حقائق مُهمّة عن الواقع الكوردستاني (1)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 5494 - 2017-04-17 - 17:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
كفى شعوب الشرق الأوسط موتاً ودماراً وتخلفاً!(3)
من خلال التمعن في الواقع الكوردستاني، يظهر بعض الحقائق المهمة المتعلقة بالقضية الكوردستانية والتي ينبغي أن تُشكّل هذه الحقائق ركائز أساسية للإستراتيجية الكوردستانية. تُحدد هذه الحقائق الخيارات الكوردستانية الهادفة الى تحقيق حرية شعب كوردستان وتحرير وطنه. لذلك ينبغي أن تؤخَذ هذه الحقائق بنظر الإعتبار عندما يتم البحث عن حل القضية الكوردستانية وإختيار الشعار الذي ستتبنّاه القيادة الكوردستانية لمثل هذا الحل ولوضع إستراتيجية متكاملة وناجحة للنضال الكوردستاني.
الحقيقة الأولى: إن كوردستان بلد مُغتصَب من قِبل عدة دول ولذلك فهي مجزأة، كل جزء يتبع سياسياً وثقافياً ولغوياً وإقتصادياً وإجتماعياً للدولة المُغتصِبة لها و التي تنهب أيضاً الثروات الطبيعية الهائلة لكوردستان. نتيجة واقع التجزئة ومؤامرات الدول المُغتصِبة لكوردستان وإنعدام قيادة وطنية كوردستانية محنّكة، أصبح النضال الكوردستاني مجزأً ومشتتاً، حيث أن كل جزء من أجزاء كوردستان يناضل بمعزل عن الأجزاء الأخرى، بل أن الأقاليم الكوردستانية في أحايين كثيرة تُخاصِم وتحارب بعضها البعض بدلاً من توحيد نضالها ضد مُغتصِبي كوردستان.
كما أن كل جزء مُغتصَب من كوردستان قام بتأسيس تنظيمات سياسية خاصة به، بدلاً من تنظيمات سياسية موحدة تضم كافة أجزاء كوردستان وبذلك يقرّ القادة السياسيون الكوردستانيون عملياً بتجزئة كوردستان والإعتراف بالواقع الكوردستاني الحالي وبحدود الدول المُغتصِبة لكوردستان التي رسمتها الدول الإستعمارية وعمل هؤلاء القادة ولا يزالون يعملون على تجزئة النضال الكوردستاني وتفريق وإضعاف قوة شعب كوردستان.
الحقيقة الثانية: إن الخطورة الكبرى التي يواجهها شعب كوردستان تكمن في أن إستعمار كوردستان هو إستعمارٌ إستيطاني، حيث تدّعي الدول المُغتصِبة لكوردستان بأن شعب كوردستان هو أجزاء من الشعب التركي والشعب العراقي والشعب السوري والشعب الإيراني وأن كوردستان هي جزء لا يتجزأ من أراضي هذه الدول المُغتصِبة لكوردستان. أي بكلامٍ آخر فأن الدول المُغتصِبة لكوردستان تعتبر كوردستان مُلكاً لها وبذلك تُجرّد شعب كوردستان من هويته وتُلغي وجود كوردستان كوطن للكوردستانيين وتنهب ثرواتها.
هذا الإستعمار الإستيطاني يُشكّل خطراً جدّياً على وجود الشعب الكوردستاني كشعبٍ مستقل له حضارته وثقافته وتأريخه العريق. لِكي يدوم إستمرار الإستعمار الإستيطاني لكوردستان، يعمل المحتلون على إزالة آثار وجود الشعب الكوردستاني، حيث عملت الدول المُغتصِبة لكوردستان ولا تزال تعمل على تعريب وتتريك وتفريس كوردستان وشعبها، حيث قامت بتشريد ملايين الكوردستانيين من أماكن سكناهم في كوردستان وترحيلهم قسراً الى المناطق العربية والتركية والفارسية في كل من (العراق وسوريا) وتركيا وإيران على التوالي وتم إحلال العرب والترك والفرس محلهم وتم الإستيلاء على ممتلكاتهم. كما تم تغيير عشرات الآلاف من الأسماء الكوردية للشوارع والأماكن والقرى والقصبات والمناطق والمدن الكوردستانية لإلغاء الوجود الكوردي في وطنه وعلى أرضه التأريخية. نتيجة هذه السياسة الإستعمارية الإستيطانية، تم تتريك وتعريب وتفريس الملايين من الكورد وتقلصت وإنكمشت مساحة كوردستان.
