الأبعاد المختلفة في ثورتي آذار كردياً وسورياً - الجزء الأول
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 3667 - #14-03-2012# - 06:33
المحور: القضية الكردية
بهار وآذارها، ماهية الصرخة والصمت في الوجود، الحلم والضياع، تعبير زمن ممزق بين إنفعالي السعادة والشؤم، وخالقي الخير والشر. ما تكالبت على صفحات التاريخ في هذا الشهر على مر العصور حيرت شعوب الشرق أي الأرقام تختار، الفردية أم الزوجية، النحس منه أم السعد، فيه من كل الأذواق، للحزن فيه قداسة كما الفرح، وللثورات فيه تاريخ تملئ بطون حضارة لم تولد بعد، تستطيع أن تعوض عن المجلدات التي ضاعت في غياهب الزمنين البطليموسي والعمري لمكتبة كمكتبة الاسكندرية، للتشتت والضياع في الأروقة المنسية فيه زمن لا يستهان به، شهر الطبيعة الخلابة بحلمها وجمالها، فيه شروق لثورات لم تأتى ثمارها بعد، وبزوغ للفجر الآتي بالمآسي، وهو الحاضر على غروب ينام عليه الشعوب بأمل آت هناك حيث المنتظر عهوداً.
نختار من هذا وذاك غروبين لا مشرقين، لنأمل على أن تثمر بالطيبات في الوطن، غروب 12 و15 آذار في البعدين القومي الكردي والوطني السوري.
أعتماداً على ما جرى ويجري في الشرق من آحداث وما حملت في طياتها من مدلولات ومعاني والتي أدت إلى أن تسمى لدى الأغلبية في العالم ولدى معظم المحللين والمثقفين والسياسيين بثورات الشرق، بعكس ما نفخها في فراغ العقل المغاير كل من الشاعرين العروبيين اللذين لم يغب في ماراء عقلهم الباطن الطفرة الطائفية أدونيس و سعدي يوسف بإنها إنتفاضات عفوية أو كما سمى هذا الأخير ثوار حمص بإنهم مرتزقة ساركوزي! لكننا سنتناسا تقييم أمثال هؤلاء من قواميس القافلة جدلاً لبعض الزمن، لئلا تتشوه أجزاء من الحضارة الإنسانية في شرقنا الثائر، وسنبقى على التحليل الإنساني والمنطق الصائب حيث الصراع بين الطغاة والحرية، سننظر إلى كل ما يجري وبالعودة إلى ما جرى في #12-03-2004# في المناطق الكردية السورية، بدءً من يومها إلى اللحظة ، لنصنفها في مفهومية مغايرة لما حللت عليه الأحداث الماضية والتي سميت لدى البعض حينها بالهبة ولدى الأغلبية الكردية بالإنتفاضة و صنفها السلطة بالشغب!.
نراها الآن وإن كانت متأخرة بأنها الثورة، تضمنت كل أمتيازات الوصف هذه، حملت منذ يومها إلى بداية ظهور ثمارها الأولى، معظم مقومات اسقاط النظام، كالخروج إلى الشارع لمجابها الدكتاتورية بمسيرات سلمية. ثورات تتابعت والجدلية تفرض الربط بين مراحل متنوعة حتى ولو كانت متباعدة لدحض الآراء المناوئة للثورات الحالية، والرد على البعض الذي يشكك بمدارك و مفاهيمها والبعض يسأل عن غياب فلاسفة الثورات هنا، وهم العقل الكلاسيكي الذي يبقى ويقارن الآتي بمقياس مغلق الأطراف، وبأطر معينة، لا يقبلون تأويل مخالف، يلغون المدارك والابعاد العديدة لعصر الإنترنيت الحاضر في كل دقائق الزمن والمكان حيث الفيلسوف في كل ركن من أركان الأرض، فيلسوف الثورة هو الذي يملك القدرة على العطاء الجاد والمنطقي، و يصل أفكاره ومفاهيمه إلى الأزقة التي ينهل منها الشباب بشغف، ولا يتطلب أن يكون من سكان الشرق أو يقف على حواف ساحة الحرية ليبدع عن الثورة، قد يكون هذا الإنسان قابعاً في أعماق الضياع الأمازوني ويشعر بالقهر والآلام التي يتلقاه الطفل الدرعاوي أو عوائل شهداء الكرد في قامشلو.
