الكرد.... والتهديد التركي المستمر 6
#شكري شيخاني#
الحوار المتمدن-العدد: 7294 - #2022-06-29# - 17:24
المحور: القضية الكردية
وللوقوف على حقيقة المواقف التركية الحالية لابد من قراءة تاريخ العلاقات الكوردي العثمانية والجدل الكبير والعقيم الذ لف هذه العلاقات منذ مئات السنين حيث كانت لسورية (بلاد الشام) أهمية كبيرة بالنسبة لتاريخ الشعب الكردي. على الرغم من أن قبائل كردية صغيرة استقرت منذ القديم في المناطق الجبلية الساحلية واندمجوا مع سكان المنطقة، إلا إن التاريخ الحقيقي للكرد يبدء بحسب المصادر العربية منذ هجرة (ربما المتحدثين باللهجة الكرمانجية) أشباه البدو من المناطق الشرقية لجبال طوروس في العصور الوسطى.
مع صعود الاقطاع العسكري في الشرق الأوسط وإعطاء الأراضي لبعض القبائل وقادة العسكر، استقرت ومنذ القرن 11-12 قبائل كردية في مناطق فيها حصون ذو أهمية استرتيجية مثل حصن الأكراد (قلعة الأكراد فيما بعد قلعة الحصن) والقصير في أعالي أنطاكية.
أقوى قائد عسكري في هذا العصر هو صلاح الدين الأيوبي (توفي 1193) الذي وحد كامل سورية واستطاع الانتصار على الصليبيين، وهو يتمتع بأهمية تاريخية عظيمة لدى الكرد والقوميين العرب. لم يتم حتى الآن البحث بشكل واسع في تاريخ القبائل الكردية. في تقارير البلاط العثماني والرحالة أمثال شرفخان البدليسي وأوليا جلبي لدينا معلومات غزيرة عن الإمارات الكردية في القرن 16-19 الميلادي والتي كانت تتمتع بنوع من الحكم الذاتي في أيالة دياربكر والمناطق المحيطة بها. بعكس ذلك يتم الحديث عن المجتمع الكردي في شمال سورية ابتداء من القرن 19 في كتابات المستشرقين الروس وموظفي الانتداب الفرنسي في القرن 20. بإمكان المرء الحصول على الكثير من الوثائق من الأرشيف العثماني بخصوص حلب والرقة وطرابلس والتي تلقي الضوء على الهيكل الإداري والمشاكل المتعلقة بالإدارة لدى القبائل الكردية في نهاية القرن 17 و18.
بعد فشل الحملة العثمانية ضد فيينا 1683م وما تبعها من فقدان لبعض المناطق في منطقة البلقان، تركزت سياسة الباب العالي بالدرجة الأولى على الأمن الداخلي والبناء الاقتصادي في المناطق الآسيوية للامبراطورية العثمانية، وترتكز هذه السياسة بشكل أساسي في مسألة الإسكان الداخلي للقبائل الكردية والتركية والمرتزقة من الجند، ولتحقيق ذلك اتبعت وسائل العنف والترحيل، إضافة إلى إيجار الأراضي بأسعار مناسبة وحوافز أخرى تدفع المرء للأستقرار. غزارة الوثائق الكتابية في الأرشيف العثماني ليس لها مثيل، وهي تزودنا بمعلومات عن مراقبة ومعاقبة القبائل من قبل الجهاز الإداري للسلطنة العثمانية، الأمر الذي يوفر لنا فرصة فريدة لمعرفة أمور كثيرة لم نكن نعلمها عن تاريخ الشعوب والاستعمار ضمن آسيا الغربية في بواكير العصر الحديث.
توجد ثلاثة مناطق في سورية الحديثة مجاورة للحدود التركية مفصولة عن بعضها البعض، تسكنها أغلبية كردية يتحدثون بلغتهم الأم. في هضبة عفرين (كرداغ) شمال غرب حلب، ومنطقة عين العرب (نبع العرب) شمال الرقة والحزام الحدودي حول القامشلي مع امتداد جبل سنجار العراقي في شمال شرق الحسكة. يتم التعرف في الوثائق العثمانية على مجموعات بدوية كردية كثيرة كانت تتوزع على مناطق واسعة من سورية الداخلية خلال القرن 18، وكانوا يجمعون الضرائب باسم الدولة، إضافة إلى هؤلاء البدو وجد قسم من الكرد الذين استقروا حديثاً وبنوا القرى.
