هل حل القضية الكوردستانية يكمن في الفيدرالية ؟
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5504 - 2017-4-27 - 21:02
المحور: القضية الكردية
الفكر الوطني الكوردستاني (10)
هل حل القضية الكوردستانية يكمن في الفيدرالية ؟
قبل الحديث عن الموضوع الذي نحن بصدده، ينبغي تعريف الفيدرالية وشروط نجاحها. الفيدرالية هي نظام سياسي و إداري تتفق على إقامته وحدتان سياسيتان مستقلتان أومجموعة وحدات سياسية مستقلة (دول، أقاليم، ولايات، كانتونات) للعيش معاً ضمن كيان سياسي موحد. يتم خلال الإتفاق المُبرَم بين الطرفَين المعنيين أو الأطراف المعنية، وضع دستور و قوانين تُنظّم العلاقة بين الأطراف المؤسسة للدولة الفيدرالية.
من شروط تأسيس دولة فيدرالية، هي أن تكون هناك عدة وحدات سياسية مستقلة ذات إرتباط وثيق ببعضها محلياً وتاريخياً وعِرقياً، يجعلها قادرة على خلق هوية وطنية مشتركة. كما أنّ إقامة دولة فيدرالية تتطلب رغبة الجهات المشاركة في الدولة الفيدرالية في خلق وحدة وطنية فيما بينها والعمل على المحافظة على إستقلال كل وحدة سياسية في الإتحاد. كما أنه يُشترط في تأسيس دولة فيدرالية أن تتوفر الثقة بين الجهات الداخلة فيها لتستطيع الجهات المشترِكة فيها، التعاون معاً و التأكد من عدم قيام جهة أو جهاتٍ ما بِخرق الدستور و القوانين التي تنظم الشراكة بينها. كما يجب أن يكون الإتحاد مقبولاً لدى أطراف الإتحاد ليكون إتحاداً إختيارياً بين أطرافه. يشترط أيضاً أن يكون المستوى الحضاري لشعوب الإتحاد راقياً لمنع الإخلال بقوانين الإتحاد وتفادي هيمنة جهة ما على الجهات الأخرى في حالة حصول سوء تفاهم في تفسير الدستور أو قانون ما و إتباع وسائل حضارية و أساليب ديمقراطية في حل الخلافات بين أطراف الإتحاد. توفر هذه الشروط تخلق علاقة متكافئة بين الجهات المشاركة في الدولة الفيدرالية و الذي يعني إختفاء جهة حاكمة و جهة أو جهات محكومة.
يرتكز النظام الفيدرالي على قاعدتين أساسيتَين: القاعدة الأولى هي أن يتوفر لكل ولاية أو إقليم نظام ذاتي مستقل، حيث تكون لكل ولاية أو إقليم، سلطة تشريعية وتنفيذية وكذلك سلطة قضائية مستقلة، لها حق السيادة على حدودها الطبيعية. القاعدة الثانية هي أنّ هذه الولايات أو الأقاليم تشترك مع البعض ببعض الخصائص، وتتنازل عن كياناتها السياسية المستقلة لصالح دولة مؤلفة من حكومة أو هيئة موحدة تجمع كل الولايات أوالأقاليم.
كما أنه في النظام الفيدرالي، للوحدات الفيدرالية حكومات كاملة الصلاحيات في إدارة شؤونها المحلية، في حين تؤول للحكومة المركزية السلطات المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع، كما تتولى جميع الشؤون المالية، كالحصول على الضرائب ووضع الميزانية الفيدرالية، ويكون للوحدات السياسية الفيدرالية نصيب من عائدات الضرائب والنشاط الإقتصادي والإستثماري الذي يتم على أراضيها.
كما أسلفنا، في النظام الفيدرالي، تحتفظ الحكومة المركزية بالصلاحيات المتعلقة بالسياسة المالية والخارجية وشئوون الدفاع. هكذا نرى أنه في النظام الفيدرالي، فأن الحكومة المركزية تحكم سيطرتها على المسائل المالية والعلاقات الخارجية ووزارة الدفاع وبذلك تحتكر السلطة في القضايا السيادية وتهيمن على الحكومات المحلية وتُكبّلها وتُفقدها إستقلاليتها وتجعلها حكومات تابعة لها، تتأثر بسياساتها وتخضع لإبتزازها وضغوطها.
