هل نحن الكرد مذنبون؟
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6473 - #26-01-2020# - 10:05
المحور: القضية الكردية
قرفنا، من كثرة تداول التهم بين فصائل الحركة الكردية السياسية، والبخل في مواجهة الأعداء، اشمأزت نفوسنا من تصاعد الصراع بيننا الأكثر عنفا مما بيننا ومحلتينا، يدهشنا عندما نلاحظ، خبرة الأطراف الكردية بنهش بعضها، وبالمقابل نقف حائرين أمام تبريراتهم للأعداء الذين يمزقوننا. دروبنا واضحة لبعضنا فنقوم بتدمير أبسط المكتسبات التي حصل البعض منا عليها، لكننا نصبح عميان في الطرق المتجهة لمجابهة من يريد الشر لنا، نخون بعضنا في كل محفل، وعلى خلفية أبسط العلاقات السياسية أو الدبلوماسية، وبالمقابل نخلق المبررات لمن يريد القضاء علينا؛ من على المنابر العالمية، تتفاقم الخلافات بيننا عند حالات فشل أحدنا، فنلقي بالذنوب على الكردي الأخر، ونبرأ الأعداء بدراية أو عدمه، إلى درجة أصبحنا نواجه العداوة في ذاتنا، ونتعامل مع الأعداء كقوى لا تبغي الشر فيما لو كنا حليمين، أو فيما لو أثبتنا لهم على أننا حراك وطني نقبل حكمهم العادل على ذاتنا.
ليتنا كنا دهماء السياسة؛ حيث عدمية القيم، لنفضل فيها الكردي الأخر المخالف على الأعداء، وليسوا حزبيين بسطاء سذج نقبل ما يمليه علينا، محتلونا والمتربصون بنا، من شروط. ضمن هذه السذاجة الفاقعة المغمسة بالجهالتين السياسية والدبلوماسية، ننسى أن العدو سيظل عدوا حتى ولو أستمرينا قرون أخرى في خانة الموالي، والطاعة لولي الأمر، ورعايا في وطن ليس لنا فيه حقوق، وسنظل ونحن على هذه السجية لا ندرك أن معالجة القضية مع القوى الإقليمية، والتي لها القدرة على بلوغ ما تريده، لا تأتي بتأنيب البعض على عدم الطاعة لمتطلباتهم، بل على تقاعسنا في دحض وإزالة التهم الموجهة لنا، وتمييع وجودنا أو عدمه ضمن محفل مرفوض من قبل الطرف الكردي الآخر.
منطق معيب، إيجاد المبررات لمحتلينا على تدميرنا، ولمخططاتهم الدائمة الحضور بالقضاء على قضيتنا كلما نهضنا، ففي عالمنا الحالي، عالم الإنترنيت، وسهولة نقل المعلومات، جميع الأطراف السياسية والإعلامية الصديقة والعدوة تعي بما يجري خلف الكواليس، وتعلم ما يحصل على ساحات بعضهم البعض السياسية أو أروقتها من مؤامرات أو اتفاقيات، فلم يعد خفيا ما يطمح إليه الكردي، في البعدين:
1- الحاضر؛ كالعيش مع الشعوب الأخرى ضمن جغرافية ودول لقيطة تسمى جدلا بالوطن.
2- والقادم؛ حيث الوطن الخالي من العنصرية والاستبداد.
فالحجج التي كان يتمسك بها محتلونا في محاربتنا على مدى قرن وأكثر، على أننا نناضل من أجل تقسيم الأوطان أو الانفصال، المعادلتين اللتين أصبحتها باليتين مفهوما وجدلية، فارغة من مضامينها، لذلك ومنذ سنوات يقدمون للعالم تبريرات تتلاءم ومنطق الخلافات الدولية الجارية، كتفتيت الأوطان، أو التعامل مع المعارضة الإرهابية، أو أنهم منظمات إرهابية، وغيرها، لقطع الروابط بين مصالحنا ومصالح الدول العالمية، والتدمير المسبق لطموحاتنا في بناء كردستان حضارية دون سلطات شمولية دكتاتورية، وكثيرا ما ينجحون فيها، رغم أن معظم القوى الإقليمية والعالمية تدرك، أنه في شرقنا لا الأوطان أوطان ولا الدول المحتلة لكردستان ذات أنظمة ديمقراطية إنسانية.
