ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام - الجزء الحادي عشر
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6709 - #20-10-2020# - 09:31
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يعرف أن السلطات العربية الإسلامية بعد الرسول الكريم، قدمت خدمات جليلة للأدب والفن العربي رغم غياب مصداقيتها وفسادها مع شعوبها، وشرورها مع الشعوب الأخرى، وذلك لأنها في بدايات الاحتلال وإلى قرون لاحقة، كانت ترى أن سلطتها مرتبطة كليا بالنص ولغته، وكانت على دراية أنها تواجه هيمنة أدب ولغة الشعوب المحتلة، والتي كانت لها أبعاد حضارية، وجذور راسخة مدعومة من المراكز التعليمية والثقافية في جميع المدن المحتلة كدمشق وحلب وغيرها من المدن السورية، ومدن شعوب الإمبراطورية الساسانية، ومنهم الكورد، كمدن كندي سابور والمدائن وأربيل وأمد ونصيبين، وشنكال وماردين وميافارقين و كالينيكوس التي سماها العرب بالرقة، وغيرها، وحيث العلماء والأدباء، والمئات من الذين كانوا يجيدون الكتابة والقراءة، في الوقت الذي كانت الكتابة والقراءة بلغة النص واللغة العربية شبه معدومة، ولم تظهر الكتابة بها إلا بعد قرن من هيمنة السلطة العربية الإسلامية على المنطقة.
كما نوهنا سابقا، فقد ساهمت نفس الأنظمة في تطوير فن الغناء والموسيقى، رغم أن بعض الفقهاء وكمنهج وعقيدة في بعض التأويلات وقفوا بالضد منهم ومن نشر الفن، وخاصة الغناء والآلات الموسيقية، وعلى أثرها حاولت بعض السلطات من إيجاد الثغرات في مسارات الفقه هنا، وهو ما حدى بعبدالله بن جعفر بن أبي طالب إيجاد التبرير لشرائه الجارية بضعفها عند إجادتها العزف مع الغناء، والروايات حول حبه وسماعه لطرب وغناء الجواري عديدة، كما وتاريخ ديوان هارون الرشيد في ازدهار الفن في عصره تناولها الشعراء والمؤرخون بكثرة، إلى درجة يقال أن أخته علية بنت المهدي كانت تعزف وتغني، فيقول فيها الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء الجزء العاشر ص(187) أنها كانت أديبة ، شاعرة، عارفة بالغناء، والموسيقى، رخيمة الصوت وقد اختلف الفقهاء حولها فيما بعد، ومن بينهم الغزالي وأبن الجوزية والإمام الشوكاني ومالك أبن أنس، وأبن عبد البر وأبن تيمية وغيرهم، وجلها تأويلات لا سند نصي ولا حديث.
وإيرادنا لهذا المثال، تأكيد على أن الأدب والفن العربي نمى على حساب أدب وفنون الشعوب الأخرى، وليست كعملية مقايضة، بل ببناء الذات على حساب هدم الأخرين، وهو ما أدى إلى التأكيد على أنه لم تظهر حضارة في العصر الإسلامي، وليست هناك شيء أسمه الحضارة العربية ولا الإسلامية، رغم أن هذه الحقيقة تزعج الكثيرين، وخاصة الذين يدمجون الثقافات ببعضها ويفرزونها كثقافية عربية، لخلق حضارة على عتبة الإمبراطورية الإسلامية، ومن المعلوم أنه معظم الإمبراطوريات لم تبني الحضارات، والعربية الإسلامية واحدة منها، بل هدمت أركان حضارتين في منطقتنا.
ففي الواقع، عنصرية معظم السلطات العربية الإسلامية، وفرضهم لغة العقيدة، كحجة فقهية دينية على أنها لغة الجنة ولا بديل عنها في العبادات، أدت إلى ظهور صراع بين الشعوب، ومن ثم انتشار عدد هائل من المذاهب في الإسلام، جعلها الشعوب حاضنات لذاتها ولثقافتها، رغم ذلك فإن معظم طفرات التطوير في اللغة العربية تم بيد رواد الشعوب الأخرى، ومثلها الأدب العربي الكتابي، إلى درجة تفوقوا فيها على أصحابها. فعلى سبيل المثال، في مجال الشعر، وأكثره في العلوم والأدبيات النثرية، رغم أنه عربي اللغة، وأصبح متفوقا على الأدب في اللغات الأخرى؛ إلى فترات زمنية طويلة، ولا ناقصة هنا، رغم أنها كانت تعرف بالثقافة الإسلامية، في روحها، والعربية في حقيقتها، وهذا ما سخرته الأنظمة للطعن في آداب الشعوب الأخرى، وعرض أدبهم وتأخرها عن اللغة العربية كناقصة كثيرا ما يطعن بها اليوم الشعوب التي اعتنقت الإسلام وساهمت في تطوير اللغة والأدب العربي، وهي ما تدرج كعنصرية فكرية وثقافية ومنهجية للأنظمة العربية والذين يساندونها، ويتوجب دحضها وعرضها كناقصة لكل من يحمل ويروج هذا المفهوم عن أداب الشعوب الإسلامية غير العربية، والتي تأخرت الكتابة بلغاتهم على خلفية تأثرهم بلغة النص، أي اللغة العربية، ونحن هنا نتحدث عن الأنظمة والشريحة التي خلفت الآثار الكارثية لثقافات شعوب المنطقة، كالشعب الكوردي والأمازيغي والقبطي، والأرامي وغيرهم.
