ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام - الجزء العاشر
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6689 - #27-09-2020# - 05:18
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ومثال سند الرسول الكريم للشعر كسنده للبيان ينطبق على دور السلطات التي دعمت لغات شعوبها، وطورتها، كاللغة العربية النابعة من لغة قريش، بعد ربطها بالبعدين: الروحي؛ لغة الإسلام كدين، والدنيوي؛ لغة الإدارة والمراسلات، بعد هيمنتها على المنطقة ولعدة قرون لاحقة، إلى أن جعلتها اللغة السائدة بدون منازع، وحلت مكان اللغة الفهلوية الساسانية والأرامية مثلما قضت على لهجات ولغات شبه الجزيرة العربية، وعلى مر القرون سادت على العديد من الشعوب التي اعتنقت الإسلام، أو حتى على البعض التي ظلت محتفظة بديانتها، وبقدر ما رسخت كلغة السلطة، توسعت تأثيرها العكسي على لغات بعض الشعوب التي ساهمت في تطويرها، ومنها لغة وأدب الشعب الكوردي، التي زالت عن الساحة الأدبية والثقافية وظلت في طي الضياع كتابة قرابة ثلاثة قرون وأكثر، بدءً من القرن الأول لانهيار الإمبراطورية الساسانية.
كما وغطت على لغات شعوب أخرى في المنطقة لفترات زمنية أطول، وبعمق أوسع، بينها اللغتين الأمازيغية والقبطية، واللتين ظلتها في العتمة إلى مرحلة جدا قريبة، والمسيرة تشبه في كثيره بما تمت في العقود المتأخرة وحيث الأنظمة العروبية العنصرية، مع الاختلاف ما بين هيمنة العفوية والتخطيط الممنهج، كما ويمكن مقارنتها بالمراحل التي فرض فيها المستعمرون الإنكليز لغتهم على العديد من الشعوب المستعمرة، أو كأساليب الفرنسيين في شمال أفريقيا. رغم الاختلاف في العوامل بين اللغتين؛ لكن النتائج هي ذاتها.
ورغم أن العديد من الكتاب كتبوا في الإشكاليات التي رافقت هذه التغيرات، لكن كثيره ظهر مخفياً ومحرفا؛ خاصة حول كراهية السلطات الإسلامية العربية اللغات الأخرى والتي اعتبرت لغات أعجمية، ومعظم العجم كانوا كفارا في حكمهم. مع ذلك وبعد مرور قرون عديدة على تحريفات التاريخ، بدأ يدور السؤال التالي بين مثقفي الشعوب التي استيقظت من سبات طويل: ماذا لو لم تظهر الثقافة الإسلامية ولم تساهم الشعوب فيها بثقافاتهم، وظلت الثقافة السائدة في المحيط العربي إلى جانب ثقافة الشعوب الأخرى؟ وبالتالي اللغة العربية وأدبها بقيت محصورة ضمن شبه الجزيرة العربية؟ هل كانت ستبلغ ما بلغته اليوم؟ ما مدى تأثير لغة وأدب الحضارة الساسانية على اللغة العربية؟
رغم ظهور إشكاليات ومواجهات وتأويلات عديدة حول تلك الأسئلة والمشابهة لها، لكن تظل حقيقة لا يمكن أنكارها أن تطور اللغة العربية جاءت كثيره على حساب ثقافات الشعوب التي اعتنقت الإسلام، وبالتالي بيد ومساهمة مثقفي هؤلاء الشعوب، والكورد من الذين تظهر مساهمات في قمة الهرم، مثلما كانوا من أحد أكثر المتضررين من سيطرة السلطات العربية الإسلامية. وبدأت على أثر تدمير تلك الحضارة وما أتبعها من تم التعتيم على ثقافتهم وروحانياتهم، والخلاف على هذه الجدلية خلقت العشرات من الأسئلة، منها: من أين حصلت القبائل العربية على المعرفة، وكيفية مداولتهما، أو من أثر فيهم أو تأثروا بهم وغيرها من الأسئلة الشكوكية. فكما نعلم أنه ورد عن الواقدي في كتابه (فتوح البلدان) الجزء الثالث، وعند السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء) والدكتور جواد علي في الجزء الثامن من كتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) وغيرهم، إنه كان بين قريش في بدايات الوحي قرابة أثني عشر شخصا يعرفون الكتابة والقراءة، ونحن لا نتحدث عن اليهود والنصارى أبناء الجزيرة العربية قبل أن يتم القضاء عليهم كليا، وكتب فيهم البلاذري في كتابه (فتوح البلدان) وكيفية تعليمهم أبناء يثرب من العرب الكتابة والقراءة.
