الكرد.... والتهديد التركي المستمر 4
#شكري شيخاني#
الحوار المتمدن-العدد: 7291 - #2022-06-26# - 22:43
المحور: القضية الكردية
وكما كتبت سابقا أنني أتوخى الحيادية في ذكر الكثير من التفصيل لأحداث ومواقع كانت تشكل علامات بارزة في حياة الكورد والاتراك .. وإن كنت من أصول كردية معتزا ومفتخرا ولكن في ذات الوقت أريد لكل المكونات من حولنا مفصل تاريخي بكل ما للكلمة من معنى .. وهو عصر معاهدة سيفر.. حيث تغيرت بموجبها جغرافيا كثيرة ووضع حدود مصطنعة بل وتغيير ديمغرافي.. ماذا تعني معاهدة سيفر:
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالميّة الأولى، وفي اطار الحفاظ على السلطة وقطع الطريق على حكومة مصطفى كمال في أنقرة، وبالتوازي مع مساعي استمالة الأقليّات القوميّة في السلطنة بخاصّة الكرد والأرمن، وكنوع من تبرئة الذمّة من مذابح الأرمن، وقّعت حكومة اسطنبول برئاسة علي رضا باشا يوم #10-08-1920# على معاهدة سيفر والتي نصّت على الاعتراف بأرمينيا، وبالعراق وسورية تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني.
كما نصّت البنود 62، 63، 64 من الفقرة الثالثة على منح المناطق الكرديّة الحكم الذاتي، واحتمال حصول كردستان على الاستقلال، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان، طبقاً للبند 62. ونصّت البنود الثلاث على التالي:
62 تشكل الحكومة لجنة يكون مقرها القسطنطينة – اسطنبول - تتألف من اعضاء ثلاثة تعيّنهم الحكومة البريطانيّة والفرنسيّة والايطاليّة. وعلى هذه اللجنة ان تضع في غضون ستة اشهر من التوقيع على هذه المعاهدة مشروعاً للحكم الذاتي المحلي للمناطق التي تسكنها غالبيّة كرديّة والواقعة شرق الفرات وجنوب الحدود الجنوبيّة لأرمينيا، كما ستقرر فيما بعد، وشمال حدود تركيا مع سورية، وبلاد ما بين النهرين.
63 توافق الحكومة العثمانيّة من الآن على قبول وتنفيذ القرارات التي تتخذها الهيئة المقرر تشكيلها في المادة 62 أعلاه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إخطارها بتنفيذ تلك القرارات.
64 في غضون سنة واحدة من هذا التاريخ، اذا ظهر الشعب الكردي القاطن ضمن المناطق المحددة في المادة 62، ان اغلبيّة سكان تلك المناطق ترغب في الاستقلال عن تركيا، واذا رأى المجلس (مجلس عصبة الأمم) أن هؤلاء جديرون بهذا الاستقلال، وإذا اوصى بأن تمنح لهم، فعلى تركيا ان توافق على تنفيذ مثل هذه التوصية، وان تتنازل عن كل حقوقها وامتيازاتها في تلك المناطق.
رفضت حكومة أنقرة هذه المعاهدة، واعتبرتها اذلالاً للسلطنة العثمانيّة وظلماً بحقّها، وتخاذلاً من حكومة اسطنبول والسلطان محمد وحيد الدين، وان الفريق الحاكم في اسطنبول قد خان الوطن. ففي #30-10-1922# قدّم مصطفى كمال مشروع قرار الى البرلمان يطالب فيه بإلغاء السلطنة واتهام السلطان بالخيانة العظمى. ووافق البرلمان على ذلك في #01-11-1922# بفصل السلطنة عن الخلافة وإلغاء الأولى!.
ونجحت حكومة أنقرة في اقناع الاكراد بإرجاء مطالبهم القوميّة، عبر قطع الوعود لهم، كما ذكرنا آنفاً، فأرسل مصطفى كمال وفداً الى مؤتمر لوزان، برئاسة صديقه عصمت إينونو (1884 _ 1973). وأثناء تواجد الوفد هناك، طلب مصطفى كمال من النواب الأكراد في البرلمان، الرد على الاستفسار، الذي وصله من إينونو (كردي الاصل)، في مؤتمر لوزان، حول رغبة الأكراد في البقاء ضمن الدولة التركيّة الجديدة. فردّ النائب الكردي عن أرضروم، حسين عوني بيك، قائلاً: & إن هذه البلاد هي للأكراد والأتراك. وإن حقّ التحدّث من هذه المنصّة، هو للأُمتَين، الكرديّة والتركيّة& . وأيده النواب الكرد في البرلمان. وبموجبه، أعلن إينونو في مؤتمر لوزان، أن & تركيا هي للشعبَين، التركي والكردي، المتساويَين أمام الدولة، ويتمتعان بحقوق قوميّة متساوية& .