من هنا نرى أن في الدولة الفيدرالية، الحكومات الإقليمية تابعة للحكومة المركزية و التي تعني أن العلاقات بين الحكومة المركزية و الحكومات الإقليمية هي علاقات غير متكافئة و النظام الفيدرالي ليس نظاماً يستجيب لحقوق الجهات المشاركة فيه و إنما هذا النظام هو نظام إدارة لامركزية لِتجنب البيروقراطية. لِنأخذ ألمانيا كمثال، حيث أن الشعب الألماني هو شعب واحد متجانس، يشتركون في اللغة و الثقافة و التأريخ، ومع ذلك فأن هذه البلاد لها نظام فيدرالي لتطبيق إدارة لامركزية من خلال تخويل الحكومات المحلية بعض الصلاحيات الإدارية.
كما أن الأنظمة الفيدرالية تختلف عن بعضها البعض تبعاً للدساتير والقوانين التي تُنظّم العلاقة بين الحكومة المركزية و الحكومات الإقليمية و لذلك توجد نماذج عديدة ومختلفة من النظام الفيدرالي في العالم، معتمداً على كيفية تنظيم العلاقة بين أطراف الدولة الفيدرالية.
من خلال تطبيق شروط قيام دولة فيدرالية على الواقع الكوردستاني، نرى أن هذه الشروط غير متوفرة فيه، حيث أن الثقة مفقودة بين شعب كوردستان والدول المُغتصِبة لكوردستان و أن شعب كوردستان لا يرتبط بِصلات عرقية وتاريخية مع شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان وأن شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان هي شعوب متخلفة، غير مؤهلة لبناء دولة فيدرالية ناجحة، تستجيب لحقوق و حريات و ثقافات و طموحات شعب كوردستان.
كما أنه يجب إستفتاء شعب كوردستان لإبداء رأيه في تقرير مصيره وينبغي أن يختار الفيدرالية بمحض إرادته.
بناء على ما تقدم، فأنه لا يمكن أن يعيش شعب كوردستان في دول فيدرالية مع شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان وأن الدستور الفيدرالي والقوانين المستمدة منه سيكون حبراً على الورق ولا يتم الإلتزام به وتطبيقه. الفيدرالية في العراق خير مثال على إستحالة نجاح دول فيدرالية، تضم الشعب الكوردستاني. في البداية يجب القول بأن الدولة العراقية في الواقع هي دولة كونفيدرالية وليست فيدرالية، حيث أن لإقليم جنوب كوردستان قواته المسلحة المستقلة وله ممثلون في البعثات الدبلوماسية العراقية وأن حكومة الإقليم تتعامل مباشرةً مع الدول الأجنبية وتجبي الضرائب و أن الإقليم شبه مستقل إقتصادياً. الكونفيدرالية هي نظام سياسي و إداري تشترك فيه مجموعتان أو أكثر (أقاليم، دول، ولايات، كانتونات) و تكون لهذه المجموعات حقوق و سلطات متكافئة أي أن في النظام الكونفيدرالي لا توجد حكومة مركزية و إنما حكومات محلية لكل إقليم. كل إقليم تكون له مقومات دولة من سن دستور و قوانينه الخاصة به و إمتلاكه لقواته المسلحة و إستغلال ثرواته الطبيعية و الإشراف على علاقاته الخارجية مع إتفاق الأقاليم فيما بينها على تشكيل دولة كونفيدرالية و العمل على حماية المصالح المشتركة لمكونات الدولة الكونفيدرالية و وضع آلية لإنجاز هذه المهمة.
رغم كون النظام العراقي عملياً هو نظام كونفيدرالي وأن البلاد تخوض حرب أهلية منذ 14 سنة ورغم ضعف الحكومة العراقية، إلا أنها بإستمرار تهدد الإقليم وبعد إنتهاء المشاكل الداخلية للدولة العراقية، فأن حكومتها ستعمل على إفشال التجربة الكوردستانية في الإقليم وغزوه وإحتلاله من جديد. لذلك ينبغي على القوى السياسية في إقليم غرب كوردستان أخذ الدروس من تجربة إخوانهم في إقليم جنوب كوردستان وتستند على الوقائع الموجودة وأن تقوم قيادات الإقليمَين بإعلان إتحاد أو وحدة الإقليمَين والتنسيق والتعاون بينهما ووضع إستراتيجية تحررية موحدة ورفع شعار (إستقلال كوردستان) في هذه الظروف الصعبة، وإلا ستقود هذه القيادات السياسية الإقليمَين نحو الفشل والإندحار وسيخسران جميع المكاسب المتحققة الآن وسيختفي الإقليمان ككيانان سياسيان شبه مستقلان.
[1]