الكرد وتركيا ومنظومة الحداثة الرأسمالية - الجزء الثاني
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 3454 - #12-08-2011# - 20:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
تتباين درجات وأساليب الصراع بين القوى العالمية وتتنوع حسب المصالح، حتى ولو طغى عليها الصفة الوطنية أو القومية العامة، إلا أن الصبغة والمصلحة الذاتية تلعب دوره الرئيس فيها، ونادراً ما تكون خارج هذا الإطار، وهي نزعة إنسانية أنانية من الفرد إلى الجماعة، لكن التطور الفكري الحضاري والواعي للتعامل الإنساني برقيه، هو الذي يوجه هذه المصالح إلى جعلها متضامنة مع مصالح الآخر دولة أو شعباً، وهي نادرة الحدوث، لكن الحاذق في الملاعب السياسية هو الذي يستطيع التقريب ما بين مصالح شعبه وقضيته مع مصالح الآخرين إن كانت إقتصادية أو سياسية، وهنا تظهر سويات الحذاقة والحنكة في التكتيك السياسي، واعتماداً على ما قيل الآن وفي الجزء الأول يبرز السؤال التالي : لماذا تندمج مصالح القوى المستغلة لمبادئ الحداثة الرأسمالية مع الحركة الطورانية ولا تتمكن الحركة الكردية حتى من التقرب من هكذا أختيار، ولماذا لا تحاول الحركات الكردية، السياسية والثقافية والإجتماعية والإعلامية، وعلى رأسها قادة حركة منظمومة المجتمع الكردستاني منظومة المجتمع الديمقراطي تسخير جهودأً لتضييق هذا الشق بين الكرد والدول الرأسمالية، أو كما يتبدى الآن بمنظومة الحداثة الرأسمالية. ولا نظن بأن هذا التكتيك السياسي والدبلوماسي من ضمن الإستراتيجية النضالية العامة في الظروف الدولية الحالية ستضعف فعالية نضال الكرد الجاري مع السلطات المسيطرة على كردستان. وكما يفهم من خلال دراسات السيد عبدالله أوجالان عن الحداثة الرأسمالية وتحليلاته لأساليب تدخل الدول الرأسمالية في المنطقة وتقسيماتهم لها، والتي تعد دراسة إيديولوجية قيمة، تخدم الحركة في تكتيكها النضالي بل وفي استراتيجيتها بشكل عام وكيفية التعامل مع العالم الرأسمالي بالأسلوب الأذكى من أسلوب العدو للحصول على الأفضل، لكن كثيراً ما تؤخذ هذه التحاليل والدراسات بمطلقه ودون تدويل وتؤيل وإدارك للغاية التي تنبثق من خلال طروحاته، لهذا نجد بأن الإستنتاجات أو المفاهيم التي خرجت في الفترة الأخيرة كانت غير موفقة مع سوية الفكرة المطروحة وتسخيرها للنضال، كما وأنها لا تتساوى والتكتيك الذي مارسه ويمارسه حزب العمال الكردستاني بل ومنظومة المجتمع الكردستاني في سياستها الداخلية مع السلطات المقسمة لكردستان، ولايزال البعض منهم يتمسكون بالعدمية والإنعدامية في المفاهيم كما وفي التعامل الدبلوماسي.
لا أحد يستطيع أن يثبت بأن الدول التي تتبنى أو تدعم الحداثة الرأسمالية تبحث في طرق لإبادة الشعب الكردي، كما وأن إثارة مثل هذا المفهوم، وفي هذه الفترة بالضبط، يعد خطأً استراتيجي للحركة الكردية بل ولمجمل الشعب الكردي في المنطقة، أنها فكرة خطيرة بطرحها ونشرها، وكأننا أما قوى دولية غايتها إزالة الشعب الكردي، كما وأن تحليل السيد أوجالان للمنظومة وتوسعاتها لم تكن في إطار إبراز الفكرة السابقة، بل لإبراز تضارب المصالح وأستعمال دول منظومة الحداثة الرأسمالية لكل أنواع القوى للحصول على المصالح الذاتية من بنية أنانية.
