الادب الكردي 6
#شكري شيخاني#
الحوار المتمدن-العدد: 7728 - #2023-09-08# - 11:06
المحور: القضية الكردية
لقد استطاع العاشقان (مم وزين) حيناً من الزمن أن يخفيا عن الناس قصة حبهما، وان يحجبا عنهم جبروت السلطان الذي يتحكم في قلب كل منهما من غير رحمة، ولكن هذه المرحلة لم تدم لهما طويلاً، فسرعان ما هتك من حول قلبهما الستر، وانتشرت مدامعهما بين أبصار الناس، وراحت الألسن تتحدث عن حبهما وتتخذ من خبرهما لحناً يسري إلى كل مكان، وينتهي إلى سمع الأسياد والعبيد. وراحت التعليقات المتخيلة تسبح حول ذينك المسكينين البريئين اللذين لم يذوقا من الحب إلا مرارته وعلقمه، سوى أقاويل كاذبة، وتسرب الخبر إلى الحاجب الخبيث (بكر) الذي أوغر قلب الأمير ضد (مم) الذي يعبث بشرفه وسمعته، فصمم على قتله، واعد له المكيدة كما رسمها له بكر، ولكن تدخل صديق (مم) (تاج الدين) جعله يستبدل عملية القتل بسجنه مدى الحياة في إحدى أقبية الآبار الحالكة دون مبرر أو منطق!
وفي غياهب السجن، أصيب (مم) بشتى الأمراض منتهيا بمرض السل، أما (زين) فقد كان حالها ليس بأحسن من حاله، فقد انتهى أمرها مهجورة في إحدى غرف القصر، تبكي حظها العاثر، وحبيبها المسجون، وفي إحدى الأيام جاءها الأمير زين الدين بخطة جهنمية رسمها له حاجبه الخبيث (بكر) لكي يقتل (مم) أمام عينها، ولكن الأمير عندما شاهد أخته في حال اليأس رق لها قلبه، وندم على ما فات، وطلب من أخته الصفح ، وهنا خاطبته (زين): لقد فرقتنا في هذه الحياة، فوصيتي لك أن تجمعنا في مماتنا. ثم سمح لها بزيارة (مم) في سجنه لعلها تودعه قبل الرحيل، وعندما شاهدته ألقت بجسمها عليه وتعانقا معاً حتى لفظ الاثنان أنفاسهما، وهكذا حكم الدهر أن لا يجتمع الحبيبان إلا في ظلمات تلك الحفرة، وتوارى العاشقان في قبر واحد.
أما الحاجب الخبيث (بكر)، فقد نال جزاءه العادل وهو الموت على يد (تاج الدين) صديق (مم)، الذي ازعجه الحالة التي وصل إليها هذان العاشقان البريئان بسبب ما قام به من فتنة ووشاية بين الأمير وذينك الحبيبان. ومن المدهش في القصة أن (زين) أوصت بأن يدفن (بكر) تحت قدميهما مباشرة! والسبب في ذلك، أن يلازمهما ويصبح حاجباً مخلصاً لهما في الجنة، لأن الأقدار سخرته لهما، ليصفو حبهما هذا الصفاء الروحي، ولتسمو نفسهما إلى ما فوق مظاهر المادة .
ويقال، إن لبطلي القصة المؤثرة اليوم قبرين معروفين في جزيرة ابن عمر يستطيع كل من أراد أن يشاهدهما. والعجيب أن قبر (مم وزين) يظل محاطاً بسور من ظلال الأشجار والورود.. أما قبر (بكر) فلا تكاد الأشواك تبارحه، وتعلوه بغزارة.[1]