مواقف كرملين من القضية الكوردستانية
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6696 - #06-10-2020# - 10:27
المحور: القضية الكردية
بالإمكان قولها وباختصار، مخزية، ليس فقط أمام الشعوب، بل مقارنة بأيدولوجيتها، ومبتذلة على منطق نظريتها الأممية، وحقوق الشعوب. ففيما لو كانت قيادتها تحمل فتات من ثقافة النظرية التي تبنتها قرابة سبعون سنة، لوفقوا قليلا بين أيديولوجيتها واستراتيجيتها أو سياستها، على الأقل تجاه القضية الكوردية؛ ولما بلغ بأعلى دبلوماسييها سوية الابتذال في المواقف، مضحيا دون تأنيب ضمير بأمة من أجل ألا تتأذى مصالحها مع الدول الشمولية العنصرية؛ كدولة بشار الأسد المجرم، وتركيا الأردوغانية.
لربما نخدع نفسنا هنا، فبمراجعة للماضي، سنرى أن موقف سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا ليس غريباً، فقد كان الإتجار بالقضية الكوردية ومصير الأمة المعانية من الاحتلال العنصري حاضرا في جل علاقات كرملين الدبلوماسية مع دول المنطقة، ومن أجل ألا تتعرض مصالحها، وألا تظهر تداعيات تقلقها والدول المجاورة تغاضت، وفي كل المراحل، عن قضية خمسون مليون إنسان كوردي.
فتحذيره، يوم الإثنين الماضي من انفجار القضية الكوردية بسبب الإجراءات الأمريكية في سوريا، مشددا على ضرورة منع انتهاك وحدة أراضيها مضيفاً حسب ما نشرته موقع روسيا اليوم، أن الأمريكيين يحاولون إنشاء حكم ذاتي كوردي في شمال سوريا، سيتمتع بصلاحيات مماثلة لسلطات دولة و كما نعرف أنهم يسعون إلى إقناع الأتراك بألا يمانعوا ذلك وتابع قائلا التلاعب بوحدة أراضي أي دولة انتهاك صارخ للقانون الدولي. وفي هذا الحال بالضبط، هذا الأمر لا يخص سوريا فقط، أنه ينطبق على القضية الكوردية التي قد تنفجر بقوة، ستبدو الأوضاع الحالية مقارنة معها أقل جدية بكثير منقول من الموقع حرفياً.
وأوضح الوزير أن القضية الكوردية تخص عددا كبيرا من دول الشرق الأوسط، محذرا: الدعوة الى الانفصالية بل تمريرها بشكل نشط قد تؤدي إلى تداعيات سيئة جدا. يجب الإشارة من جديد إلى أن هذا كله تقوم به دولة تقع بعيدة وراء المحيط، أما التداعيات فستتعامل معها دول المنطقة وأوروبا وكذلك نحن بأنفسنا لأننا قريبون من هذه الأرض موقفه المعارض وضحها بشكل جلي، خاصة عند عرضه كلمة الانفصالية والتي تبين أنه واقع تحت تأثير دعاية الدول المحتلة لكوردستان، فعلى مر السنوات وفي جميع أعلام الحراك الكوردية وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي للمجتمع الكوردي، يتم رفض منطق الانفصال، وبالمناسبة، الكلمة لها مخرجاتها، فمن من سيتم الانفصال، نحن نعاني من الاحتلال، وليس الإتحاد الإجباري أو الاختياري، مثلما كان يقال في زمن الإتحاد السوفيتي وتم انفصال الجمهوريات عن بعضها، لا شك هذه إشكالية تقع خارج مجال موضوعنا الحالي، لكنها للأسف ولربما على خلفية تكرارها أمام الوزير يتبين أنه تأثر بها، دون دراستها أو العودة إلى مصادره.
أين هي المشكلة، فيما لو قامت روسيا بحل القضية، وليس تغطيتها حفاظا على مصالح الدول المحتلة لكوردستان، فلو كانت عادلة مع مبادئها وقيمها لحملتها بما تتلاءم ومصالح المنطقة. وما دامت قضية قابلة للانفجار في أية لحظة، فعليها معالجتها وإقحام ذاتها على قدر مسؤوليتها في حماية المنطقة، كدولة كبرى، من التدخلات الأمريكية. فالقضاء على حقوق أمة ومنع الأخرين من المساعدة جريمة بحق الشعب الكوردي. فالتخلي عنهم والطلب من أمريكا بالمثل، والضغط على الكورد لقبول الواقع المزري، والعيش تحت احتلال دول دكتاتورية عنصرية، خيانة للنظرية والمواقف الإنسانية، بل انحطاط لاأخلاقي، فعلى الأغلب نابعة من ذهنية مبنية على الإتجار بالشعوب من أجل المصالح.