الحقيقة الثالثة: قامت الدول المُغتصِبة لكوردستان، بترسيخ الفكر القومي العنصري الإستعلائي في نفوس شعوبها وتلقينها بمعلومات كاذبة مشوّهة عن الشعب الكوردي وأصله وتأريخه وحضارته ضمن مخطط مبرمج لخلق عداءٍ قومي بين شعب كوردستان من جهة والشعوب التركية والفارسية والعربية من جهة أخرى لكسب شعوبها الى جانبها للمساهمة في إنجاح مخططاتها العنصرية بِمحو شعب كوردستان كشعب وتتريك وتفريس وتعريب كوردستان لسرقتها ونهب ثرواتها.
هذا المخطط العنصري لغسل أدمغة الشعوب التركية والفارسية والعربية تمّ ويتم عن طريق وسائل الإعلام ومناهج التعليم وعن طريق زج هذه الشعوب في حروب كارثية وتجويعها وتجهيلها ونشر الأمية في صفوفها لتسهيل عملية غسل أدمغتها وإنقيادها الى القبول والإيمان بالفكر العنصري وخلق مواقف عنصرية وعدائية تجاه حق الشعب الكوردستاني في الحرية والإستقلال كأي شعب آخر من شعوب العالم.
حكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان نجحت الى حد كبير في إقناع شعوبها بأن كوردستان هي أرض تركية (القسم المُغتصَب من قِبل تركيا) وعربية (القسم المُغتصَب من قِبل العراق وسوريا) وإيرانية (القسم المُغتصَب من قِبل إيران). هذا النجاح لحكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان، خلق شرخاً كبيراً في العلاقة بين شعب كوردستان من جهة والشعوب التركية والفارسية والعربية من جهة ثانية والذي عمل على جعل تمتع كوردستان بإستقلالها من الأمور الصعبة من خلال الحوار والتفاهم والإتفاق و في نفس الوقت قاد الى جعل النضال الكوردستاني أكثر صعوبةً.
لو أُعطيت الشعوب التركية والفارسية والعربية فرصةً جيدة لتكون واعية ومُدرِكةً لمصالحها، لَكانت هذه الشعوب تتحالف مع شعب كوردستان لتحريره من الإحتلال وتحرير هذه الشعوب نفسها من حكوماتها الدكتاتورية والعنصرية لتحقيق الحرية والعيش الكريم لنفسها ولشعب كوردستان ولَقامت ببناء أنظمة ديمقراطية في بلدانها، تنعم بالحرية والسلم والأمان والإزدهار. إن مصالح شعب كوردستان تلتقي مع مصالح شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان للقضاء على الأفكار الشمولية والعنصرية المتخلفة وبناء دول ديموقراطية تعمل حثيثاً للإلتحاق بالدول المتقدمة المتحضرة والمساهمة في خدمة الإنسانية وتعمير وتطوير كوكبنا الأرضي، إلا أن تخلف شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان هو عائق أمام توحيد صفوفها مع شعب كوردستان لتحرير نفسها من براثن الدكتاتورية والشمولية والعنصرية من جهة وتحقيق إستقلال كوردستان من جهة أخرى. سنتابع في الحلقة القادمة سرد حقائق أخرى عن الواقع الكوردستاني.[1]