ويضيف عليهم بعض الباحثين في تاريخ الإسلام، أسم الرسول الكريم، ويذكرون؛ أنه تعلم الكتابة والقراءة في بدايات الوحي، ونشرت بعض الكتابات في هذا المجال، وكيف تعلمها على يد أعجمي كان يسكن مكة، ومن بينهم الدكتور أحمد صبحي منصور أستاذ سابق في أحد كليات الأزهر، ففي مقال له حول تقديمه لكتاب المستشرق الفرنسي جاك بيرك ( إعادة قراءة القرآن) يقول أن النبي محمد تعلم القراءة والكتابة من رجل اعجمي كان يعيش في مكة، ويستشهد على ذلك بقوله تعالى ردا على المشركين ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) ( النحل 103 ))
وفي الحيز العام، ورغم ما بلغته اللغة والأدب العربي من المستويات العالمية، لا بد من العودة إلى أنها بذاتها ظلت ناقصة، واستمرت كذلك إلى أن تم إحياء أدب الشعوب التي أهملت أدبهم ولغتهم وبشكل خاص لغة وأدب الشعب الكوردي، خاصة بعدما نهضت عن طريق حركة الترجمة من عهد الخليفة المأمون المتأثر بثقافة الحضارة الساسانية المتبقية أثارها حتى عهده، وهو الذي تربى في كنف خواله البرامكة الذين يقال إنهم حفدة ملوك ساسان، أي من الكورد.
وهنا لا بد من الوقوف على دور الأنظمة السياسية في تطوير أو تدمير اللغات والفن والأدب، في المراحل اللاحقة للخلافتين الراشدية والأموية.
من المعروف أن اللغة العربية، وعمرها تتجاوز الأربعة عشرة قرنا، تعد من اللغات العالمية المتطورة حالياُ، وخاصة في المجالات الأدبية، علما أن الكتابة بها كانت نادرة حتى في بدايات الإسلام، وحروفها تطورت من الحروف الأرامية التي كانت مكتوبة بها التوراة والأناجيل بنسخها الدارجة حينها في شبه الجزيرة العربية بين اليهود ومسيحيي المنطقة في سوريا وفلسطين وشبه الجزيرة العربية، لذلك عند الكتابة استخدمت كلمات من تلك اللغات، وعلى أثرها وردت المئات من الكلمات الأرامية والأعجمية في القرآن وتعرف اليوم على أنها عربية. ولهذه دلالاتها ولسنا بصددها، وهي من اختصاص اللغويين.
امتثال الأنظمة والسلطات الإسلامية العربية للفقه التكفيري، أبعدهم عن الفكر الحضاري، وربما لولا ذلك، لوجدنا المنطقة بكل شعوبها، اليوم على سوية حضارية تجاري الحضارة الأوروبية، ليس كما نرى في الفن واللغة العربية، بل بركيزة أدب وثقافة وفنون جميع الشعوب التي لا تزال محتلة، كالكورد والأمازيغ والقبط وغيرهم، ولظهرت ثقافة مؤثرة على المسيرة الإنسانية إلى جانب العقيدة الإسلامية، تفتخر بها أمم الشرق كلها.
لكن بتجميدهم لمفاهيم الدين الإسلامي وعدم قدرتهم على تعديل منطق فقهاء الإسلام، وخاصة التجسيديين منهم، وعدم الجرأة في تنويرها بحيث تتلاءم وتطور الفكر والوعي الإنساني، ركدت ليس فقط فن ولغات الشعب الكوردي والأمازيغي ووضعت الأرامية العريقة والسريانية والقبطية في مراحل الاندثار، وكل ذلك تحت منطق تجميد الشريعة القرآنية، وتحديد التأويلات الفقهية على مقاس الخدمات للسلطات، والتي أعاقت التطور الفكري والأدبي والفني بين العرب أيضا من بين الشعوب الإسلامية.
يتبع...
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]