الحضارة الميدية (1)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5730 - 2017-12-17 - 18:32
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (48) – أسلاف الكورد: الميديون
الحضارة الميدية (1)
قبل التحدّث عن الحضارة الميدية، من المفيد توضيح أسباب قلة المعلومات المتوفرة عن حضارة الإمبراطورية الميدية، حيث أنّ كوردستان هي مهد الحضارات البشرية ولذلك لابد أنها تزخر بِمعالم آثارية كثيرة، إلا أنه نتيجة إفتقار الشعب الكوردي لِكيان سياسي بسبب إغتصاب وطنه، كوردستان، فأن التاريخ الكوردي قد تعرض للإلغاء والتعتيم والسرقة والتزييف والتحوير من قِبل مُغتصبي كوردستان. لِطمس التاريخ الكوردي والحضارة الكوردستانية، لم يقُم مُغتصبي كوردستان بالتنقيب عن آثار أسلاف الكورد، حيث لا يزال قسم كبير من المواقع الآثرية لأسلاف الكورد غير مكتشفة ومُهمَلة ومتروكة. كما أنّ جزءاً من آثار الحضارات الكوردية المُكتشَفة تم إتلافها أو إهمالها من قِبلهم. قسم آخر من الآثار الكوردية، قام مُغتصبو كوردستان بالإستحواذ عليها ويدّعون بأنها تعود لهم. لهذه الأسباب نرى أن هناك معلومات قليلة عن حضارة أسلاف الكورد.
بالنسبة للإمبراطورية الميدية، قلة المعلومات عن حضارتها تعود بشكلٍ رئيسي الى سرقة التاريخ والحضارة الميدية من قِبل الفرس الأخمينيين الذين أسقطوا الإمبراطورية الميدية وأسسوا الدولة الأخمينية في الجغرافية التي كانت تُشكّل المملكة الميدية، فإستحوذوا على الحضارة الميدية ونسبوها لهم. كما أن قسماً كبيراً من المواقع الأثرية الميدية مهملة و لم يتم التنقيب عنها وإكتشافها الى الآن، حيث يذكر (دياكونوف) مايلي: (رغم أنّ علم التاريخ أصبح يملك أدلّة أثرية ومصادر قديمة في هذا القرن، إلا أن أحداث تاريخ ميديا لم تستفد من هذه المنجزات العلمية، بعكس الدول والبلدان الأخرى المعاصرة لميديا. إنّ ما تَقدّم كافٍ لنقول: إن آثار المدن والحضارة الميدية القديمة لا زالت كامنة تحت الأنقاض، وليس لدينا أيّة نصوص عن سلطة الميديين لمعرفة أحداث ميديا ودولتها)1.
في لقاء مع مجلة (گوڵان العربي) يقول الدكتور عبد القادر مارونسي بأنه بعد إنتزاع الأخمينيين الحُكم من الميديين، لم يبقَ أي أثر للحضارة الميدية، بإستثناء بضع كلمات قليلة، علماً أن المتخصصين في هذا المجال يعترفون بوجود حضارة وثقافة ميدية وتراث ميدي2. يستطرد المارونسي قائلاً بأن الأخمينيين تقمّصوا التراث الميدي والحضارة الميدية ويضيف بأن هذا هو رأي أساتذة متخصصين في هذا المجال أيضاً، منهم الدكتور (احمد تفضلي) الأستاذ بجامعة طهران. يمضي الدكتور المارونسي في حديثه و يقول بأن تقمّص الأخمينيين للحضارة والثقافة الميدية شبيهٌ بإنتقال الإرث الى الورثة، حيث ورث الأخمينيون اللغة والكتابة الميدية وديوان الإدارة من الميديين، كما ورثوا أساليب الحُكم من الميديين، وورثوا الأعياد والمناسبات الرسمية والشعبية منهم دون أية إشارة أو إعتراف بذلك2.
يخلص الدكتور المارونسي الى أن الأخمينيين طمسوا معالم الحضارة الميدية والتأريخ الميدي من خلال سرقتهم للحضارة الميدية والتاريخ الميدي والإدعاء بأن هذه الحضارة والتاريخ يعودان لهم. الإمبراطوريات التي تلت الإمبراطورية الأخمينية، وخاصةً الامبراطورية الساسانية، إستمرت بدورها في سرقة التاريخ الميدي والحضارة الميدية2.
يذكر الدكتور المارونسي أيضاً بأن كثيراً من الآثار المكتشفة في همدان هي آثار ميدية تم تسجيلها بإسم الأخمينيين، ويشمل ذلك العديد من المباني والكتابات والجداريات وأنه يعتقد بأن كل ما ظهر حتى الآن في همدان يعود الى الحضارة الميدية2.
