ماذا يحتاج الشعب الكوردي- الجزء الأول
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 7232 - #28-04-2022# - 21:58
المحور: القضية الكردية
الثقة بالذات، عفويا لا تظاهرا، ترسيخ البنية الثقافية، وضوح الرؤية، من ضرورات النجاح، في مواجهة الأعداء، أو في الحوارات، لكن ذلك لا بد وأن، تسند بديمومة الإصرار على المطالب القومية، وعرضها كمشروع واضح يكون على سوية ثقل الشعب، وألا تفضل عليه البعد الوطني للجغرافيات الوليدة. المطالب لا تترسخ بعلو سقفها، بل في ديمومتها واستمرارية الحفاظ على سويتها، وعدم التلاعب بها مع الأيام والظروف. دونها انعكاس لغياب الثقة العفوية ولمركب النقص الذي نعانيه.
عشنا وعلى مدى قرون طويلة في مجتمعات مغلقة، كقبائل نادرا ما خرجنا من جغرافيتنا، خلق فينا نزعة الحذر من الغريب، توسعت لتشمل القريب ومن ثم النفس، أدت إلى عدم الثقة حتى بالنفس، وبدورها إلى ظهور نوع من مركب النقص؛ عند مواجهة الخارج، وهي ذاتها التي كثيرا ما تدفع ببعض حراكنا بعدم التدخل أو معالجة قضايانا خارج جغرافيتنا، وحد بالعديد من كتابنا وسياسيينا، التهجم على الإدارتين الكورديتين عندما حاربوا داعش خارج جغرافية كوردستان.
ترسخ الموروث في لا وعينا، ولا زال غالبية مجتمعنا، وحراكنا يعانيه، رغم سنوات الانفتاح؛ لم نتخلص منه، تبعاته خلفت دراسات وأبحاث مشوهة لتاريخنا من قبل كتابنا لا تقل عما فعله مؤرخو الأعداء، ليس فقط تاريخنا الوطني، بل وعلى مستوى العشيرة والعائلة، من التلفيق إلى التضخيم، نابعة من الجهالة وإنقاذ الذات من مركب النقص، جلها كانت على حساب تاريخ شعبنا.
كثيرا ما يتم تفضيل البعد الوطني على القومي، المطروح حسب الجغرافيات المقسمة لكوردستان، وهو انعكاس لمركب النقص، وتصغير الذات أمام الأخرين، تحت مفهوم الأخوة أو الوطنية، وغيرها من المبررات، التي يغيب فيها الوعي والحكمة، لأن معالجة القضية الوطنية بمصداقية لا تتعارض والمشروع القومي الكوردي، مع ذلك، وأحيانا يتم خلق التضارب بينهما، تحت حجج؛ الظروف السياسية، والاقتصادية، والوعي الثقافي، ولكن في قمتها توجد عدم الثقة العفوية، وموروث مركب النقص.
المشاريع الواضحة تتقدم على بعضها في مراحل معينة، مع العلاقات الدولية أو الإقليمية وحيث المصالح، لكنها يجب ألا تكون على حساب المشروع القومي وديمومته، وإن تم فتعني أن هناك مخطط لإلغاء القومية الكوردية. نوهنا إلى ذلك لأن السلبيات سادت في العقود الماضية على عمل ونشاطات الحراك الكوردي، وطالت بعض التغييرات على سوية المطالب، تراجعت سقفها، تحت ضغوطات الأنظمة الشمولية الدكتاتورية، كما ولعدم الثقة دورا، والتي طعنت في مكانة الشعب أمام المتربصين.
التباهي بماضينا، أو ماض شخصيات عظيمة ينتمون إلى الأصول الكوردية، أو ما قدموه لمسيرة شعوب المنطقة، يمكن أن تخلق نوع من الثقة، وتغطي على تعاملنا مع الخارج، لكنها لن تبني الحضور العفوي لنا على الساحة، ولن تصحح من التقييم اللاشعوري للمجتمعات المحاطة بنا، ولن تغير كثيرا في مواقف القوى السياسية الإقليمية أو الدولية معنا.
