ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام - الجزء التاسع
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6665 - #02-08-2020# - 22:19
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لم يتم الحديث عن الفن في زمن الوحي، ولم يأت على ذكره النص، وما ورد عن الرسول الكريم فمعظم الفقهاء يضعفونها على أنها أحاديث موضوعه، وكما نعلم أن تداولها كانت محظورة إلى بعد وفاة الخليفة عمر بن الخطاب، فالصحيحين محل شك عند العديد من الفقهاء. وما يخص الطرب الوارد على لسان عائشة رضي الله عنها؛ أي الغناء والآلات الموسيقية، تناوله الفقهاء بعدة أوجه، فهي تقول (دخل عليَّ النبي ﷺ وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر -رضي الله عنه- فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند النبي ﷺ، فأقبل عليه رسول الله، فقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا وفي رواية لمسلم فقال رسول الله: يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا) أما ما تم تأويله وشرح الآيات، المقالة أن المقصود فيه الغناء، مشكوكة فيها، وتفسيراتهم وضعية حسب المكان والزمان والسلطة، فجميعهم فقهاء بعد الوحي وبعد الخلافة الراشدية، ولم يتم تفسير تلك الآيات في زمن الرسول ولا في عهد الراشدين، إلا بعد تطور الغناء والآلات الموسيقية في الوسط العربي، أو سمعوا الغناء من الشعوب التي دخلت الإسلام.
ويقال إن أوائل المفسرين هو عبد الله بن مسعود، أي بعد الخلافة الراشدية وعند سماعه الغناء والموسيقى، والتقول مطعون فيه، فلم يظهر التفسير عنه إلا بعد أكثر من نصف قرن من الوحي، وبعده بقرن تقريبا جاء تفسير الحافظ بن كثير، وأبن جرير، وغيرهم وجلهم يبنون على آيات ثلاث، أهمها الآية السادسة من سورة لقمان (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ). ونحمد الله على عدم قدرة هؤلاء المفسرين السلفيين التكفيريين التحكم في السلطات العربية الإسلامية ومن ثم بالفنون وإلا لكانت الشعوب الإسلامية تعيش اليوم في ظلمات الفن وخسروا أحد أهم ملذات الحضارات الإنسانية. وجل الحديث تثبت أنه لم يكن للقبائل العربية فن بالمفهوم الدارج حتى في مرحلة سقوط الإمبراطورية الساسانية، وما ظهر على الساحة بعد قيام السلطة العربية الإسلامية هو سيطرة على فن الحضارة الساسانية، والتي كانت على مسافات زمنية من الرقي، تمكنت السلطات اللاحقة ألقاء الغطاء العربي عليه، وعرضه مؤرخوهم على أنه الفن العربي، ملغيين الماضي ومأثر شعوب تلك الحضارة وفي مقدمتهم الشعب الكوردي.
فما قدم من الدعم لموروثهما، الأدب والفن، في عهد السلطات التي تأثرت بثقافة الحضارات المدمرة، ساهمت وسهلت في تطويرهما، فالأدب العربي توسع وتشعب على ركيزة تمجيد الرسول الكريم للشعر، وفيما بعد دعم الخلافة العباسية للنسخ وترجمة أدب وفلسفة تلك الحضارات. وأنتشر فن الغناء والآلات الموسيقية في فترة قصيرة مقارنة بالأدب، بمساعدة ومساهمة مخلفات الحضارة الساسانية، كالكورد، وفيما بعد الأمازيغية، والبيزنطية كالقبط والأراميين. وهنا يمكن القول إنه الفن العربي الجاري ومن بينه الغناء والآلات الموسيقية هي خارجية طغت عليها اللغة العربية، فالنغم والحس المتكون وعلى مدى القرون الطويلة الماضية غرزت في ذاكرة الأجيال، وهي ذاتها المتداولة في تركيا الأن، وجمعينا نسمع موسيقى وغناء شعوب شرق أسيا، والتي منهم قبائل أغور التركية، أي القريبة من الصينية والمنغولية، ولكن ما يتم من الغناء والموسيقى والأدب في تركيا على أنه تركي لا علاقة له بهم، بل أنه فن وأدب مسروق، ورغم أنهما ثقافة عالمية أممية، لكن حصرها في ذات معينة وإزالة الماضي وتحريف التاريخ، هو ما نحن بصدده، واليوم جميعنا نستمتع بما قدمه شعوب المنطقة كل من طرفه، لكن السلطات الحاكمة بمنهجيتها العنصرية خلقت حقدا من وراء الفصل والعزل وإلغاء الأخر، ليس فقط سياسيا بل وثقافيا.