يهدف هذا البحث إلى سرد العلاقة بين تلك المجموعات الكردية والدولة العثمانية من الناحية التاريخية وذلك من خلال وثائق الأرشيف العثماني. في الجزء الأول من البحث تتم دراسة القبائل والإمارات الكردية التي سكنت المناطق الغربية من الساحل السوري في القرن 18 والذين اندمجوا مع مرور الوقت في المجتمع العربي أي أنهم استعربوا. في الجزء الثاني من البحث تتم دراسة هجرة قبيلة الملان والرشوان خلال القرن 18 من مناطق الأناضول إلى منطقة الجزيرة، ولو أن الوثائق الحالية تمكننا من إلقاء نظرة تقريبية على توزع القبائل في ذلك العصر، وهي تبين لنا تداخل المجتمع الكردي والعربي خلال بواكير العصر الحديث.
1.2 حمص وحماه
تعتبر الأراضي العليا غربي مدن سورية الداخلية حمص وحماه من أقدم المناطق التي سكنها الكرد. ذكرت سابقاً بناء حصن الأكراد 1031 للأغراض العسكرية، وهو يقع في منطقة أستراتيجية هامة بين حمص وموانئ طرطوس وطرابلس الساحلية، ومع بداية العصر العثماني سكن الكرد في المناطق المحيطة بالحصن.
يرد في السجل العقاري العثماني (طابو التحرير) من القرن 16 و17 ذكر المجموعة القبلية (جماعت) التي تعرف بالكرد الحسكية (HESEKîYE) والتي شكلت مجموعة منفصلة في ناحية حصن الأكراد، وكانت تقوم بجمع الضرائب وترسلها مباشرة إلى الصندوق الخاص للدولة العثمانية، كما كان الحال بالنسبة للبدو وأشباه البدو في سورية أيضاً، وكانت هذه الضرائب تمول المنح الدينية لعائلة السلطان. وقد تم تحصيل الضرائب من 48 عائلة وهي عبارة عن غنم وجاموس. لا يظهر أسم الحسكية في أية وثيقة بعد سنة 1645-1646 (تاريخ آخر سجل عقاري لمدينة حمص).
مع بداية مشروع السلطة العثمانية لإسكان القبائل بنهاية القرن 17 تظهر عشيرة الساضلو Saçlo الكردية في مدينة حماه, التي لجأوا إليها تجنباً لدفع الضرائب للعثمانيين، وكان للساضلو علاقة قرابة مع كرد كلس. أما قبيلة قيليضلؤ (loçQili)- والذين سيتم ذكرهم أثناء الحديث عن حي الأكراد بحلب- فقد كان لديهم شعبة في قضاء محافظة حمص، وقد تم رفع دعوى قضائية سنة 1695 ضد أحد قادتهم المحليين بتهمة سرقة الغنم من أحد التركمان المحليين. لا توجد في الوثائق أية معلومات أخرى بخصوص منطقة حصن الأكراد.
كانت قرية وادي الحضور (udhῡrḤ) في سنة 1715 مركزاً يختبئ فيه الكرد خوفاً من قطاع الطرق (الأشقياء) الأتراك من الذين كانو قد تركوا قبائلهم وتجنبوا دفع الضرائب واعتادو على العيش على النهب والسلب. أما بالنسبة للكرد فقد كانت هناك نخبة منهم أعضاء في طبقة الضباط العسكريين, وقد كانت لهم اتصالات جيدة مع قبائل الأناضول وكذلك الجيش العثماني، الأمر الذي مكنهم من التحكم باستيراد الصوف والغنم من كامل المنطقة.
كان سليمان آغا- وهو شخص أصوله غير معروفة- يجمع الضرائب لسنوات طويلة من سكان حصن الأكراد وقراهم, ومول في بعض الأحيان الأستئجار لأمراء حمادة amāda-EmireḤ في لبنان. استناداً إلى ملفات القضاء نعلم بأن البرازي كانت أهم عائلة أغوات كردية، حيث امتلكوا مساحات واسعة من الأراضي العقارية ضمن مدينة حماه في القرن 19. اندمجت هذه العشيرة مع مرور الوقت بالمحيط العربي (أي أنهم استعربوا) وقد وصل البعض منهم إلى مناصب عليا في الجمهورية السورية...(( من موقع مدارات كانت المصادر لهذا المقال ))[1]