معد فياض
قبل أكثر من 20 سنة غادرت مها حسن مدينتها عفرين الى باريس، لكن روحها بقيت معلقة هناك، في عفرين، في المشرق، في كل ما هو كوردي وعربي. في زيارتها الاولى ولاقليم كوردستا، نهاية العام الماضي، وقعت روايتهامقام الكورد، وعشقت المدينة واهلها. وفي زيارتها الثانية،قالت: اشعر بالانتماء لاربيل، في باريس ينتابني شعور كبير بالاغتراب بالرغم من اني احب فرنسا..احبها في عقلي لكن عاطفيا لدي هذا الاحساس بالفتور بينما هنا حتى العلاقة مع سائق التاكسي مختلفة مع البائع مع قلعة اربيل مع المقهى والسوق..مع كل شيء، أشعر ان المكان هنا يتحرك هناك في باريس كل شيء ثابت.
الروائية الكوردية، #مها حسن# تنحدر من عفرين، وتعتز بانها كوردية وانها تكتب باللغة العربية. في حوارها مع شبكة رووداو، اكدت قائلة: من حسن حظي اني ولدت كوردية واتحدث واكتب بالعربية، لو انا في مجتمع كوردي سيكون عندي توجه ذهني واحد.وتعتبر ان هذا التنوع في الهوية والانتماء يمنحها غنى ثقافي وميزة ابداعية تمكنها من انتقاء المواضيع التي تكتب فيها.
صدر للكاتبة مها حسن حتى الان 14 رواية، هي: عمت صباحاً ايتها الحرب، حي الدهشة، ذيول الخيبة، في بيت آن فرانك، بنات البراري، تراتيل العدم، حبل سري، الراويات، طبول الحب، اللامتناهي - سيرة الآخر، نفق الوجود، قريناتي، ومترو حلب، وصدرت لها مؤخرا رواية (مقام الكورد) التي وقعتها في اول زيارة لها لاربيل نهاية العام الماضي. اضافة الى بحوث منها: نساء بابل الجندر والتمثلات في بلاد مابين النهرين ونصوص مسمارية من البابلي الوسيط. اعمالها ترجمت للغات: الايطالية والهولندية والكرمانجية والسورانية والفرنسية.
وفيما يلي نص الحوار:
رووداو: تؤكدين دائما على الانتماء للمكان وللناس، كيف وجدت علاقتك مع اربيل في زيارتك الثانية لها؟
مها حسن: هذه الزيارة الثانية لاربيل ولاول مرة اشارك في معرض اربيل الدولي للكتاب، بنسخته ال 16..التحدث في دقائق محدودة عن علاقتي باربيل صعب جدا..انا في طور تاليف كتاب عن هذه المدينة..اربيل الهمتني كثيرا، كنت اتحدث مع صديقة وقلت لها: حتى لو أني لم التق او اتحدث مع احد هنا يكفي ان اسمع لغة مألوفة، اشعر بالانتماء لهذا المكان، في فرنسا ينتابني شعور كبير بالاغتراب بالرغم من اني احب فرنسا..احبها في عقلي لكن عاطفيا لدي هذا الاحساس بالفتور بينما هنا حتى العلاقة مع سائق التاكسي او مع البائع ومع قلعة اربيل مع المقهى والسوق مختلفة..مع كل شيء، تشعر هنا المكان يتحرك هناك في باريس كل شيء ثابت. اترك بيتي هناك لاشهر واعود ولا شيء يتغير، اما هنا اشعر ان الزمن سريع يتحرك بسرعة، اشعر اني اكثر تجددا واكثر خصوبة في ذهني وأكثر حيوية..اربيل تمنحني طاقة، يمكن الشمس، اللون، الاضواء، اللغة، الموسيقى، وتفاصيل كثيرة من الصعب رصدها.
اربيل مدينة لم تكتشف اسرارها
رووداو: هل هذا يعني ان العين الروائية ستنتج رواية عن اربيل؟
مها حسن: انا اعتقد ان العين الروائية تتحرك قبل اي مكون آخر. اعتقد ان هناك صور كثيرة غير مكتشفة في اربيل..دعني اقول ان هناك تقاطعات مع اللغة والذاكرة مع اني من عفرين لكن هنا اشياء مختلفة علي، اللغة السورانية، طباع الناس هنا ، سروال الرجل الكوردي وحزامه(بشتوين)، والزي الكوردي التقليدي النسائي الذي ارتديته للمرة الاولى في حياتي في زيارتي السابقة لاربيل خلال حفل توقيعي روايتي(مقام الكورد). لم اكن قد ارتديته في سوريا ولا في باريس ابدا.. هذه الحالة لم اعشها في فرنسا، هناك اضافات حياتية جديدة قمت بها لاول مرة بحياتي في اربيل، لهذا اشعر ان لهذه المدينة اسرار غير مكتشفة. اسرار ما تزال هذه المدينة تحتفظ بها واحتاج الى فترة لتفكيك هذه الاسرار. نعم ساكتب عن اربيل كتاب، لا اعرف هل سيكون رواية او توثيق او شرح الانتماء المنفى والمشاعر المعكوسة.. اشياء كثيرة ربما ستكون رواية انا الان اضع حجر الاساس لهذا العمل.