معارضته هنا تتبين أنه ضد إقامة النظام الفيدرالي المماثل للنظام الروسي، في الدول المحتلة لكوردستان، وكأنه غير مقتنع بنظام دولته ليكون مثالا للدول المجاورة، علما أنه كان أول من دفع بالكورد تبنيها قبل ما تتعامل دولته مع سلطة بشار الأسد، وقبل أن تفتح لهم أبواب أنقره، والتغيير 180 درجة في الموقف، تبين مدى ابتذالهم للقيم الإنسانية.
فمن المعروف أن روسيا من الدول الأكثر تمسكا بمصالحها وبإمكانها أن تتخلى عن جمهورياتها السابقة لهذه الغاية، وهي خير من تعلم العالم على أن السياسة هي المصالح، تنعدم القيم والأخلاق والنظريات والإيديولوجيات أمام المصالح.
فتصريحه في هذه المرحلة الحساسة، من اجل مصالح روسية في المنطقة ضد أمريكا، حول كوردستان وما يطالب به الحراك الكوردي، وحيث المنطقة أمام معادلات بالأمان أن يحصل كل شعب على البعض من حقوقه ضمن الدول ذاتها، لا تخلق الاستقرار، بل تؤدي إلى ديمومة الصراع، وأن أمريكا بدعمها للكورد ومحاولة إقامة إدارة ذاتية في سوريا سيكون علم استقرار اكثر مما لم تم التغاضي عنها وفرضت ثانية سلطة دكتاتورية مركزية في دمشق، فنقله هذا المفهوم عن حقوق الشعب الكوردي إلى تركيا استراتيجية مبتذلة ومرفوضة، والشعب الكوردي كان ولا يزال يأمل الأفضل من روسيا ووزير خارجيتها، فالصراعات ضمن الشرق الأوسط مثارة في كل زاوية، والأنظمة تكافح للحفاظ على هيمنتها، كسلطة بشار الأسد الذي دمر كل الوطن للبقاء، وحيث انتقال تركيا من دولة شبه ديمقراطية إلى شبه دكتاتورية، وإيران تغرق في نظام مذهبي منكر لحقوق الشعوب وفي مقدمتهم حق الشعب الكوردي، يتوقع الكورد من دولة كبرى كروسيا أن تكون راعية منصفة وهذه لا تتعارض ومصالحها فيما لو تعاملت مع الجميع من منطق السيادة.
لكن وللأسف، هذه الإستراتيجية الخاطئة بحق الكورد ليست جديدة، فعلى مر التاريخ كانت الإتحاد السوفيتي وقبلها روسيا القيصرية، معادية لحقوق الأمة الكوردية، أو لنقل إن مصالحها تعارضت بشكل شبه دائم مع مصالح الشعب الكوردي، ربما ليس لعداء قومي بقدر ما كانت مصالحها تدعي ذلك، حتى في المرحلة الإيديولوجية تخلت عن نظرتيها من أجل مصالحها. وتغيرت مواقفها مع نوعية الأنظمة التي تعاقبت عليها، لكنها ظلت محافظة على محور واضح، ومن الغريب أنها في معظم الحالات تعارضت وطموحات الشعب الكوردي، ولا يستبعد أن منطق ستالين قبيل الحرب العالمية الثانية ظل سائدا، وكثير ما قيل إنها كانت مع حقوق جميع شعوب العالم إلا الشعب الكوردي، وهذه الجدلية مبنية على عدة تحليلات، منها:
1- أنها جاهدت أن تظل المناطق المجاورة لحدودها آمنة، لتبقى الجغرافيات على ماهي عليه، لئلا تنفتح الأبواب لأمريكا أكثر مما هي.
2- آملة بموقفها من القضية الكوردية بكسب ود الدول المحتلة لكوردستان.
3- أستمر المفهوم الذي بنى عليه ستالين موقفه من الكورد سائداً، يوم هجرهم وأزال جمهورية كوردستان الحمراء، تحت حجة انهم يساعدون هتلر النازية قبيل هجوم ألمانيا على الإتحاد السوفيتي.
