مظلومية الانسان الكوردي
#شكري شيخاني#
الحوار المتمدن-العدد: 7099 - #07-12-2021# - 17:41
المحور: حقوق الانسان
(( لا يستطيع احد ان يمحو او يطمس قومية احد.)). نعم ليس من باب العنتريات بل من خلال العمل باتجاه السلام سلام كل الشعوب واولها شعوب هذه المنطقة التي ترقد على فوهة بركان ويتحفنا الاستاذ الباحث ميخائيل سعد بشهادة انسانية رائعة عن الكورد وبعض اللوحات التصويرية الحوارية ويفضح بها اسلوب البعث في طمس الهوية الكردية ثقافة وفكرا.. يقول ميخائيل سعد:
شهد العام 1970 حدَثين مهمّين على مستوى سورية: الأول وصول حافظ الأسد للسلطة، بعد انقلاب عسكري قاده بنفسه ضد رفاقه في الحزب، والثاني كان انتشار مرض الكوليرا في سورية، وخاصة في ريفها، وكنت في ذلك العام مُعلّمًا في قرية “جويق” الكردية التي تبعد عن عفرين نحو 10 كم. كنت مُعلمًا “أصيلًا” مع أربعة معلمين وكلاء، وكنت مديرهم، بحكم “أصالتي”.
في أحد الأيام الخريفية، جاء أحد المُعلّمين الوكلاء، وهو من سكان القرية، إلى الإدارة، بعد انتهاء الدوام، ليقول لي إنه سيغيب عن المدرسة غدًا، وعندما سألته عن السبب، قال: سأذهب إلى حلب؛ لإجراء فحص التقدم لإحدى الكليات العسكرية، وتابع قائلًا: أنا أعرف أنني لن أنجح، ولكني مع ذلك سأذهب.
قلت له: لماذا أنت متأكد من عدم النجاح، ولماذا، مع ذلك، تصرّ على الذهاب، وتخسر أجرة يوم تعليمي، (كان في ذلك الزمن 7 ليرات سورية)؟!
قال: أنت تعرف أنه ممنوع قبول “الأكراد” في الكليات العسكرية، وفي التعليم أيضًا!
قلت له: لا أعرف ذلك، على الرغم من أنني فعلًا لم أشاهد أيّ مُعلّم أصيل من أصول كردية، وأنت المُعلّم الوكيل الوحيد الذي قابلته.
قال: سأذهب من أجل أن أعيش تجربة الرفض، من أجل أن أغضب أكثر، من أجل أن يعرف أقربائي وأصدقائي أنني مرفوض، فقط لأنني كرديّ.
في اليوم الثالث، عاد إلى المدرسة مبتسمًا، وقال: لقد تم رفضي. ولم يكن باستطاعتي أن أفعل له شيئًا، يظهر تعاطفي، إلا ارتكاب مخالفة مهنيّة بعدم تسجيل غيابه.
الطلاب
كانت العادة المتبعة في ذلك الزمن، وفي بعض مناطق سورية الريفية، أن يقوم طلاب المدارس الابتدائية بإطعام المعلمين، ولذلك يتم تسمية طالبين كل يوم من أجل إحضار طعام اليوم التالي للمعلم. في القريتين الكرديتين اللتين علّمت فيهما، كان الزيتون هو الحاضر الدائم، حتى إنني أصبحت خبير زيتون، في نهاية العام الدراسي. وكان بعض المعلمين يجمعون ما يأتيهم منه، ويأخذونه معهم إلى مدنهم أو قراهم.
كان طلاب الصف الأول الابتدائي يأتون إلى المدرسة، وهم غير قادرين على نطق أو فهم كلمة عربية واحدة، وتبدأ رحلة عذابهم مع اللغة العربية في اليوم المدرسي الأول، ولا تنتهي بعد ذلك أبدًا. وغالبًا ما يزيد من صعوبات تلك الرحلة الإجبارية سلوكُ المعلمين وطرقهم “التربوية”، التي لا علاقة لها بالتربية أو التعليم، وكانت “عصا” المعلم هي التي تتكلم في أغلب الأوقات. كانت المدارس في مناطق الأكراد كأنها فروع مخابرات أو مخافر شرطة، لا ينجو من العقاب إلا بعض الطلاب الموهوبين، أو من يتلقى مساعدة في تحضير الدروس من أهله، وهذه حالة نادرة، وهكذا تحول الذهاب الصباحي إلى المدرسة، إلى ما يشبه حفل تعذيب للطلاب. وكانت النتائج مخزية تعليمًا أولًا، وعلى مستوى الاندماج الوطني ثانيًا، فمن كان يستطيع متابعة الدراسة من الطلاب؛ كان يتحول إلى مناهض للنظام السوري ولكل ما هو عربي، ويحلم في الوقت الذي سيكون في دولته القومية الكردية، يتعلم لغته ويتكلم ويغني بها، أما من يفشل؛ فلم يكن أمامه إلا حَلب، يعمل في مطاعمها أو فنادقها الرخيصة، أو في العمل العضلي، مثل أعمال البناء.