رووداو: كيف وجدت معرض اربيل للكتاب بنسخته ال 16، وماذا شعرت بوجود بعض اعمالك المترجمة للغة الكوردية؟
مها حسن: هذه هي المرة الاولى التي اشارك فيها بمعرض اربيل للكتاب. في فرنسا كنت اشاهد المعرض من خلال الاخبار، واشعر باحساس غريب يتعلق بالازدواجية اللغوية، وجود اللغتين الكوردية والعربية، انا حضرت معارض كثيرة في فرنسا باللغة الفرنسية وفي العالم العربي باللغة العربية.. شيء جديد تماما علي ان احضر في معرض يضم دور نشر باللغة الكوردية ودور نشر باللغة العربية. في فرنسا كنت اشعر بفضول ورغبة كبيرة في ان اكون هنا في هذا المكان(معرض اربيل للكتاب)، وهناك رواياتي معروضة في جناح منشورات المتوسط، (مقام الكورد) و(قريناتي) و(عمت صباحا ايها الحب).عندما ترجمت روايتي(حبل سري) الى اللغة الكرمانجية، احسست ان جدتي ملهمتي تستطيع ان تفهم الان اللغة التي اتحدث بها، وهنا نفس الشي شعرت ان اقاربي في اربيل عندما يقراون عناوين كتبي باللغة الكوردية بنوع من الانتماء، تجذرت أكثر بالانتماء.
الموسيقى الكوردية كتبت رواية(مقام الكورد)
رووداو: في روايتك(مقام الكورد)، كيف مزجت بين السرد والاحداث والموسيقى الكوردية حيث هناك روابط للموسيقى الموجودة في احداث الرواية؟
مها حسن:مقام الكورد، الموسيقي، له فضل علي وهو الذي اوحى لي بالرواية، كنت اسمع الاغاني الكوردية وينتابني احساس غريب باني انتمي لهذه الموسيقى، بعض الاغاني المذكورة في الرواية مجرد ان اغمض عيني واسمع الموسيقى كنت ارى الاشخاص يتحركون، كانت الحكايات تتوارد من خلال الموسيقى، لذلك الموسيقى ساعدتني لاستحضار المكان والشخوص، لهذا كتبت عبارة احببتها كثيرا على غلاف الرواية(يعيش الكورد في الموسيقى والحب).
رووداو: تؤكدين باستمرار بانك لا تتبنين الادب النسوي، وفي ذات الوقت تقولين انا اتحدث عن كوني امراة في المشرق وهذا اعتبره امتياز الا تعتبرين هذا تناقض؟
مها حسن: نعم انا لا اتبنى مصطلح الادب النسوي...انا اعتقد باني نسوية بطريقة ما، يعني مصطلح الادب النسوي يستفزني لاني اشعر ان من اطلقه هم الرجال بمفهوم تراتبي حتى يكون هناك ادب رجل قوي وادب امرأة بالدرجة الثانية، ولكن في العمق انا نسوية وانا هنا لانني امراة وجميع بطلات رواياتي نساء وانا متبنية جدا معانات النساء في العالم العربي والعالم الكوردي اكيد لانه جزء من الشرق العربي، وحتى في اوربا ما زال طريق الحرية امام المراة طويل، لهذا انا كاتبة نسائية ومواضيعي وبطلات رواياتي نسائية في الغالب، وانا مهتمة جدا بالنساء وقضايا النساء، لذلك انا اشكر الله لانه خلقني امراة لان هذا يخدمني كروائية. التعبير عن عوالم النساء يساعدني اكثر كروائية، وانا ممتنة جدا، لذلك لا يوجد تناقض فيما اطرحه بل هناك رفض للخضوع لمصطلح يتنبناه الرجال للتقليل من شان ابداع المرأة. الكاتبات الاوربيات ومن اميركا اللاتينية امثال فرجيينا وولف وسيمون دي بفوار وايزابيل اللندي وغيرهن الكثيرات لم يتنازلن عن كونهن كاتبات، نساء، واعمالهن تطرح قضايا المرأة وابطال رواياتهن نساء..انا اعتقد ان عالم المرأة وخاصة في الشرق هو عالم روحاني عميق جدا ويحتاج الى الكثير من الاشتغال عليه وانا سعيدة جدا لاني اشتغل بهذه المنطقة الخاصة بي، المنطقة الشرقية الروحانية.
