السوباريون وهجرة أقوامٍ سامية الى بلاد السوباريين (سوبارتو Subartu)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5761 - 2018-01-18 - 15:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (50) – الآشوريون
السوباريون وهجرة أقوامٍ سامية الى بلاد السوباريين (سوبارتو Subartu)
نظراً لِلعلاقة الوثيقة بين أسلاف الكورد (السوباريين) وبين الآشوريين، ينبغي التعرّف قليلاً على السوباريين كمدخلٍ للحديث عن الآشوريين فيما بعد في حلقات قادمة ضمن هذه السلسلة من الحلقات. لذلك يتم تكريس هذه الحلقة للتكلّم عن السوباريين وبعد ذلك نبدأ في الحلقات القادمة بِالحديث عن العلاقات التي تربط بين هذين الشعبَين وكذلك ستتضمن تلك الحلقات نبذة مختصرة عن المملكة الآشورية ومراحل نشوئها وفترات حكمها.
يذكر مؤرخون كثيرون بأن السوباريين هم من أسلاف الكورد، حيث يشيرعلماء التأريخ والأجناس البشرية الى أنه منذ أقدم الأزمنة التأريخية، كانت بلاد (سوبارتو) يسكنها شعب آسيوي يشترك أفرادها في العرق والدين واللغة والثقافة التي كانت تميّزهم عن الشعوب الأخرى. من الجدير بالذكر أنّ أشهر الأقوام التي كانت تعيش في وديان جبال زاگروس وطوروس، هي السومريون والسوباريون والإيلاميون والگُوتيون واللولوبيون والكاشيون والخوريون (الهوريون).
يذكر الباحث الأمريكي (گلب Gelb) بأن السوباريين ينحدرون من الأقوام الجبلية مثل أسلاف الكورد (الگوتيين) و (الكاشيين) وأنّ السوباريين لم يكونوا شعباً سامياً و أن أسلاف الكورد (الخوريين) ينحدرون من السوباريينa. هذا يعني أن السوباريين هم من أسلاف الكورد والذين كانوا يعيشون في وديان سلاسل جبال زاگروس وطوروس. من جهة أخرى، يقول السير سدني سميث بأن ما حصلنا عليه من معلومات عن كوردستان حتى الآن تدلنا مما لاشك فيه أنه كانت في العهود القديمة منطقة تحدها من الشمال بحيرة وان ومن الغرب وادي الخابور ومن الشرق كركوك ومن الجنوب بلاد بابل، وكان يعيش في هذه المنطقة قوم يُسمّى (شوباري)b.
يذكر (هيرزفيلد) بأن سكان بلاد سوبارتو لم يجرِ عليهم تغيير إثني، بل جرى تغيير أسمائهم، حيث أن إسم (الخوريين) حلّ محل إسم أغلب سكان (سوبارتو) بعد عصر حمورابي. يضيف هيرزفيلد بأنه يظهر من نصوص آثار منطقة (بوغاز كوي) التي ترجع تأريخها الى ما قبل سنة 1600 قبل الميلاد، بأن الحثيين كانوا يُسمّون لغة بلاد سوبارتو ب(خوريلي) وسمّوا اللغة الأكدية ب(بابيبيلي) وهو الزمن الذي يسبق ظهور مدينة بابلc.
كما أنّ الپروفيسور (مهرداد إزادي Mehrdad Izady) أستاذ التأريخ القديم في جامعة هارڤارد الأمريكية يؤكد على كون الكورد هم أحفاد السوباريين، حيث يذكر بأن أقدم عشيرة كوردية بادينانية هي عشيرة الزيبار وأن هذه العشيرة تنحدر من السوباريينd. في هذه المنطقة الواقعة في شمال مدينة أربيل، تمّ العثور على أنقاض مدرسة لتعليم الأطفال التي يعود تأريخها الى العصر السوباري، وعلى قرميدات عليها دروس للأطفال والشباب في علوم الحساب وجداول الضرب والمعاجم. كما تم إكتشاف كُتب عديدة و رسائل كانت عبارة عن صكوك وقيود ومسائل رياضية وفلكية و نصوص تأريخية في هذه المنطقة.
يذكر الأستاذ اسكندر داود أن السوباريين كانوا من أهم و أقدم شعوب المنطقة1. كما يقول الدكتور نعيم فرح أيضاً بأن السوباريين (الشوباريين) هم أقدم الأقوام التي سكنت في شمال بلاد ما بين النهرين وسُميّت تلك المنطقة ب(بلاد شوبارتو او سوبار)2. كما أنّ الدكتور عبد الحميد زايد يذكر أن إسم (سوبارتو) كان يُطلَق على المنطقة الممتدة من نهر دجلة إلى جبال زاگروس، وأن السوباريين كانوا شعباً جبلياً، لا يمتّون للعرق السامي، قاموا بتأسيس مملكتهم في القسم الشمالي من ميزوپوتاميا، وهذه المملكة كانت تضّم المنطقة التي عُرفت فيما بعد بإسم (بلاد آشور)3.