في فرع حزب البعث
العام الدراسي 1970 – 1971، كان عامي التعليمي الثاني، بعد تخرجي في دار المعلمين، وكنت قد كوّنت تصوّرًا مقبولًا عن أزمة التعريب والتعليم في منطقة عفرين، من خلال تجربتي الشخصية وتجارب بعض الزملاء. وصدف أن تم اختيار ابن خالتي، لأسباب طائفية ومناطقية، ليكون في قيادة فرع حلب لحزب البعث. في أحد أيام الخميس، ذهبت إلى زيارته في مكتبه. كنت في ذلك الوقت في العشرين من عمري، وكنت بعثيًا مثل أغلبية خريجي دار المعلمين، فوجدت كافة أعضاء قيادة الفرع في مكتبه، رحّب بي وقدمني: الرفيق ميخائيل، معلمٌ في قرية قرب عفرين. سألني أكثر من “قيادي” عن الصعوبات التي تواجه عملية “التعريب” والتعليم، فاختصرتها بتقديم اقتراح لهم، كنت أتصور أنه قد ينهي “المشكلة” التي تتفاقم كل يوم: أقترح أن يُلحَق معلمو الصف الأول بدورة لتعلم اللغة الكردية، وبخاصة لمفردات كتاب القراءة للصف الأول الابتدائي، قبل بدء العام الدراسي، عندئذ يستطيع المعلم تعليمَ الكلمة العربية، من خلال الكلمة الكردية.
كأن انقلابًا عسكريًا حدث في المكتب! ألطف تعليق كان قول أحدهم: نحن نرسلكم لتعريب الأكراد، وأنتم تقترحون تكريد المعلمين! أما التعليقات الأخرى فراوحت ما بين خيانة أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية، وبين خدمة الإمبريالية العالمية، والمشاريع الصهيونية الهادفة إلى تفتيت الوطن العربي.
تسللت كلص، لاعنًا زيارتي وطول لساني، وقد رأيت وجه ابن خالتي كيف كان يتلون مع كل تهمة جديدة تصدر عن فم أحدهم، وكأنه هو المقصود بالتهمة، وليس أنا.
هل من حق الأكراد الاستقلال؟
كان للسيدة أم أحمد ستة أولاد، جميعهم في حلب، يعملون في جلي الصحون والطبخ في المطاعم، وفوق كل ذلك، كانت عندما تأتي إلى القرية لرؤية زوجها تغسل لي ملابسي وتكويها مجانًا، فأنا المعلم “المدلل” الذي استأجر غرفة فارغة عندهم. وكان أبو أحمد، في أغلب الأحيان، يقوم بتحضير الطعام لي وله، فهل يحق لي -أخلاقيًا- أن أكون ضد رغبتهم في الانفصال، وتأسيس دولة كردية مستقلة؟
لست بصدد تأييد استقلال إقليم كردستان العراق أو الوقوف ضده؛ فهذه مسألة سياسية تتحكم بها ظروف المنطقة وسياسات الدول، والألعاب السياسية التي لا مكان للأخلاق فيها، ولكن كي يكون لها صدقية شعبية فهي مبنية بالضرورة على أحلام شعب مقموع، يطمح -منذ أكثر من مئة عام- إلى تشكيل دولته القومية المستقلة، وبالتالي تُدغدغ مشاعره، مستحضرة كل ما عاناه من تمييز واضطهاد، لذلك فكل الكلام الذي يدعو إلى الحكمة وعدم التسرع في تأييد استفتاء الاستقلال، لا معنى له، ولن يجد صدى عند الغالبية العظمى من الأكراد.
مثالب الأكراد في السياسة والاجتماع كثيرة، وهي مثل مثالب العرب والترك والفرس، فهم جزء من شعوب هذه المنطقة، ولن يفيد أي كلام في ثنيهم عن حقهم المشروع في حمل جواز سفرهم الكردي، حتى لو كان مسعود برزاني هو صدام حسين الأكراد أو بشار أسد الأكراد.
كما أنني لا أستطيع نسيان جثة ذلك الكردي السوري الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية، وهو يدافع عن المقاومة الفلسطينية عام 1982، ولم يهتم أحد برفع جثته تلك، فقد مات وحيدًا، وبقي في العراء وحيدًا بلا جواز سفر، خلف بناء جامعة بيروت العربية، في بيروت. كما اسلفت صور من مجتمع تمازجت فيه الثقافتين الكردية والعربية بدون اي تمييز او تفريق كشعوب تريد التعايش معا ولكن ماذا نقول للاحزاب العنصرية والشوفينية والتي تبحث عن مصالحها فقط.
[1]