بين باريس وعفرين
رووداو: انت تعيشين في الخارج(فرنسا) وتكتبين عن الداخل..لو كنت في عفرين او وانت هنا في اربيل، هل تكتبين عن باريس مثلا، او ان تكتبين بترف عن قضايا اخرى مثلما تفعل اية روائية غربية؟
مها حسن: لا أبدا، اعتقد انه من الاجحاف التحدث هكذا لانني احب باريس التي منحتني الكثير من حرية التفكير والشعور بالامان، لكن لا توجد عندي علاقة تاريخية او عاطفية مع فرنسا..علاقتي العاطفية هي مع المجتمع المشرقي، الكوردي والعربي والمنطقة العربية، انا كاتبة باللغة العربية وانتمي لهموم المنطقة هنا، الفرنسيون لا يحتاجونني ولديهم الكثير من الكاتبات والكتاب الذين يكتبون عن مشاكلهم، لكن المشاكل المعنية بها انا هي مشاكل منطقتنا.
الانتماء مهم.. انا تربية عالمية او كونية واعتبر نفسي مواطنة عالمية، ولكن المنطقة تفرض علينا، بسبب الحساسايات والحروب، احيانا نضطر بطريقة وباخرى ان نكون شعب ما او فئة ما بسبب الاضطهاد. في روايتي(حبل سري) تقول البطلة:حينما يصبح للاكراد وطن كما للفلسطينيين، وهذا ما قاله الكاتب الفرنسي جان جينيه( عندما يصبح للفلسطينيين وطن فسوف يرمونهم من النافذة). نحن الكورد ليس لدينا وطن متحقق حتى الان لذلك حينما اتحدث عن الكورد وقضايا الكورد ليس من باب التشنج بل من باب الخصوصية لتعريف العالم ثقافيا بهذه المنطقة وهذه الشعوب، لذلك عندما سيكون للكورد وطن لن يحتاجو الي. انا اتمنى ان اصل الى هذه المرحلة. انا كامراة وكاتبة ما عندي ترف الانفصال عن معاناة النساء في العالم العربي او المجتمع الشرقي او الكوردي ما اقدر افصل نفسي عن جنسي وانهن نساء ويعانين من مشاكل. كوني امراة هي احد الهويات الاضافية التي احملها.. كل ما عندي هوية اضافية يعني عندي عبأ اضافي ومشكلة اضافية .. انا اتمنى ان اكتب بترف ميلان كونديرا(كاتب فرنسي من اصل تشيكي) او ايزابيل اللندي(كاتبة كولومبية)..لكن انا كامراة من المشرق احمل هذا الارث من الالم والوجع لا استطيع ان ادير ظهري لحدث كقضية قتل امرأة في قرية او مدينة في سوريا او في اي مكان في العالم.. لا استطيع ان انفصل ابداعيا عن هذه التفصيلة.. ما عندي ترف الانفصال عن الالم والهواجس التي تعيشها النساء لاكتب الادب الخالص الانساني والمنتمي لجميع البشرية ولكن الحساسيات والحروب بين الشعوب تجبرنا احيانا لان نشتغل على منطقتنا وان نقدم خصوصية ثقافة ما ..الفرنسيون بحاجة ان يفهموننا والادب هو افضل طريقة.
رووداو: هل يصلح ان يكون الادب وسيلة للتعريف بمشاكل الكورد وكوثيقة للاحداث؟
مها حسن: المشكلة ان المجتمع الكوردي محاط باشخاص لا يفهمونه ولا يفهمون ثقافته لهذا يسيئون اليه واحيانا الجهل عدو وحينما يجادلك احدهم يخاصمك لانه لا يفهمك ..المجتمع الكوردي احيانا غير مفهوم انا اشعر بالغربة عندما اتناقش مع اشخاص لا يعرفون او يفهمون الكورد او معنى اني كوردية لهذا يشعرون بانني منفصلة عنهم ويتحسسون من جملة انا كوردية وهي مجرد خصوصية فقط وليس مختلفة عنك..انا كوردية يعني ثقافتي ولغتي وعاداتي وذائقتي الموسيقية مختلفة لهذا دافعت عن القضية الكوردية عبر رواية(مقام الكورد).
انا ضد ان تكون الرواية وثيقة، ولكن رواية (طبول الحب) تصنف كاول رواية عن الثورة السورية وكتبتها تحت تاثير شعور قوي بالذنب لانني كنت في الخارج عندما انتفض الشعب السوري وانا في باريس، الناس تُقتل هناك وانا اشعر بالامان في فرنسا وكان علي ان اقول شيئا والشيء الوحيد الذي استطعت القيام به هو الكتابة لذلك كتبت هذا الرواية.[1]