ورد إسم بلاد السوباريين (سوبارتو Subartu) في النصوص المسمارية المختلفة بصيغ عديدة مثل سوبارتو، سوبار، سوبير، زوبار، شوبارتو، شوبور...الخ. كانت بلاد سوبارتو تتألف من المناطق الجبلية العالية التي دوّنت من قِبل السومريين بإسم (سوبير). ظهر إسم (سوبارتو) في أقدم صيغة جغرافية سومرية بشكل (سوبير) في لوحة أثرية سومرية التي يرجع تأريخها الى زمن (لوكال – آني – موندو) حاكم مدينة (ادب) في الربع الأول من الألف الثالث قبل الميلاد، حيث تم تدوين الإسم الى جانب (إيلام وماراهشي وگوتيوم وآمورو وسوتيوم)4، 5. في سرد أسماء البلدان التي غزاها سرجون الأكدي الكبير، يشير نص مسماري الى حدود تلك البلدان. فيما يخص حدود بلاد سوبارتو، جاء في النص المسماري المذكور أن بلاد سوبارتو كانت تمتد من (إيلام) الواقعة في شرق كوردستان الحالي الى جبال الأرز (جبال الأمانوس). كما يذكر بعض النصوص الأكدية أن (سوبارتو) كانت تضم شرق كوردستان الحالي والجزيرة الوسطى والعليا وسوريا الحالية، ممتدةً الى حدود دولة إسرائيل الحالية، وكانت بلاد سوبارتو تضم أيضاً قسماً من أرمينيا وبلاد الأناضول.
من جهة أخرى، يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد أن التسمية الآشورية لسوبارتو هي شوبارو و شوبريا وأنه ظهر مفهوم هذا الإسم بشكل (علياتم) في النصوص الأكدية و الآشورية وتغيّرَ المصطلح الى كوهستان - قوهستان في العصر المبكر للإسلام و تمّت ترجمته الى بلاد الجبل و التي شملت مناطق واسعة من أذربيجان و كوردستان، و من جبال البزر جنوب بحر قزوين، متخللةّ جبال زاگروس وطوروس وممتدة الى البحر الأبيض المتوسط و كذلك أرمينيا5. كما أنّ الحثّيين أطلقوا مصطلح (كور أوگو) على بلاد (سوبارتو) والذي يعني (البلاد العليا) و التي قصدوا بها المناطق الواقعة بين جبال طوروس و نهر هاليس (خالص).
هناك أدلة كثيرة على أن الآشوريين هاجروا الى بلاد (سوبارتو) منذ حوالي سنة 2000 قبل الميلاد وعاشوا هناك في ظل الحكم السوبارتي، ثم تغلّبوا على السكان الأصليين، وسيطروا على البلاد، وأسّسوا فيها مملكة آشور، فعُرفت تلك المنطقة بعدئذ بإسم (بلاد آشور)، حيث يقول الأستاذ حازم هاجاني بأن مملكة سوبارتو كانت محصورة بين جبال زاگروس من جهة الشرق ونهر الخابور من جهة الغرب ولذلك كانت سوبارتو تُطلق على المنطقة الاشورية وأن الاشوريين إستقروا في هذه المنطقة في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد عندما هاجرت قبائل سامية من الجنوب الغربي الى الشمال وتوغلت في منطقة ما بين النهرين وإستقرت هذه المجموعة في جنوب كوردستان الحالي في البقعة الممتدة على طول ضفة نهر دجلة اليمنى بين الموصل وشرقاط وكانت هذه المنطقة تُعرف بإسم سوبارتو6. هكذا فأن تأريخ أسلاف الكورد السوباريين يمتد إلى عصور سحيقة في القِدم.
كما أنّ الدكتور محمد بيومي مهران، يذكر أنّ الآشوريين لم يهاجروا الى أرض خالية، بل نزحوا الى بلادٍ كانت تسكنها أقوام آخرى، والمعروفة منها هم (السوباريون) الذين كانوا يعيشون في المنطقة الممتدة من نهر دجلة الى سلسلة جبال زاگروس7.
يذكر الأستاذ طه باقر أيضاً بأنه في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، هاجر قسم من الأقوام السامية من جنوب بلاد ما بين النهرَين الى بلاد سوبارتو (جنوب كوردستان الحالي) وتأثروا بحضارة السوباريين من لغة ودين وعبادة الآلهة وإقتبسوا منهم الطقوس الدينية وأسماء بعض المواقع8. كما يذكر العلّامة محمد امين زكي أنّ بلاد آشور كانت حتى حوالي سنة 1100 قبل الميلاد، مؤلفة من عدة دويلات ضعيفة يتحكم بها أسلاف الكورد الزاگروسيين، حيث حكم الميتانيون بلاد آشور لفترة طويلة من الزمن9.
يذكر (هاري ساغز) أن سرجون الأكادي الأول (حكم بين سنة 2350 – 2294 قبل الميلاد) هاجم منطقة كانت تُدعى (سوبارتو)، وكان هذا الإسم يُطلَق على الأراضي الشمالية في شرق سوريا، وكان الجزء الأوسط منها يدعى (آشور)، وكان هذا الجزء على هيئة مثلّث يقع بين نهر دجلة ونهر الزاب الأعلى ونهر الزاب الأسفل10.
يقول الدكتور عامر سليمان والدكتور احمد مالك الفتيان أنّ إسم آشور لم يكن معروفاً في شمال بلاد ما بين النهرَين قبل الألف الثالث قبل الميلاد، بل كان يتم إطلاق إسم (السوباريين) على السكان القاطنين في تلك البلاد التي كانت يُطلق عليها إسم (سوبارتو)، وعند هجرة الآشوريين إلى شمال بلاد ما بين النهرَين، غَلَب إسمُ الآشوريين وبلاد آشور، وإنصهر الآشوريون مع السوباريين11.
المصادر
1. اسكندر داود. الجزيرة السورية بين الماضي والحاضر. مطبعة الترقي،1959 ، صفحة 119.
2. الدكتور نعيم فرح. معالم حضارات العالم القديم، دارالفكر، 1973، صفحة 198.
[1]