وتبينت هذه المواقف في حروب صدام ضد ثورة برزاني الكوردستانية، رغم أن البعض يقول أنه أحتضن البرزاني الخالد، وسانده، لكن في الواقع كان ذلك حفاظا على ماء الوجه، يوم شارك في تدمير جمهورية كوردستان الشرقية (مهاباد) ومعها أذربيجان، وللتغطية على الصفقة التي عقدها مع البريطانيين والتمهيد لعودة الشاه، علما أنه كان يترأس نظاما معاديا إيديولوجيا للأنظمة الملكية والشمولية، حيث المبادئ اللينينية الماركسية، وقد كانت خيانة ليس فقط للجمهوريتين اللتين كانا عل حق بالاستقلال عن الدولة الفارسية الشاهنشاهية، بل كانت خيانة للنظرية التي بنيت عليها الإتحاد السوفيتي، والتي انهارت على خلفية العشرات من هذه التنازلات عن المبدأ، والنفاق على الشعوب المظلومة، والمؤدي إلى نخر الداخل وتزايد الفساد والبيروقراطية وغيرها.
وقفت الإتحاد السوفيتي مع الأنظمة الدكتاتورية في العديد من دول العالم، منها يوم قصفت بطائرات توبوليف الثورة الكوردية وبطيارين روس، وساعدت طاغية البعث في العراق ضد شعب كان يطالب بأدنى حقوقه المشروعة. لا زلنا نتذكر كيف كان موقفهم من قصف صدام لمدينة حلبجة الكوردية بالغازات السامة وقتل فيها كل الأحياء، أكثر من خمسة ألاف إنسان، معظمهم أطفال ونساء وشيوخ، فحتى عندما قامت حينها مجموعة من الطلاب الكورد في موسكو للاحتجاج في ساحة الكرملين، كان رد السلطة السوفيتية حاسما وقاسيا، ضربوا الطلاب ودفعوهم بقوة إلى مواقف المترو، كان بينهم الدكتور إبراهيم محمود، والدكتور رضوان علي، والدكتور فيصل خلف، وغيرهم لا يحضرني الأن أسماؤهم، وتم بعدها طرد الدكتور فيصل خلف، من الجامعة ومن روسيا وكان في سنة التخرج من كلية الطب، معهد الصداقة. نحن هنا نتحدث فقط عن العلاقات السياسية للنظام وليس عن الشعب وثقافته وقيمه الرائعة، كما ولن نأتي على ما فعله نظامه بالشعوب الأخرى، وحيث التناقض مع أيدولوجيتهم.
المسيرة مستمرة، والمواقف هي ذاتها رغم انهيار النظام الشيوعي، وموقف روسيا جلي من خلال تصريحات لافروف المستمرة، ومقايضتهم لعفرين مع تركيا، لدعم نظام غارق في الإجرام. وموقفه من القضية الكوردية في سوريا تعكسها تلك المقايضة، وتلك التي تمت في مؤتمر سوتشي الأخير عندما سمحت لتركيا باحتلال ما بين سري كانيه وكري سبي، لا شك هنا وللأمانة فإن موقف إدارة ترمب لم تكن بأفضل منه، لكن حتى الأن مصالحهم تفرض ما تفضل به الوزير، ومثلها نحن تحت رحمة المصالح الأمريكية، وهنا علينا نحن الكورد أن نعالج هذه المفاهيم والمواقف، ونتعامل معها بما تفرضه مصالحنا، وعلى الوفود الكوردية التي تزور موسكو بين حين وأخر، تذكير الوزير بحقوق الأمة الكوردية، حتى ولو كانت صعبة قولها، لكنها ستدرج ضمن المواقف الخالدة في التاريخ، وعلى الأغلب سيتم دراستها فيما بعد من قبلهم. وهذا الطلب يجب أن يكون ضمن مشروع كوردي متكامل، حيث الفيدرالية الكوردستانية ضمن أنظمة لا مركزية أي كانت الدول المعنية، ويجب أن تقدم لممثلي الإدارة الأمريكية مستقبلا.
المسيرة ليست سهلة، خاصة فيما إذا استمرينا على الشقاق، وظلت مجموعات من حراكنا أدوات بيد القوى الإقليمية تحت مسميات وحجج متنوعة، خاصة ونحن نلاحظ تزايد مجموعات كوردية يخدمونهم إما عن سذاجة أو لمصالح شخصية، والبعض تحت منطق الحكمة في حل القضية الكوردية.
[1]