الكل متفق على إن 12 آذار كانت الطفرة الأولى في تاريخ السلطة السورية الدكتاتورية التي تمكنت فيها الشعب السوري الوقوف في وجهها، تمزيق حواجز الخوف العديدة التي كانت قد بنتها وعلى مدى نصف قرن من الزمن وبطبقات نوعية مختلفة، ولأول مرة يتمكن فيه الشعب السوري من التجرأ على لمس هيبة الدولة الإلهية المتجسد في شخصية ورموز الأسد الأب أعتبرت عملية التجرأ بالتقرب من رمز حافظ الأسد بشكل سلبي وعلني سابقة لبداية ثورة على الواقع الفظيع الذي كان يجسد إلهاً بشرياً ما فوق الإله الروحي، لمس تلك القدسيه في السر والعلن في شوارع سوريا عد ثورة قائمة بذاتها على صرح طاغية كان قد ألغي وجود السوري من الوطن كماهية له رأي ويجب أن يسمع.
جرت الأحداث في عام 2004 وأحتضنت في خضمها تغييرات نوعية وموضوعية ومنذ أيامها الأولى مقارنة بما تجري من ثورات في الشرق اليوم، ما خلفتها ثورة المناطق الكردية في 12 من آذارها وما بعدها توازي ما خلقتها الثورة السورية الحالية وعلى مدى سنة كاملة، إلا أن السلطة السورية كانت من الحنكة والدراية لتعي ما ستؤول إليه الأحداث، تمكنت وبخبث من أن تغلقها في إطارها القومي وتحيطها بحاجز من الدعاية العنصرية المغرضة وتنشر من حولها في المجتمع السوري عامة والعربي خاصة وتنقلها فيما بعد إلى العالم بإعلامها الذي كان الوحيد المطلع آنذاك وتبينها على إنها ردة فعل لمجموعة من الشباب الذين ينتمون إلى جمهور كرة القدم، إلا أن تسارع الآحداث وتشعبها وخروجها من إطار جغرافية المناطق الكردية والسورية إلى رحاب دولي اوقظت بعض المحافل الدولية بإنها إنتفاضة – ثورة على سياسة نظام تمارس كل مظالم سلطة دكتاتورية ، لكن وللأسف لم تملك الأحزاب السياسية الكردية وبدون أستثناء الإمكانيات السياسية والمادية والفكرية والإعلامية لتقويض الحاجز الذي خلقته السلطة حول الثورة، وكردة فعل عكسية بإدراك أو بدونه وصلت الحركة الكردية بكليتها ومعهم العديد من المستقلين إلى قناعة على إنهم لا يستطيعون نقل هذه الثورة من إطارها القومي إلى الإطار الوطني، فإتجهوا إلى البحث عن خطط معاكسة أعتبرها البعض بإنها إيجابية حتى اللحظة، وهي وقف الثورة في حدود الممكن، للحد من سفك الدماء أولاً، ووقف تجاوزات السلطة من جرها إلى صراع أوسع بين الكرد والعرب ثانياً، كانت الحركة الكردية ناجحة في هذا عندما أوقفت الثورة على حدود مستنقع حرب اهلية لا قوة للشعب الكردي الأعزل الخوض فيه، والتي كانت ستؤدي إلى جملة من المصائب المتشعبة الأطراف. من الطرف الآخر بينت هذه الثورة على مدى ضعف الحركة الكردية أمام الحوادث الجسام وكشفت عن حقيقة قدرة السلطة على التحكم بدفة مسيرتها!
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]