا ووصل قسم من هذه الأقوام الزاگرۆسية الى أوروپا وإستقروا فيها وبذلك بدأت الحياة البشرية هناك منذ ذلك الوقت. هكذا فأنّ الشعوب المسمّاة بالآرية هي جميعها أحفاد الأقوام التي كانت تقطن في وديان سلاسل جبال زاگرۆس و تۆرۆس الكوردستانية منذ ما قبل التاريخ (للمزيد من المعلومات، يمكن الإطلاع على كتاب آريا القديمة وكوردستان الأبدية للمؤرخ الروسي صلوات گولياموف)1. نظراً لِكَون كوردستان مهد الحضارة البشرية، فأنها بلاد الأساطير والآلهة والمعتقدات والأديان. أسلاف الكورد هم روّاد إكتشاف النار والزراعة والكتابة والصناعة. رغم ريادة الشعب الكوردي في الحضارة، إلا أننا نراه اليوم في تقهقر وأصبح يلعب دوراً هامشياً في حياة البشرية على كوكبنا الأرضي، حيث يفتقد الى كيانٍ سياسي على أرضه، وأنّ وطنه مُقسّم ومُغتصَب وإرادته وحريته مُقيّدة، فهو غريبٌ وذليلٌ في وطنه والمُغتصِبون يدّعون بأنهم أصحاب كوردستان و يحكمون الشعب الكوردي بالنار والحديد ويُجرّدونه من هويته وشخصيته ووطنه ولغته وثقافته وتاريخه وتراثه وعقائده وأديانه وينهبون ثرواته. آن الأوان للشعب الكوردي أن يقوم بِنهضةٍ حضارية كبرى بِكسر قيود العبودية والذل والتبعية والتواصل في رفد الحضارة الإنسانية بالإختراعات والإبتكارات والعلوم والثقافة والفنون، كما كان يقوم بها أسلافه السومريون والسوباريون والخوريون – الميتانيون والميديون.
هكذا إنطلقت الأساطير والعقائد والأديان من أرض كوردستان، حيث أنه في العهود القديمة، كانت الشمس هي محور العبادات في المجتمعات الآرية (الزاگرۆسية) وكانت الشمس تُسمّى (سورياش، سورا، آسور، آهورا)2، حيث أنّ الخوريين - الميتانيين كانوا يُسمّون إله الشمس (آسور) و الكاشيون كانوا يُسمّونه (سورياش) وعند السوباريين تمت تسميته ب (آ- أُوسار). لا تزال اللغة الكوردية تحتفظ بالإسم الزاگرۆسي/الآري للشمس، حيث أن الشمس تُسمّى بالكوردية (خور).
قام السوباريون ببناء مدينة، وسمّوها بإسم إلههم (آ- أُوسار أو آسور)، وإتخذوها عاصمةً لهم. يذكر السيد عامر حنا فتوحي بأن الحاكم السوباري (كيكيا Kikkia) قام ببناء سور هذه المدينة وجعلها مدينة محصَّنة3. تغّيرَ إسم مدينة (آسور) الى (آشور) خلال الحُكم الآشوري، حيث أنه في الكتابات الأكادية تمّ تبديل حرف (س) في الإسم (آسور) الى حرف (ش)، وبذلك تمت كتابته بصيغة (آشور) بدلاً من (آسور) وتبنّى الآشوريون هذا الإسم ليكون إسماً لِإلههم وعاصمتهم ودولتهم. قام الملِك السوباري (أُوشپيا Ushpia)، ببناء معبدٍ للإله السوباري الأكبر (آ- أُوسار آسور) على أساس معبدٍ سومري قديم، والذي كانت تتم فيه عبادة الإلهة (إنانا Innana) التي تُسمّى عند الأكاديين ب(عشتار) و تمت تسمية هذا المعبد باللغة السوبارية (خورْزاك كورْكورا Ê Xurzak- Kurkura)4. يذكر الدكتور احمد خليل في إحدى مقالاته بأنّ الإسم (Ê Xurzak- Kurkura) مؤلّف من ثلاث مقاطع، (Ê) و (Xurzak) و (Kurkura)، حيث أنّ المقطع (Ê) يعني (الذي)، وهذا المقطع موجود أيضاً في بداية إسم إله السوباريين (آ- أُوسار). المقطع (Xur) و (Xurz ) صيغتان لإسم الشمس في اللغات الآرية الشرقية (اللغات الزاگروسية)، حيث أنّ الشمس كانت محور العبادة في الديانات الآرية. اللاحقة (ak) المُلحَقة بالكلمة (Xurzak)، هي لاحقة تُستخدم للدلالة على إسم مفرد نكِرة أي إسم مفرد غير مُعرّف، حيث أن هذه اللاحقة موجودة في اللغة الكوردية وتُعطي نفس المعنى مثل (دارێك DARÊK) أي (شجرة). المقطع (Kurkura) يعني (جبال). هكذا فأنّ إسم المعبد السوباري يعني (الذي هو شمس الجبال) أي (إله الجبال). الإلهَ السوباري (آسور)، الذي تمّ تعديل إسمه في العهد الآشوري الى (آشور)، إعتبره البابليون إلهاً أجنبياً ولذلك لم يتم إدخاله في طقوس البابليين ولم يتم ذكره من قِبل الملك البابلي، حمورابي، في مسلّته ضمن آلهة بابل.