ربما من المعقول التفكير بأن مصالحها الحاضرة وتحت الظروف التي تمر بها المنطقة لا تتلائم وقيام دولة كردستان كما كانت عليه مصالحها في القرون الماضية، لكن من المنطقي التمعن في مفاهيم أخرى ذاتية نابعة من توجهات الحركات الكردية التي لم تفعل الكثير لجعل مصالح تلك الدول العظمى تمر من خلال وجود كيان كردي خاص، كما فعلتها الدول العربية عندما تعاملت مع البريطانيين والفرنسيين وبدون قيود. وما قام به زعيم الحركة الطورانية أتاتورك مع الماسونية العالمية، عن طريق الدعم المباشر من يهود الدونمة، الذي كانوا من أشد المعاندين للحركات الكردية التحررية في المنطقة، لمواقف الكرد الصارمة تجاه التدخل الرأسمالي في مناطقهم، وهو نفس الموقف الذي لاتزال الحركات الكردية تتمسك به، دون أعتبار لغاية الكرد الأساسية، في الوقت الذي أستفادت منه الحركات القومية الأخرى والتي كانت خاضعة بدورها أيضاً تحت نير السلطة العثمانية، منها حركة آل سعود الذين سخروا الحركة الوهابية وتساهلوا مع الدعم البريطاني بكل شروطهم من أجل الغاية الأساسية وهو بناء كيان المملكة السعودية، المنبع الإسلامي مع الحركة الإسلامية المتشددة الوهابية تعاملت مع الحركات اليهودية الأولى كحركة الإتحاديين التي قامت لإزالة الخلافة العثمانية، فعن طريق هؤلاء حصلت الجزيرة العربية على الدعم اللامحدود من القوات البريطانية، والتي لولاهم لما تمكنوا من تحرير معظم أجزاء الدول العربية ولما أستطاعوا بناء المملكة الهاشمية أولاً والسعودية فيما بعد، هذا التكتيك السياسي والتعامل الدبلوماسي لم يتمكن الكرد من أستيعابه آنذاك، وهم لا يستوعبونه الآن أيضاً. ربما الخطأ الأكبر ليس في مواقف الدول العظمى، كما الآن مع دول الحداثة الرأسمالية، بل الخطأ في أسلوب تعاملنا الإقصائي أو حتى العدمي مع بعضنا أولاً ومع تطورات مفاهيم العلاقات الدولية في العالم.
هذا المفهوم لا يختلف بكثيره عن مفهوم التعامل مع النظرة إلى الإسلام الراديكالي وفي هذه المرحلة بالذات، لا يوجد أي تبرير منطقي في الدفاع عن هذا التيار أو أي تيار ديني ضد الولايات المتحدة أو دول الحداثة الرأسمالية. وفي الحقيقة صراع الحركة الكردية ومعها حزب العمال الكردستاني وعلى مدى نصف قرن كانت ضد قوى ذات ثقافات قومية فاشية أو دينية راديكالية، والحداثة الرأسمالية لم تدخل في المحك بشكل ظاهر إلا بعد أن تعرضت مصالحها الإقتصادية في المنطقة إلى أخطار مباشرة، منها الحروب الدائرة في المناطق الكردية، وللأسف لم تتمكن القوى الكردية وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني من الحصول على جوانب القوى في الميزان الدولي، والأسباب عديدة، ولسنا بصدد البحث في هذه القضية، وتحت ضغط الظروف الموضوعية والذاتية التي مرت بها الحركات الكردية بشكل عام، أضطرت إلى الأنزياح إلى جوانب القوى المنعزلة أو المعزولة دولياً والتي لم تتبنى يوماً المفاهيم القومية الديمقراطية أو الوطنية الديمقراطية، والتي كانت هي بذاتها محاربة من قبل القوى الرأسمالية العالمية.