لا تزال السمة بعفويتها غائبة أو مهزوزة، في بعدها اللا شعوري، مثل ديمومة المشاريع القومية، وعلى خلفية التناقضات الحادة بين ما تم ويتم طرحه من قبل أطراف حراكنا، وعلى المستويين الداخلي والخارجي، فتظهر المطالب القومية هشة عند اللقاءات الخارجية، حتى أن بعض المواجهات الحادة تعكس وبشكل غير مباشر نقص الثقة بالذات من خلال سوية المطالب، ولا تغطي عليها حدة المواجهات.
ننفي وجود الموروث فينا، آفة مركب النقص، بل ونلغيها ظاهريا كجدلية، لكنها واضحة فيما لو راجعنا الذات، وهي بينة للأخرين، ظاهرة من خلال سوية وديمومة مطالبنا، والتي كثير ما يتم التساهل مع القوى التي نتعامل معها في البعد الوطني، ونتناسى واقعنا القومي، إما بحجة متطلبات المرحلة، أو ضعف الإمكانيات، وفي الواقع هذا التناقص انعكاس للموروث المدمر طوال القرون الماضية.
نحتاج التحرر من الموروث السلبي، كحراك قبل الشعب الكوردي، ليس عن طريق التباهي، بل بالعمل على تكوين الشخصية الحرة، التي ستجعل الثقة متركزة في اللا شعور، وهذه تحتاج إلى مسيرة طويلة من تثقيف الذات، والتخلص من منهجية السيادة والموالي التي فرضتها الأنظمة على أمتنا على مدى قرون طويلة، والتخلص من ثقافة لغة الديانات، والعفوية في الرضوخ للأنظمة المحتلة، وتقبل سيادتها.
رغم غياب الدولة الكوردستانية، وديمومة التبعية، المفروضة أو المرغوبة، والهجرة المليونية خلال العقد الأخير، وما سبقتها من هجرات داخلية وخارجية، وبمخططات كارثية عدة، والتي كانت هدفها القضاء على الرابط التاريخي بين الديمغرافية والجغرافية الكوردستانية، ورغم عدم تمكننا من الإحاطة بقدراتنا الخام، أو الاستفادة منها (من الديمغرافية التي تجاري أكبر شعوب المنطقة، إلى الثروات الهائلة. والجغرافية الكوردستانية المترامية. والركائز الثقافة المستمدة ثوابتها من أعماق التاريخ) لم ننحرف عن مساراتنا الوطنية والإنسانية، ونتخلى عن مبادئنا، ولغتنا، ولم نتأثر كغيرنا من الشعوب بثقافات الأنظمة الشمولية، ولا بالتشوهات المذهبية القادمة من خارج جغرافيتنا، إلا ما ندر، لكننا مقابلها دفعنا الثمن غالياً، ومنها: أصبحنا أقلية على حافة الوطن، وقوى مشتتة تائهة في المهجر، وحراك متنافر دون مستوى حمل المسؤولية.
جمعيا ندرك حقيقة ما آلينا إليه، ولا نبوح بها إلا للتهجم على البعض، لا نزال ندفع ببعضنا إلى مستنقع الضياع، ونتعامى عما ينحدر إليه مصيرنا، وكيف لا زلنا نربط قدرنا بمراكز القوى المحتلة لكوردستان ونتناسى البحث عن عوامل التقارب الداخلي، ننجر إلى مسوغات الأنظمة الشمولية والتي تزيد شرخ الخلافات، والتهجم على البعض، وفي الواقع كل تهجم يعني في عمقه نقد للذات، وتأنيب للضمير قبل أن يكون عتب الأخر، كما وبعضه حالة من اللا شعور في جلد الذات، على خلفية الإحساس بالفشل والضياع.
