المشروع الأردوغاني لتغيير ديمغرافية غربي كوردستان - الجزء الثالث
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 7252 -#18-05-2022# - 11:05
المحور: القضية الكردية
ما خلفيات الصمت الإيراني؟
هل يخططون لتقسيم سوريا بين بعضهم، ويتهمون الكورد؛ للتغطية؟
هل صمت بعض الدول العربية عن معرفة باستراتيجية تركيا، وهي تتماشى مع رغباتهم؟
أم أنها مقتنعة أن شمال سوريا والعراق جغرافية كوردستانية؟
دور الحراك الكوردي، وهل يمكن مواجهة المشروع، وإيقافه؟
كيف يجب أن يكون الرد؟
مخطط إعادة مليون ونصف مهاجر سوري إلى مناطق ليست مناطقهم، وبناء مدن استيطانية تبدأ ب 200 ألف شقة سكنية (بعدما بنيت مدن كاملة، بلغت حتى الأن 100 ألف شقة، في عفرين بأموال كويتية وقطرية وعقود شركات تركية، رغم الظروف الدولية الجارية، واستمرارية الحرب في سوريا، ودون أن تسكن فيها عائلة كوردية من عفرين أو خارجها) جريمة تضاف إلى الجرائم التي تمت بحق السوريين في المهجر وضمن المخيمات والمعنون من الفقر المدقع، والذين يعيشون في مدن نصفها مدمرة، وتنعدم فيها أدنى درجات البنية التحتية، وحيث المجاعة تتفاقم يوما بعد أخر، حتى ولو كانت على خلفية الصراع على الإنتخابات التركية القادمة.
غاب المنطق الإنساني، وضاعت القيم والأخلاق، يوم تناست الدول القائمة على المشروع العنصري، الواقع المعيشي للملايين من أبناء سوريا وحيث أقصى درجات المعاناة، ضمن المخيمات العشوائية أو على أطراف المدن المدمرة، ويركزون على بناء مدن-مخيمات جديدة في المهجر ضمن الوطن، ليزيدوا من مآسي المجتمع، وتسهل لهم التحكم بمصير سوريا.
لولا تكفير المصداقية، والطعن في الإيمان، وتسخير الإسلام لمأرب سياسية، لعمل أردوغان وأمير قطر على إنقاذ الملايين من الأطفال والنساء والشيوخ في مخيمات إدلب، وبنوا لهم المساكن. لا يمكن مقارنة أوضاع المهاجرين في تركيا مع أبناء المخيمات الكارثية؛ فأي تغيير لوضع المهاجرين إن كانت طوعية أو ترغيب مبطن، سينحدر نحو الأسوء، وهذه لا تهم الإدارة التركية بقدر ما تهمها التدمير الديمغرافي للمنطقة.
التغيرات الكيانية والديمغرافية للكورد كانت ولاتزال من أهم المشاريع التي اشتغلت عليها القوى المحتلة لكوردستان، نفذوا العديد منها، فكما ذكرنا تم تهجير الملايين منهم، بشكل مباشر من جغرافيتهم وإسكان الملايين من الشعوب الأخرى مكانهم. ولأنهم لم يبلغوا الغاية، وأصبحت القضية الكوردية القومية تثار على المستويات العالمية، بدأوا ينتهجون أساليب جديدة تتلاءم والعصر.
تركيا الأردوغانية تقود المسيرة، تحت مبررات محاربة العمال الكوردستاني، والتي على اثرها احتلت نصف المنطقة الكوردية، القسم المحتل سوريا، وتمكنت من تغيير ديمغرافية عفرين والمناطق الأخرى، وتهجير عشرون ألف من أهلنا الإيزيديين من أصل 23 ألف كانوا في منطقة عفرين.
رافقتها كوراث وجرائم بحق أهلنا تندى لها جبين الإنسانية، عن طريق تسليط المنظمات الإرهابية والمرتزقة وعصابات المافيا السورية-التركية، على عفرين، الذين جلبوا الملايين من العرب، أبناء الداخل وأسكنوهم في بيوت أهل المنطقة بعد أخذ الإتاوات من الطرفين، مرة بإجراء عمليات البيع ومرة بالشراء الوهمي. إلى جانب الاستيلاء على المزارع والمعامل والدكاكين، وتهجير أصحابها عن طريق الترهيب والاعتقالات العشوائية، مع نهب أموالهم.
أردوغان يحاول استغلال الصراع الأوروبي الجاري، للقيام بعملية تهجير المغتربين السوريين العرب إلى المنطقة الكوردية، لخلق صراع دائم بين القوميتين العربية والكوردية، إلى جانب التغيير الديمغرافي.
