أوجه الأخطاء في الإدارة الذاتية
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6728 -#10-11-2020# - 09:25
المحور: القضية الكردية
عديدة هي السلبيات التي تمت، كتبنا وكتب فيها مجموعة من الكتاب، خاصة الذين تقصدوا الإصلاح والمساندة، ونحن هنا لا نتناسى الإيجابيات، فهي توازن المقارنة، ونثمنها، رغم أن الأولى بتكرارها تحجم أحيانا الثانية، خاصة تلك المستمرة أو التي لا تزال تتكرر أو تظهر بين فينة وأخرى، بعضها يتم عن تقصد؛ وأخريات نابعة عن جهالة، أو قصر نظر، أو عدم معرفة بما يجوب العالم المحيط والخارجي من التطور الحضاري، ومنها تنفيذ لمخططات غايتها إبراز السيادة على الشعب الكوردي حصراً، وجلها ترعب، وترهب الأمة، والأخطر هي التي تتم عن جهالة وسذاجة وقلة وعي، خاصة النابعة من الإيمان الجامد بتجارب أممية طبقتها أنظمة قبل عقود طويلة ماضية، لاءمت عصرها وبيئتها، زالت دون دراسة ما حلت بالبشرية بعدها، فتناسي التطور والتحولات التي تجاوزتها الأمم، وفي كل المجالات قد تؤدي بنا إلى مستنقع لا يحمد عقباه.
كتبنا في تلك الأخطاء حتى عام 2014م، مع ذلك بعضها استمرت وتفاقمت، وكانت نتائجها شبه كارثية، وكإحساس بالمسؤولية، وما نتوقعه من التغيرات المحتملة لصالح الكورد في المنطقة والإدارة الذاتية، بعد مجيء الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض، والمتوقع أن تحرك الدول الأوروبية باتجاه الشرق الأوسط، فضلنا ونفضل تكرار النقد؛ لتصحيح ما يمكن التمكن منه، علما أن جلها يقف عليها ليس فقط الحراك السياسي أو الثقافي، بل أغلبية الشارع الكوردي، حتى ولو كان بصوت خافت ولأسباب، وديمومتنا على ما نقوله نابع من أمل إعادة النظر في المقال؛ وأخذها محمل الجد ودراستها بتمعن، ومحاولة تصحيحها وإلغاء المتقصد أو النابع من الجهالة، إن كانت مشاريع أو مفاهيم أو مخططات مستقبلية، حتى لو كانت بعضها قد ترسخت، أو تقدم بها الزمن، فخير الإصلاحات هي التي يتم التعديل فيها بعد خبرة وتجربة، وبعضها تتطلب شبه ثورة على الماضي.
الإدارة الذاتية في جنوب غرب كوردستان أمامها مستقبل ما بين مشرق، للشعب الكوردي ولسوريا عامة، أو إحلال كارثة بأمتنا، فحضورها ورغم ما سنقدمه لاحقا من النقاط، ضرورة ما بين الوجود بكيان أو العدم، فالدمار الديمغرافي الذي حل بالشعب الكوردي بغض النظر عن المسبب والمسببات، مرعب ولا يمكن التعويض له إلا بديمومة الكيان الجاري بعد تصحيح أخطاء الإدارة، وتعديل شكلها السياسي، فالمنطقة الكوردية ما بين الهجرة منها والقادم إليها، تظل الإدارة المعدلة هي المأمولة للحفاظ على الماهية الكوردية أو الكوردستانية، وإلغاء الحاضرة بدون البديل المناسب، كارثة قومية ووطنية، وهي في حكم الذين يطالبون بعدمية الحوار الكوردي الكوردي، فبإزالتها تحت حجة سيادة حراك يرفض القومية ويلغي الماهية الكوردية، رغم حقيقتها في البعد النظري الإيديولوجي الطوباوي، ستكون النتائج مرعبة، وبديله حاضرا؛ يبدأ بالتمعن في الأخطاء لتصحيحها، وتعديل المفاهيم الطوباوية المستندة عليها الإدارة، ومن ثم معالجة التالي:
نذكر هنا بعض الأخطاء، بغض النظر عن أيها الأخطر أو الأهم دراستها أولا، فكل واحدة لها أهميتها في مجالها.