أصبحنا حراك سياسي وثقافي، نعمل الكثير لنغرق بعضنا، في المهجر والوطن، مقابل القليل في مواجهة الأعداء أو إنقاذ الأمة والقضية، ففي الوقت الذي نحتاج فيه إلى تنوير دروبنا، ومساعدة البعض، نعتم على بعضنا. وبعد التمعن في ادبياتنا وعلى مدار العقد الأخير، لا حظنا أن أكثر الكتاب نقدا سلبيا، أبعدهم عن النجاح مهما كانت غزارة الإنتاج، وأقلهم مراجعة للذات، ومعرفة بما هم فيه من التيه. ضجيج التهجم تغطية على ضحالة الإنتاج القيم، والظلام المعاش فيه.
الوطن لا يندثر إلا عندما يلتهي أبناءه بحروب داخلية، ويضعفون بعضهم إلى حد عدم القدرة على الرؤية. غربي كوردستان، لا زالت تصرخ، رغم الكوارث، تحتاج إلى أن نقبل بعضنا، ونتجاوز الخلافات إلى حين مهما كانت ضخمة، ونبحث عن نقاط التقاطع، والمشتركات التي من الممكن الاتفاق عليها.
ثروات أمتنا هائلة، في كل كوردستان، مثلما هي في غربه، بخلافاتنا وفي هذه المرحلة الحساسة، أخلينا الساحة للأعداء بنهبها، أو تدميرها، وكان لا بد من التعاضد للقيام ببعض التغيرات على الجرائم التي أقدمت عليها الأنظمة السابقة، وتعديل بعضها، والتي كان بالإمكان الحد من الهجرة، وترسيخ الهوية الكوردستانية على المنطقة، ومنها، والتي بالإمكان القيام بها وبالاتفاق مع كل المكونات الأصلية في المنطقة، إلى جانب إشراك كلية الحراك الكوردي، بغض النظر على الاختلافات المنهجية والإيديولوجية:
1- إعادة أراضي مستعمرات الغمريين، إلى الشعب الكوردي، وخاصة الفلاحين الذين كانوا قد حرموا منها، أو للمكتومين والأجانب من الكورد. مع ديمومة حماية السكان على خلفية الحرب الأهلية في سوريا.
2- إزالة مخلفات السلطة، من المربعات الأمنية، وتعيين المحافظ والمناطق من أبناء المنطقة، وإدارة المراكز المالية والمصارف والبلديات، ودوائر السجلات المدنية وغيرها، وإلغاء الازدواجية السياسية والإدارية في المنطقة.
3- تطبيق النظام الفيدرالي الكوردستاني، مكان الإدارة الذاتية، تكون تابعة للسلطة اللامركزية في دمشق، ويجب تحديد جغرافيتها، الممتدة من منطقة غربي عفرين مارا بالباب وما بين سري كانيه وكري سبي المحتلة من قبل تركيا والمنظمات التابعة لها إلى شرق عين ديوار وديركا حمكو، وتنتهي جنوبا عند تقاطع جغرافية محافظتي الحسكة ودير الزور.
4- التأكيد على أن الأبواب ستفتح مع أي نظام وطني قادم.
وهو ما يتوجب على الحراك الكوردي العمل عليه، كنقاط تقاطع تجمع كل الأطراف رغم الخلافات الداخلية، إلا إذا كان البعض تنقضهم الثقة بالنفس، ولا زالوا يعانون من مركب النقص بالذات، ولا يؤمنون بأن الشعب الكوردي صاحب حق، ويعيش على أرضه التاريخية، وعلينا أن ننتبه أن الاعتماد على الديمغرافية الكوردية الحالية حكم مطعون فيه، يتم على أساسه تغييب جرائم الأنظمة السورية السابقة، وعمليات التهجير القسري، والتغيير الديمغرافي الممنهج، وتناسي المراسيم والقرارات الاستثنائية بحق الشعب الكوردي.
لا يزال الوقت لا يزال مناسبا، خاصة وأن القوى الدولية لا تزال تتحكم في قدر المنطقة.
يتبع....
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[1]