فبعد قرابة قرنين من الوحي، واندثار الأثار الأدبية والفنية للحضارة الساسانية، أي من بداية ظهور أول غناء عربي، برز الموسيقار الكوردي (زرياب) ليكتب إبداعاته باللغة الكوردية، أي اللغة الفهلوية الساسانية والحروف العربية، وجلها كانت في مجال الفن، ويعتبر هذا المبدع ظاهرة فيما بين طمس اللغة الكوردية كلغة الثقافة وحلول العربية مكانها، مع استمرارية المواجهة كلغة الشارع الكوردي والعائلة ونقل الثقافة بين الأجيال شفهيا، فرغم ترجمة نوتاته إلى اللغات العالمية ظلت محافظة على لفظها الكوردي، رغام أنها مكتوبة بالعربية.
فزرياب أبعد من أن يكون فارسيا من حيث الجغرافية القادمة منها، كما ومعظم الكتاب بنفونها، ومثلها فهو أبعد من أن يكون عربي النسبة والمنشأ، ولو كان كذلك لما أحتفل بعيد نوروز حتى عندما كان في الأندلس وعلى سوية مهرجان عام. يقول في هذا الدكتور هاني أبو الرب في كتابه (زرياب وأثره في الحياة الاجتماعية والفنية في الأندلس) ص (280) مستندا فيه على كتب: أبن عبد ربه، والأصفهاني والمقري، فيقول أجرى الأمير عبد الرحمن على زرياب وأولاده الأربعة الذين دخلوا معه الأندلس رواتب شهرية، فجعل لزرياب مائتي دينار شهريا، ولكل واحد من أبنائه عشرين ديناراً في الشهر، إضافة إلى ثلاثة آلاف دينار سنويا لمصروفات الأعياد والمناسبات ( لكل عيد ألف دينار، ولكل مهرجان ونوروز خمسمائة دينار) للمزيد عن أصل زرياب الكوردي ونوتاته باللغة الكوردية، يمكن مراجعة كتاب المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) (شمس الإسلام تسطع على الغرب) الصفحة (488) ودراسة عبد الله جمال (عناصر الأغاني الفولكلورية الكوردية في العراق) المستند على المستشرف الفرنسي (توما بوا)، وفي كتاب ( آلات الموسيقى الكوردية، ل لوريا أحمد) المنشور في إقليم جنوب كوردستان عام 1989م. وما أورده مهيمن إبراهيم الجزراوي في كتابه (زرياب منجازاته وأبرز مبتكراته الموسيقية) والأهم من كل هذا لغة النوتات والسلم الموسيقي المستخدم، والذي يعد خير دليل على أن لغته الأم كانت الكوردية، مثلما هي مكان ولادته.
وبغض النظر عن تلكؤ وتلاعب البعض حول أصله ومنشأه، فقد كتب الكثير في الموسيقى باللغظ الكوردي، وهو ما تم نقله من الذين كتبوا عنه وفي إبداعاته كتاب من عصره: كأسلم بن أحمد، تأليف في طرائف غناء زرياب وأخباره وفيما بعد بقرون كتب فيه المقري، في كتابه النفح الطيب الجزء الثالث، مستندا على ما كتب عنه في السابق، وكتب فيه أبن خلدون، وغيرهم كثر...
يتبع...
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]