ندرك تماماً بأن الثورات المنتفضة في الشرق تجاوزت إطار الحدود الدولية، وتزايدت محور الثقة العالمية بهذه الثورات الشبابية السلمية، كما أدت إلى ضعف جوانب الطغم الحاكمة وسلطاتهم في المنطقة، وإلى أنزياحات واضحة وميلان سياسي لدى أغلب إدارات الدول الرأسمالية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لإحتضان هذه الثورات، وبدايات تكوين سياسة نوعية جديدة وهي التخلي عن السلطات الدكتاتورية، خاصة تلك الإدارات الباحثة عن مناطق الإستثمار وترويج الرأسمالية بالأسلوب الحداثوي في العالم، رغم حذرهم الشديد من بروز القوة الإسلامية، خاصة المتطرفة منها، في المنطقة لقيادة هذه الثورات، إلا أنهم يتجهون إلى تبني استراتيجية حديثة لدعم مصالحها في المنطقة. لذلك من المنطق البحث عن الجوانب السهلة في داخل إدارات الدول الرأسمالية العالمية ومحاولة التقرب منها، لكسب جانبها لا عداوتها، حسب الظروف الإقتصادية والسياسية الفارضة نفسها على المنطقة من خلال مفهوم جدلية تاريخية تتجه إلى تغيير في المنطقة، وعلى الحركة الكردية الدخول في المجرى لا الوقوف في وجهها مصارع بلا سند.
كمفهوم الشرق الأوسط الكبير، أصبح البعض يهاجم الولايات المتحدة الأمريكية على أنها صاحبة الفكرة وتود من ورائها تغيير خارطة المنطقة، ربما لجعلها منطقة متكاملة لتطبيق برامج الحداثة الرأسمالية فيها، وفي الحقيقة هذه الفكرة بحد ذاتها كانت قد طرحت مرة في أدبيات المرحوم كاميران بدرخان في الخمسينيات من القرن الماضي، وقد بحث فيها أيضاً وبشكل واسع ودقيق السيد عبدالله أوجالان في نهايات القرن الماضي ولمدة عقدين من الزمن، وله دراسات واسعة عليها، ونحن من جهتنا لا نرى أي جانب خطأ أو خوف على القضية الكردية ونضاله في أحداث تغيير في خريطة المنطقة إن كانت بشكل شمولي أو جزئي، الخريطة بحد ذاتها مرسومة من قبل نفس الدول الرأسمالية الذين يطالبون بتعديلها الآن، معظم الشعوب والدول المتواجدة في المنطقة يعلمون تماماً بأن الحدود الدولية الحالية رسمت خارج إرادة الجميع، لكن عند محاولات العودة لتصحيحها الجميع يستفز؟! لماذا يعتبر الطرح من جانب البعض منطقياً، ومن قبل آخرين شاذاً؟.
بعض قادة الحركة الكردية يؤكدون على أن محاربة منظومة الحداثة الرأسمالية في المنطقة تعد مسيرة ناجحة مبنية على إيديولوجية مطلقة وتعتبر أستراتيجية لا يمكن المحيض عنه بتكتيات مرحلية، قدموا تحليلات للحاضر الملتهب وللمستقبل القادم لتسخير قسم من حراك الكرد ضدها، على أنه الأسلوب الأقوم في النضال، ودعم البعض هذا المفهوم بتحليلات غريبة لأسباب أنبثاق الثورات في الشرق، كتعويلها على أنها أنفجرت نتيجة المخاض الطويل للنضال المسلح العسكري لكل من حزب العمال الكردستاني والمنظمات الفلسطينية، ضد القوى الرأسمالية، إضافة إلى آخرين قدموا تحليلات أضيق أفقاً من هذا، منها تحليلات أئمة ولاية الفقيه في أيران، فهم يرون بأنها ثمرة تأثيرات الثورة الأيرانية وأفكار أئمتها، والتدخلات التي كانوا يقومون بها في شؤون الدول الأخرى والحركات المسلحة التي خلقوها في الكثير من دول المنطقة، وهاتين القوتين تتلاقى ومعادات دول منظومة الحداثة الرأسمالية، وفي الجانب الآخر منهم، يرى معظم الديمقراطيون بأن هذه الثورات أنبثقت تحت تأثير الأفكار الديمقراطية التي نشرتها دول الحلفاء في العراق بعد إزالة الحكم البعثي منها، أو بعد مؤتمر منتدى المستقبل الذي أنعقد في قطر عام 2006. أي من هذه الطروحات أقرب إلى الواقع؟ حيث كل طرف يتمسك بمنطقه وطرحه... ومن خلال كل هذا يبقى ذلك المفهوم الذي ربما سيعده البعض نوع من الإنتهازية السياسية، وأي كانت الاستنتاجات نرى بأنه يجب على الفرد الكردي معرفة حقيقة، بل ومنطق سياسي، يتبناه الجميع في العالم دون حياء، وهو البحث عن نقاط الإلتقاء وليست في خلق جبهات لا مصلحة للكرد فيها، ولا أستبعد منها تقبل مفهوم توسع شركات منظومة الحداثة الرأسمالية في مناطق الكرد، كما هي عليه في جميع دول المنطقة، على أن يكون لهم دراية في التعامل السياسي والدبلوماسي ويكون لهم فيها جانب رئيس أثناء البناء والتعامل وبكيان سياسي متكامل يمثل الشعب الكردي بكليته.