1- الدولة العميقة، والتي تسمى بالكادر، والذين يديرون الإدارة بشكل فعلي، عليهم تسليم الإدارة إلى المسؤولين الذين هم الأن معروفون على الساحة، لأن الخطوة ستسهل مسيرة التفاهم مع الأطراف الأخرى من الحراك الكوردي لإدارة المنطقة، وهؤلاء أيضا يجب امتلاك قدرة القرار الذاتي دون التلكؤ في المفاوضات قبل مشورة الأخر الكوردستاني، ففي هذه الحالة لن يحتاج الطرفين للعودة إلى مرجعياتهم بعد كل خطوة من الحوار، حينها سيكون هناك أمل في نجاح المفاوضات التي بدأت تتلكأ، بعد مسيرة أكثر من ستة أشهر.
2- القوة العسكرية في الإدارة الذاتية، رغم عدم خبرتي فيها، إلا أنني على يقين أن الأسلحة الحديثة لم تعد تقف أمامها الدهاليز، ولا الممرات المسلحة بالباطون، فما تصرفه الإدارة الذاتية على بنائها، وبأوامر من الدولة الخفية-الخلفية؛ تكلف الملايين من الدولارات. كان الأولى صرفها على بناء المدارس وتحسين الموجود، والمستوصفات والشوارع والبنية التحتية للمدن، وما بين المدن، وليس ما تحت المدن.
نحن نتحدث عنها، لأنها لم تعد سرا عسكريا، فما يعرفه أبن الشارع لا بد وأن العدو الذي عيونه في كل بقعة، ويملك من الطائرات المراقبة، والأقمار الصناعية، بإمكانها مشاهدة أدق التفاصيل على الأرض وضمن البيوت وتحت الأرض وعلى مسافات بعيدة، لذلك نرى أن ما يتم؛ هدر لأموال المواطن، وتدمير للبنية التحتية، وترهيب للشعب.
نعم المنطقة تعيش الحرب، لكن من المفروض تخفيف الرهبة، وترسيخ القناعة للتمسك بالأرض، وعلى أن أي هجوم قادم، لن يتم بدون قرار دولي، وصفقات دبلوماسية، ورفعهم الخط الأحمر عن المنطقة، وبالتالي فهذه الأنفاق تزيد المواطن رهبة وحضور نفسي دائم للهجرة. فلا الأقنية ولا الأسلحة البسيطة بإمكانها أن تقف أمام ثاني أقوى جيش في الناتو، القرار الدولي يكاد يكون الوحيد لردعها وحماية المنطقة والشعب الكوردي. المنطقة ليست جبال وعرة أو غابات استوائية، كما وأن نوعية الأسلحة دون مستوى الوقوف أمام التكنلوجيا العصرية، وأساليب وطرق الحرب لم تعد كما كانت عليه أيام حرب فيتنام حيث الأنفاق كانت تلعب دورها، يومها لم تكن الأجهزة الإلكترونية ولا التي تستخدم كل أنواع الأشعة الضوئية موجودة، ولا الأقمار الصناعية التي تراقب أبسط الحركات تحت الأرض وعلى أعماق تصل عدة أمتار.