وحين وجد المشاركون، أن الأكراد، لا يريدون الانفصال عن تركيا، وأن الاخيرة وعدت بتلبية مطالبهم القوميّة، وافقوا على غض النظر عن أي فكرة لاستقلال كردستان، وحذفوا ذكر الأكراد من وثائق المؤتمر. وتمّ التوقيع على معاهدة لوزان بين الحلفاء وحكومة أنقرة في #24-07-1923# .
ونسفت هذه المعاهدة ما جاء في معاهدة سيفر، عبر تقديم التنازلات المتبادلة بين تركيا والانكليز والحلفاء فيما يخصّ المسألة الكرديّة. ولم يُذكر في نصّ المعاهدة أي شيء عن استقلال الأكراد وحقوقهم القوميّة، سوى ما جاء تلميحاً في المواد 38، 39، 44 من الفصل الثالث. حيث جاء في المادّة 38: تتعهد الحكومة التركيّة بمنح جميع السكان الحماية التامّة والكاملة، لحياتهم وحريتهم، من دون تمييز في العِرق والقوميّة واللغة والدين. وفي المادة 39: & لن تصدر أية مضايقات في شأن الممارسة الحرة لكل مواطن تركي لأية لغة كانت، إن كان ذلك في العلاقات الخاصة أم في العلاقات التجارية، أم في الدين والصحافة، أم في المؤلفات والمطبوعات، من مختلف الأنواع أم في الاجتماعات العامة.
وتقول المادة 44: إن تعهدات تركيا هذه، هي تعهدات دولية، لا يجوز نقْضها، في أي حال من الأحوال، وإلا فيكون لكل دولة من الدول الموقعة معاهدة لوزان، والدول المؤلفة منها عصبة الأمم، الحق في الإشراف على تنفيذ تركيا هذه التعهدات، بدقة، والتدخل ضدها، لحملها على تنفيذ ما تعهدت به أمام العالم.
وبعد إعلان مصطفى كمال – أتاتورك ولادة الجمهوريّة التركيّة في 29-10-1923، وضمانه دعم الغرب والقوى العظمى، وتغاضيها عن مذابح الأرمن وحقوق الاكراد، بدأ أتاتورك التنصّل مما جاء في معاهدة لوزان، ووعوده للكرد. بدأت مرحلة مريرة ومظلمة في حياة أكراد تركيا. وكردّة فعل على & خيانة& اتاتورك لوعوده التي قطعها للكرد، اندلعت انتفاضة الشيخ سعيد بيران، سنة 1925، وساندها الأرمن والشركس والعرب والاشوريين في مناطق جنوب شرق تركيا.
ومشاركة الأرمن والآشوريين في الانتفاضة، يعني بأنها لم تكن إسلاميّة صرفة، تدعو لعودة دولة الخلافة، كما يرى البعض. وانتهت هذه الانتفاضة بالسحق واعتقال الشيخ سعيد واعدامه مع رفاقه في #30-05-1925# . ثم اندلعت انتفاضة جبل آغري، بقيادة الجنرال في الجيش العثماني، إحسان نوري باشا (1893 – 1976) سنة 1926 واستمرّت لغاية 1930. وأيضاً تمّ سحقها. ثمّ اتت انتفاضة الكرد العلويين في محافظة ديرسم، بقيادة سيد رضا، سنة 1937 - 1938.
وتمّ سحقها عبر استخدام الطيران. وكانت ابنة اتاتورك بالتبنّي، صبيحة غوكتشن (أوّل أمرأة تقود طائرة حربيّة في تركيا والعالم. ويقال انها من أصول أرمنيّة، بحسب الكاتب التركي الارمني الراحل هرانت دينك) هي التي تقصف مدينة ديرسم بالقنابل. وراح في المجازر التي ارتكبت في سحق الانتفاضات الكرديّة عشرات الالوف من الكرد، ومئات الالوف من المشرّدين والمهجّرين قسراً.