كما يذكر (ويل ديورانت) بأن الفرس الأخمينيين أخذوا عن الميديين لغتهم الآرية، وحروفهم الهجائية التي يبلغ عددها ستة وثلاثين حرفاً، وهم الذين جعلوا الفرس يستبدلون في الكتابة الرق (جلد خاص بالكتابة) والأقلام بألواح الطين، ويستخدمون في العمارة العمد على نطاق واسع وعنهم أخذوا قانونهم الأخلاقي الذي يوصيهم بالإقتصاد وحُسن التدبير ما أمكنهم في وقت السلم، وبالشجاعة التي لا حد لها في زمن الحرب؛ ونظام الأسرة الأبوي وتعدد الزوجات وطائفة من القوانين3.
لم يكتفِ الفرس الأخمينيون بالإستحواذ على اللغة الميدية وإقتباس الملابس الميدية، بل أنهم إقتبسوا أيضاً العديد من التنظيمات الإدارية والسياسية والعسكرية الميدية، كالألقاب الرسمية وتنظيم إدارة الدولة والمصطلحات العسكرية، على سبيل المثال (قائد مائة جندي أو آمر الفصيل والمسؤول عن العينة وهيئة العقاب). لقد قام أحد الباحثين الأوروپيين بِتنظيم قائمة بالمصطلحات الأخمينية المُقتبسَة من الميديين. فيما بعد، قام اليونانيون الإغريق والرومان أيضاً بِإستعارة هذه المصطلحات الميدية.
كما يذكر (ستروناچ Stronach) بأن الآثار الميدية والأخمينية متشابهة، حيث إقتبس الأخمينيون كل ما كان يملكه الميديونa. يقول هيرودوت أيضاً بأن الفرس إقتبسوا الخط المسماري من الميديين، كما أن اللغة الأدبية الفارسية تأثرت كثيراً باللغة الميدية ويبدو أن الزي الميدي كان في غاية الإناقة بمقاييس ذلك العصر الى درجة أن الزي الميدي كان معروفاً على النطاق الإقليمي والعالمي وكان معظم الفرس يلبسون الملابس الميدية ويتزيّنون بالحُلي الميديةb. يتكون الزيّ الميدي من شروال ضيق وثوب ذي أكمام تصل إلى الركبة يسمى (أكيناكيسAkinakes )، يتم لبسه فوق الشروال ومن غطاء رأسٍ ليّن مائل قليلاً إلى الأمام مع غطاء أُذن مائل نحو الأعلىc.
يقول هيرودوت: (ليس هناك كالفرس شعبٌ ينْزِع إلى الأخذ بِمناهج من هو غريب عنه، فَهُم يرتدون أزياء الميديين مثلاً، لإعتقادهم بأن تلك الأزياءَ أكثرُ أناقةً من أزيائهم4.
يصف (هيرودوت) ملابس الفرس وعتادهم في الجيش الفارسي الأخميني الجرّار الذي قاده ملِكهم (أَحْشَويرش) في سنة 486 قبل الميلاد في محاولته لِغزو بلاد اليونان، فيذكر بأنهم كانوا يرتدون القُبَّعةَ المثلثة المتكوّنة من اللَّبّاد الناعم والقميصَ المطرَّز مع أكمامه، وفوقَه الدِّرع الذي يبدو كحَراشِف السمك، والسّروال، وأمّا عتادهم فهو التُّرس المصنوع من قضبان الصَّفْصاف، وتحته المِقْلاع والرمح القصير، والقوس القوي، والسهام المصنوعة من الخَيْزران، والخنجر المربوط بالنطاق على الفخذ اليمنى)5. يضيف (هيرودوت) بأن الفرقة الميدية في جيش الملِك الأخميني (أَحْشَوِيرش) كانت ترتدي الزيّ نفسه وتتسلّح بالعتاد ذاته، حيث أنه يؤكد على أن ﮪذا النمط من اللباس هو ميدي الأصل، وليس زيّاً فارسيّاً.
المصادر
1. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، ص 17.
2. الدكتور عبد القادر مارونسي. مجلة گوڵان العربي، 2000.
3. ويل ديورانت (1988). قصة الحضارة. ترجمة الدكتور زكي نجيب أحمد، المجلد الأول، الجزء الثالث، صفحة 604.
4. هيرودوت: تاريخ هيرودوت، صفحة 96.
5. المصدر السابق، صفحة 515 - 516.
المراجع
a. Stronach, David (1982), Archeology ii. Median and Achaemenid, in Yarshater, E., Encyclopaedia Iranica 2, Routledge & Kegan Paul, pp. 288–96, ISBN 978-0-933273-67-2.
b. Herodotus : the history of Herodotus. Translated by Harry Carter ( London – 1962).
c. file:///C:/Documents/KURD/MEJU_kon/MIDIYA/%D8%B2%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%8A%D9%86%20_%20%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%20%D9%83%D8%B1%D8%AF.html
[1]