فلنكن واقعيين، معالجة القضية يجب أن تتم على المستويات الدبلوماسية والسياسية، ويجب صرف تلك الأموال على الشعب الذي يجب أن يثق بإدارته، وعلى ممثليها الدبلوماسيين في الخارج، أو لتقريب المصالح مع الدول الكبرى. كان بإمكان ما يصرف من الأسمنت والحديد والعمل والوقت والأموال، بناء المئات من المدارس المهترئة من زمن البعث، والبيوت لعائلات الشهداء أو المعدمة، وتحسين أبنية الإدارات، والطرق والجسور، وشوارع المدن، وغيرها. فما يلاحظ، أن من يخططون لهذا المشروع الساذج لا يزال يعيشون مفاهيم عصر حروب العصابات، والمدن، دون أن ينتبهوا إلى أنه سيؤدي إلى تدميرها والقضاء على الشعب، إما بالهجرة؛ أو الموت في مواجهات تسودها الجهالة. لا شك هذا الموضوع الحساس والمهم والخطير؛ يتحدث فيه كل الشارع الكوردي، وهي أكثر من أن يكون سراُ، ويتطلب منا ومن الشارع الكوردي التكتم عليه، بل السير فيه سذاجة إن لم تكن جهالة.
3- عملية التدريس باللغة الكوردية، والتي كانت من أهم متطلبات الحراك الكوردي منذ تكوينه، دعمناها وأرفقنا معها ملاحظاتنا وانتقاداتنا وبينا نواقصها، كبعد أكاديمي، ومن خبرة عقود طويلة في الداخل والخارج، ونعيدها هنا وباختصار. لا بد من تدريس لغة أخرى مع اللغة الكوردية، وبكثافة من الحصص بحيث تكون كافية ليتعلمها ويتقنها الطلاب، وأول اللغات المطروحة وعلى خلفيات عدة، هي اللغة العربية ومن ثم الإنكليزية، فكما نظن أن الكادر العربي متوفر، وجلهم يحصلون على رواتبهم وهم في بيوتهم. ومن ناحية القدرات الذهنية للأطفال، تؤكد جميع الدراسات والأبحاث العلمية أن التلاميذ ومن سن الطفولة لهم المقدرة على تعلم لغتين وحتى ثلاث وبسهولة، في حال تم تخصيص الساعات المناسبة لتعليمهم. وبالتالي ففي المناطق الكوردية لا بد من تدريس اللغات المذكورة، والكوردية في المناطق العربية إلى جانب العربية كلغة ثانية، حتى ولو كانت بحصص قليلة.
4- ذكرنا ومن السنوات الأولى، بعدما أستملت القوة الكوردية الإدارة في المنطقة، أنه يجب التخلص من جدلية وجود إدارات السلطة المركزية، والمربع الأمني، والتبعية لبلديات السلطة والمصارف والبنوك وإدارة المدارس، أي عمليا كان يجب خلق إدارة ذاتية كاملة تابعة للسلطة اللامركزية. فوجود بلديتين ومنطقية ومحافظة تابعة للسلطة إلى جانب سلطة كوردية موازية، خلقت من الإشكاليات للشعب ما لم يعد يتحملها، فالتخبط بينهما، من حيث القرارات، والتبعية، أصبحت هاجس المواطن اليومي، وهي التي سهلت لأن تكون في المنطقة سلطات محلية، بعضها عشائرية، ومن خلالهم تتمكن السلطة من فرض الكثير من شروطها على الإدارة الذاتية، وقد كتبنا فيها مقالات في الأعوام الأولى؛ تحت عنوان (ماذا يفعل المربع الأمني في قامشلو).
لا شك هناك إشكاليات أخرى، وأخطاء لا بد للحريص على إنجاح تجربة الإدارة الذاتية، وتكوين منطقة كوردية فيدرالية تابعة للسلطة اللا مركزية، من عرضها، ونأمل من المعنيين بالأمر دراستها، ومعالجة ما يتمكنون منه، فبعضها قد تؤدي إلى اختصار مسيرة المفاوضات الكوردية الكوردية، ونحن أمام أبواب علاقات سياسية ودبلوماسية جديدة متوقعة أن تفتح على المنطقة، وسيكون للكورد فيها دور لا يستهان به، ولكن يجب أن نكون على قدر المسؤولية، بإنجاح المفاوضات الجارية، وتشكيل هيئات دبلوماسية تمثل الشعب الكوردي، وإدارة مدنية، وعسكرية يشترك فيها المكونات الأخرى من أبناء المنطقة.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@msn.com
[1]