وهكذا، كانت خاتمة السلطنة العثمانيّة مذابح الأرمن (1915 – 1917)، وكانت بداية العهد الجمهوري – العلماني، الاتاتوركي، المجازر بحق الكرد.
أثناء ذلك، أرسى اتاتورك مبادئ الدولة – الأمّة في تركيا، ارتكازاً على عمليّات الانكار والصهر والتذويب لكل الأقليّات القوميّة، وفي مقدّمتها الكرد، ضمن بوتقة القوميّة التركيّة. وجرى انكار كل شيء له علاقة او يوحي بوجود الكرد في تركيا. وتمت تسميتهم ب& اتراك الجبال& .
وحوربت اللغة والثقافة الكرديتين، الى درجة جرا فيه تغيير الوان اشارات المرور؛ الاخضر والاحمر والأصفر (ألوان العلم الكردي). وتفاقمت سياسات الصهر والقهر والمنع والقمع والتذويب بحقّ الكرد في الانقلابات العسكريّة الثلاث التي شهدتها تركيا (1960، 1971، 1980) حيث ازدادت الدولة الكمالية (الاتاتوركيّة) في تشددها وتطرّفها القومي. وفي نهاية السبعينات، وتحديداً #27-11-1978# ، أجتمعت مجموعة من الشبيبة الكرديّة، بقيادة عبدالله أوجلان (الطالب في كليّة العلوم السياسيّة وقتئذ) في قرية فيس التابعة لمنطقة & لجه& بمحافظة آمد / دياربكر، وأعلنت عن تشكيل حزب العمال الكردستاني PKK (الاحرف الثلاث الأولى من الاسم الكردي للحزب). كان شعار الحزب: تشكيل كردستان المستقلّة الاشتراكيّة الموحّدة. والخطوة الأولى في هذا المسار هو التمهيد لاعلان الثورة والكفاح المسلّح. وبخصوص آيديولوجيّته فكانت خليط من اليساريّة والقوميّة كردّة فعل على اليسار التركي الذي انشق عنه أوجلان. ذلك ان هذا اليسار طالب الكرد بإرجاء مطالبهم لحين تحقيق الاشتراكيّة في تركيا. تماماً كما فعل اتاتورك سابقاً، وكما كان يطالب اليساريون والاسلاميون العرب والفرس من الكرد في العراق وسورية وايران، حتّى الآن.
عقد العمال الكردستاني مؤتمره الثاني سنة 1982 في سورية، واتخذ قرار التمهيد للعمل المسلّح. وقام بأوّل عمليّة عسكريّة ضدّ الجيش التركي في منطقة أروه التابعة لمحافظة شرناخ في #15-08-1984# . وبحلول 2013، يكون قدّ مرّ على الصراع المسلّح بين تركيا والكردستاني 29 سنة، لم يستطع كلا الطرفين حسم الحرب لصالحه، رغم تفاوت ميزان القوى لصالح تركيا والدعم الاقليمي والدولي الذي حظيت به من الغرب والناتو واسرائيل.
لا يوجد إحصاء دقيق لعدد ضحايا الصراع المسلّح بين الكردستاني وتركيا. وكل طرف يورد الارقام حسب تقديراته, وتتراوح بين 60 – 70 ألف شخص. ناهيكم عن إحراق الجيش التركي لما يناهز 4500 قرية كردية وافراغها من سكّانها.
مع استلام تورغوت أوزال (1927 – 1993) لرئاسة الجمهوريّة في #09-11-1989# ، بدأت تلوح في الأفق بوادر اصلاحات في سياسات الدولة تجاه الكرد. منها؛ اصدار عفو عن السجناء السياسيين، شمل آلاف الكرد، بينهم قيادات بارزة في الكردستاني (مصطفى قره سو، ساكنة جانسيز، كاني يلماز، محمد شنر...)، ثمّ استبدل الحظر الكلّي عن التكلّم باللغة الكرديّة بحظر جزئي، سنة 1991.
كما أشار أوزال إلى أنه ينحدر من أصول كرديّة. وبموت أوزال المفاجئ والغامض في #17-04-1993# ، دخل الصراع الكردي – التركي نفقاً شديد العنف والدمويّة، شمل كل الموالين للحلّ السلمي بين الساسة والعسكر التركيين.[1]