كانت حكومة العدالة والتنمية من الحكومات السباقة إلى تسخير هذا التكتيك السياسي بل وجعلتها استراتيجية مترسخة في سياسة الحزب، لتبقى متمسكة بزمام الدولة التركية، فهم كما نعلم من مخلفات الفكر الإسلامي الذي كان في بدايات القرن الماضي يقف في وجه الإتحاديون والعلمانية الأتاتوركية وضد من كان يقف معهم في جبهة واحدة من يهود الدونمة وفي نهايات القرن الماضي وبداية هذا القرن تمكنوا وبدهاء لا يخفى دمج مصالحهم وغاياتهم السياسية مع مصالح دول منظومة الحداثة الرأسمالية، فأستمالت القوى الرأسمالية ومعها الصهيونية العالمية إلى جانب الدولة التركية في مداركها التوسعية السياسية والإقتصادية في المنطقة كما وتمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على دعم واسع النطاق في المجالين، وكان هذا هي الركيزة الأساسية في قوتها وصيتها السياسي والإقتصادي، وعليه تتحدث الآن بطلاقة في المنطقة لجذب الإسلام إلى التيار الليبرالي، والذي كان يوماً يتمثل بالطريقة القشبندية التي أتبعها السلاطين العثمانيين المتأخرين وخاصة عبد الحميد ومن قادتها فيما بعد الشيخ سعيد النورسي الذي حورب من قبل بقايا يهود الدونمة بقوة، أثناء حياته وبعد وفاته أيضاً. اليوم تتغير القيم وتنقلب الأمور ليصبح عدو البارحة الصديق الإستراتيجي اليوم، ومن أحد أقطاب هذه الطريقة الملياردير التركي عبدالله كولان الذي يبحث عن أحياء القومية الطورانية بتسخير الطريقة النقشبندية الصوفية والبعيدة في الأصل عن مدارك السياسة، وبقدراته المادية التي يسخرها وبسخاء لجلب مساعدة دول منظومة الحداثة الرأسمالية، عن طريق خلق مصالح مشتركة في المنطقة. سوف أقف عند هذا الحد...وأسال:
أي من دول المنطقة لا قدم لدول منظومة الحداثة الرأسمالية العالمية فيها بشكل كامل؟ وأي من الدول لا تطلب المساعدات العالمية بشكل واضح منهم وترفض بنفس الوقت التدخلات الخارجية، وبدون أرتباك أو تأنيب في الضمير حول هذا التناقض؟ وكأننا أمام أنفصامات شخصية. وعليه، لماذا يحق للأخر ما لايحق للكرد، لماذا يجب أن يكون الكرد في المواجهة مع القوى العظمى دائماً؟ لماذا لم تلتقي مصالح الكرد والقوى العالمية ولو مرة في التاريخ؟ ولماذا التمسك بالمبادئ بمطلقه كخدمات مجانية، قدمت للأخرين وفي أغلب حالاتها لمصلحة الأعداء؟ ومع أدراكنا الكامل لكل ذلك نبقى متمسكين بمبادئ عصماء لا جدوى منها.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
MAMOKURDA@GMAIL.COM
[1]