عُرفت بلاد آشور في المصادر المسمارية بإسم (مات آشور)، أي (بلاد آشور)، ووردت بصورة (آ – شو- ار)، كما أن إسمها كُتِب في المصادر المصرية بصيغة (آسور) في عهد تُحوتْمُس الثالث (1490 – 1436 قبل الميلاد)5. كما أنّ إسم آشور جاء في بعض المصادر على شكل أَسْهور، و أَسْشور، وأَسور، وآثور، وآتور، وآسور، وآزور6. هذه الأسماء جميعها مُستمدة من إسم الإله السوباري (آ- أُوسار آسور).
كما أنّ الإله آشور (آسور) مُقتبّسٌ من إله الشمس الآري (سورياش، آسور، آهورا)، والذي إسمه يعني الشمس7. كما أنّ عبادة الإله السوباري، بصيغة (آسُور)، إنتقلت إلى الحِثّيين أيضاً، الذين كانوا يعيشون في الأناضول.
كان رمز إله الشمس السومري هو عبارة عن قرص شمس مجنَّح، النصف العلوي منه عبارة عن صورة لِشخصٍ مُلتحٍ، موضوع على رأسه تاجٌ، ويمسك دائرةً بِيده اليسرى وهذه الدائرة ترمز إلى الكون. عند إحتلالهم لِبلاد السوباريين، قام الأَموريون بِتغيير رمزَ الإله السُّوباري، حيث أنهم ألبسوا رأسه خوذةً لها قرنان8، الذي يرمز الى القمر الذي كان يُعبَد من قِبلهم، ووضعوا في يده اليمنى قوساً؛ الذي يرمز الى الحرب، وبذلك أصبح إله الشمس الزاگروسي النوراني عند الأموريين إلهاً للحرب.
يذكر المؤرخان (جيرمي بلاك Jeremy Black) و(أنثوني گرین Anthony Green) أنه لا علاقة للإله (آسورآشور) بالأقوام الصحراوية (السامية)، وأن عبادته كانت شائعة بين الأقوام الزا گروسية/الآرية، مثل السوباريين والخوريين - الميتانيين والحِثّيين. لقد أطلق الميتانيون اسم (مِترا Mitra) على الإله (آسور) وقد تكون هذه الصيغة صفة للإله وليس اسماً له، حيث أنهم صوّروه في أختامهم الأسطوانية والذي يمكن إعتباره أحد صيغ الإله الوطني السومري (إنليل Enlil)a، مع الأخذ بِنظر الإعتبار أن الميثولوجيا السومرية كانت جبلية/زا گروسية/ شمسانية الأصل.
تُشير النصوص السومرية الى أنّ السومريين كانوا أول مَن إحتفلوا بِعيد (أكيتو Akitu) الذي كان يبدأ في الأول من شهر نيسان من كل عام. الإسم السومري لهذا العيد هو (أكيتي (Ákiti) وكانت إحتفالات السومريين بهذا العيد تستمر لمدة أحد عشر يوماً9.
قام الأموريون بإقتباس عيد (أكيتو Akitu) السومري وجعلوه عيداً آشورياً. كما أن البابليين إقتبسوا هذا العيد السومري وجعلوه رأس السنة الجديدة للإله البابلي (مردوخ)، وجعلوا الإلهة (صِرْبانِيتوم) التي هي زوجةَ الإله (مردوخ)، زوجةً للإله آشور، وجعلوا الإله (نابو) الذي هو إبن الإله (مردوخ)، إبناً للإله آشور10. يقول (هاري ساگز Hary Sags) بهذا الصدد أنّ الإله (آشور) إمتصّ عدّة مظاهر من الإله السومري (إنليل) ومن مردوخ، إله بابل11.
نستنتج مما تقدم، بأنّ إسم الآشوريين وإسم إلههم وبلادهم مُستمّدٌ من إسم الإله السوباري (آسور). في الحلقات القادمة ستتم مواصلة الحديث عن الآشوريين، حيث أنّ الحلقة القادمة ستُركّز على أصل الآشوريين.
المصادر
1. صلوات گولياموف. آريا القديمة وكوردستان الأبدية (الكرد من أقدم الشعوب). ترجمة د. اسماعيل حصاف، متابعة وتدقيق مارگريت حصاف، مطبعة رۆژهەڵات (هەولێر)، الطبعة الأولى، 2011.
2. جورج رو. العراق القديم. ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، 1986م، صفحة 333.
3. عامر حنا فتوحي. الكلديون .. الكلدان .. منذ بدء الزمان – 5300 ق. م حتى الآن. الطبعة الثانية، 2007، صفحة 100.
4. المصدر السابق، صفحة 94.
5. الدكتور محمد بيومي مهران. تاريخ العراق القديم، 1990، صفحة 324.
6. هاري ساغز. عظمة آشور. ترجمة وتحقيق خالد اسعد عيسى وأحمد غسان سبانو، 2011، صفحة 11.
7. المصدر السابق، صفحة 298.
8. عامر حنا فتوحي. الكلديون .. الكلدان .. منذ بدء الزمان – 5300 ق. م حتى الآن. الطبعة الثانية، 2007، صفحة 95 – 96.
9. جورج رو (1986). العراق القديم. ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، صفحة 148.
10. عامر حنا فتوحي. الكلديون .. الكلدان .. منذ بدء الزمان – 5300 ق. م حتى الآن. الطبعة الثانية، 2007، صفحة 95.
11. هاري ساغز. عظمة آشور. ترجمة وتحقيق خالد اسعد عيسى وأحمد غسان سبانو، 2011، صفحة 298.
المراجع
a. Jeremy Black and Anthony Green. Gods, Demons and Symbols of Ancient Mesopotamia, London, 2000, page 38.
[1]