علما أن الإشكالية لم تقف على السلطات العربية الإسلامية رغم أنها تبنتها على مدى قرون طويلة، لكن السلطتين الصفوية وفيما بعد الفارسية والعثمانية-التركية، كانا أشد قساوة على الشعوب التي تحتلها من السلطات العربية، تحريف التاريخ وبهذه الأبعاد، لثقافة ولغات هذه الشعوب، والتي لا تزال تعاني من الاحتلال العربي وإرهاصاتها، تطعن في اللغة العربية وجمالياتها، ومصداقية تاريخها، ومدى قدرتها كلغة حية على التطور رغم ما تلاءمت لها من الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية.
الجدلية هذه تعرض كنظرية، جرت مع جميع اللغات التي عجزت شعوبها من السيطرة على الانهيار، إما لغياب سلطاتها، أو لأنها رضخت عن قناعة للثقافة الدينية ولغتها، وبالتالي غاب عنها الدعم من قبل مثقفيهم وأدباءهم، بعدما درجت المسيرة تحت منطق السلب في عدم تقبل لغة النص، أو الإيجاب في التخلي عن لغة لم تحمل بها لغة القرآن: كاللغة الأمازيغية والتي كانت لغة شمال أفريقيا قبل الإسلام، والقبطية أو الفرعونية لغة مصر والسودان، والكوردية التي يلاحظ أن سيرتها تباطأت عما كانت عليها في عصر الحضارة الساسانية، رغم حفاظها على الكثير، وبشكل أفضل من اللغتين السابقتين ولعوامل عدة، علما أنها تعرضت إلى التهميش والإهمال المتعمد المماثل لهما بعد ظهور الإسلام، كما ونلاحظ، وبسبب غياب السلطة، ما حدثت للغة الآرامية والسريانية من شبه ضياع بعدما كانتا لغة الثقافة والعلم في المنطقة.
لكن هذه الإشكالية المصيرية بالنسبة لأدب الشعوب ولغاتهم، ظهرت جلية في بعدها السلبي وبعمق مع اللغة التركية أو العثمانية السابقة على خلفية هيمنة السلطة، والتي ترجمت النص الإلهي إلى اللغة التركية، وبها تمت العبادات، ودعمتها بفتاوي. سبقتها وبشكل أوسع السلطة الفارسية مع لغتهم وأدبهم وتاريخهم، عندما تمكنت المملكة السامانية والغزنوية في القرني العاشر والحادي عشر الميلاديين أي في الثالث والرابع الهجري، من إحياء الفارسية الأخمينية، وسخروا لها الفهلوية الشرقية والساسانية، ولغات الشعوب الإيرانية الأخرى، وعليه سقط معظم المؤرخون في الخطأ الذي أصبح، لدرجة ترويجها، كحقيقة لا يقف عليها إلا القلائل منهم، ودرجت بين العامة كجدلية لا تناقش، ومنذ قرون وحتى اليوم بدأوا يدرجون لغات جميع الشعوب الإيرانية وتاريخهم، تحت غطاء اللغة الفارسية وتاريخ الفرس، في الوقت الذي كانت فيه لغة منطقة بارس أي فارس حاليا، محصورة وعلى مدى قرون عديدة بعد سقوط الإمبراطورية الأخمينية، لغة منطقة جنوب أصفهان الحالية والتي كانت مركز الإمبراطورية الأخمينية، وحيث تتركز أثار برسبوليس وتسيفون، والطبري في جميع أجزاء كتابه (الكامل في التاريخ) يفصل بشكل دقيق بين فارس كمنطقة في وسط وجنوب إيران، والمناطق الأخرى، ولا يضفي فارس على إيران كما يقال اليوم في كتب التاريخ، فعلى سبيل المثال يقول في الجزء السادس من كتابه الصفحة (88) وفيها قدم وصيف التركي من ناحية أصبهان، والجبال، وفارس وكان قد سار في طلب الأكراد لأنهم قد أفسدوا بهذه النواحي كما ولا ينسب الساسانية إلى فارس كما حرفها البعض من المؤرخين، وأصبحت مسلمة مطعونة فيها...
يتبع...[1]