ومن غرائب المشروع، ليس فقط في أبعادها العنصرية، بل في سماح أردوغان لذاته التصرف بمصير المناطق السورية، ومن بينها منطقة غربي كوردستان، وكأنها أجزاء من جغرافية تركيا. يعقد الصفقات التجارية مع دولة قطر والكويت، وهما دولتان عربيتان، فلا أردوغان يعيرهما أهمية، ولا هم متأثرون بالبعد القومي والوطني، فهما إما يدرجان المنطقة كجغرافية كوردستانية؛ لا تهمها بما سيحصل لشعب المنطقة، لأنهم كورد، أو أنهما أداة بيد أردوغان وخاصة دولة قطر، يعيد التبعية الماضية للسلطنة العثمانية.
إيران تأمل بعودة سوريا الموحدة تحت السيادة العلوية، يعمل على تشكيل أدوات تابعة لأئمة ولاية الفقيه، كحزب الله في جنوب لبنان، معتمدا على بعض القبائل العربية في شرق سوريا، وعليها أخلت قضية التوسع التركي لروسيا، وأمريكا، فالإثارة الإعلامية التي تظهر من تركيا تغطي على استراتيجيتها، وبالتالي لا تضر مصالحها الطموح التركي في الجغرافية الكوردية، بل وفي بعد ما إضعاف الإدارة الذاتية تسهل لها التغلغل في المنطقة وحيث البيئة الملائمة لمشاريعها المذهبية.
لماذا أمتنا والتي لا تنقصها، الثروات، والديمغرافية المتواجدة منذ الأزل على جغرافيتها، لم تتمكن من تشكيل دولة أو كيان سياسي مستقل، طوال القرون الماضية؟
هل هي دلالة النخر الداخلي، وضحالة العامل الذاتي، أو خلل ما في وعينا القومي، والانتماء اللاشعوري للوطن؟
إنها إشكاليات معقدة، والأكثر ألما، واقع الحراك الكوردي، ضعفه وتشتته ومواقفها الهشة من مجريات الأحداث، والتي لا تتجاوز بعض البيانات التنديدية الخجولة، كالتي ظهرت حول المثارة حاليا، ففي الواقع الأمل ضعيف من قدرتها على أيقاف المخطط، أو إثارة القوى الكبرى، للضغط على تركيا وأدواتها، لإعادة النظر فيه، أو تغييره.
فما تقوم به الإدارة الذاتية وقوات قسد لا ترقى إلى سوية الأحداث، لا من البعد الداخلي والمتطلب تكوين جبهة قومية-وطنية، وتحسين الواقع المعيشي في الداخل، وإعادة النظر في القضية القومية الكوردية، من الرموز؛ إلى قضية أراضي الكورد التي لا تزال بيد المستوطنين الغمريين، ووجود المربعات الأمنية، ومحاربة اطراف الحراك الكوردي المعارض، حتى ولو تم الاحتفاظ بالمنهجية الأممية، لإيقاف نزعة الهجرة على الأقل.
كما وأن المجلس الوطني الكوردي، لا وزن دبلوماسي ولا سياسي له، داخليا وخارجيا، تحول إلى أدوات بسيطة مطيعة للقوى المعارضة العربية، أو الإقليمية، الواقع المتكرر وعلى مدى سنوات، إما على خلفية المصالح الذاتية لبعض الشخصيات المسيطرة على المجلس، أو ضعف الإمكانيات الذاتية، والإصرار على العمل بشكل انفرادي.
وخارجيا، التحركات الدبلوماسية للطرفين هزيلة، ودون مستوى القضية؛ ومثلهم ممثلو الأطراف والمنظمات الأخرى، لا زالوا دون سوية تمثيل الشعب الكوردي في المحافل الدولية بقدر ما يمثلون مجموعات ناشئة أو تابعة للأحزاب، لا قدرة لها بإقناع الدول، وخاصة الكبرى بالتخلي عن مصالحهم ومواجهة المخططات التركية وأدواتها.
لا بد للأطراف المتفرقة من الحراك الكوردي، العمل بأساليب عصرية، مع دراسة تجارب الأنظمة الحضارية، لتوعية الذات والمجتمع، وكيفية العمل ضمن الأروقة الدبلوماسية، والتي لم تعد بحاجة إلى اللقاءات المباشرة وحيث سهولة التواصل العصري.
إنقاذ الشارع والمجتمع الكوردي من شرخ الخلافات من أولويات حراكنا، كما وتتطلب من المنظمات المدنية والثقافية والإعلامية، المتحررة من هيمنة الأحزاب الكلاسيكية، فقد ثبتت عدمية الأساليب الكلاسيكية الحزبية على إحداث أي تغيير في الواقع الكارثي. فتحرير حراكنا من إملاءات القوى الخارجية من إحدى ضرورات النجاح.
المسيرة طويلة، وشاقة، تحتاج إلى حركة تنويرية، وقيادة واعية حكيمة، لتعيد الأمل بالنجاح.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[1]