أخطاؤنا، والتي هي كثيرة، لا تعطي الأحقية للأعداء بالتمادي على مكتسباتنا، بقدر ما يحق لبعضنا انتقادها لتصحيحها، لأننا تأكدنا وبعد مسيرة عقود طويلة من العيش مع محتلينا، أنهم لا ينتظرون أخطاءنا للتمادي، ولا يفكرون على تصحيحها كحسنة نية؛ أو أنهم سيتهاونون معنا في حال قلت أخطاؤنا، بل وبعد تجارب عديدة أصبحنا نعلم أنهم يزدادون شراسة كلما صابت دروبنا. فمسألة وجود طرف كردي ضمن الائتلاف السوري، لا يعطي المبرر للإدارة الذاتية أو غيرها على معاداتهم وتخوينهم، أو التهجم على حكومة الإقليم الفيدرالي على علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الإقليمية، فهم يمثلون جزء من المجتمع لهم رؤيتهم وأسلوبهم في النضال من أجل القضية، مثلما لا يحق للأطراف الأخرى إعطاء المبررات لتركيا على اجتياح عفرين أو قبلها جرابلس والباب، وفيما بعد ما بين سري كانيه وكري سبي تحت حجة وجود رباط فكري أو إيديولوجي أو حتى كردستاني بين قنديل والإدارة الذاتية، هذه الحجج في الأبعاد السياسية والدبلوماسية المعاصرة أصبحت واهية؛ بل تحمل في طياتها ضحالة فكرية، وقناعات تعكس الجهالة بمجريات الأمور بين الدول، تستخدمها سلطة بشار الأسد؛ والمعارضة؛ وتركيا، ونحن بدورنا نساندهم، بشكل أو آخر، بالسذاجة التي نعالج بها قضيتنا وبخلافاتنا بين بعضنا، نحن من نقدم لهم بعضنا كطرائد.
على مدى سنتين وأكثر، لم تعط التهديدات والتهم الموجهة لحراكنا بكل أوجهها، نتيجة مفيدة للمتربصين بنا، إلا بعد ظهور التغييرات في المصالح الدولية داخل سوريا، فمع الحجج أو بدونها كانت سلطة بشار الأسد تتهم أحزاب كردية بالخيانة الوطنية، وبمثلها أو دونها، كانت تركيا ستهاجم المنطقة الكردية، العلاقات لم تكن سرية، والمصالح لم تكن غامضة بين الدول المعنية، فعن طريق الأقنية الروسية دارت حوارات بينها وبين إيران والسلطة السورية، ففيما لو أردنا معالجة هذه الإشكالية، أي إشكالية العلاقات الكردية مع القوى الإقليمية، وهيمنة طرف كردي دون الأخر، علينا أن نعالجها بمدى تأثير أخطاءنا على العمق الكردي، وليس على مدى استفادة العدو منها وتبرير ما يفعله من الجرائم، فعلينا أن ندرك أن أصرار تركيا على الاجتياح، لا تقطعها عدمية العلاقات الكردستانية، مثلما الحصول على موافقة سلطة دمشق ومعارضتها على الفيدرالية الكردية لا تأتي بالابتعاد عن أمريكا أو ترك الائتلاف أو إقامة الحوارات مع سلطة بشار الأسد حسب المقترحات الروسية.
ومن جهة أخرى، وحيث الوجه الواحد الجامد للمفاهيم، فالعلم الذي يزيل الوجود الكردي لا تغير من المعادلة مع الأعداء بقدر ما تخلق الصراع بين الكرد ذاتهم، وتضعفنا، وضعفنا هي التي تسهل للأعداء على نقل الحجج إلى اتهامات والاتهامات إلى مبررات؛ لتنفيذ مخططاتهم العنصرية، ونحن من جهتنا نحاول معالجة إشكالياتنا بنفس المنهجية التي يريدونها، ونعطيهم الحجج الجاهزة لاتهامنا، فقد كانت المطالب الكردية أكثر من واضحة حتى قبل سنوات الصراع السوري، فلماذا تبين وكأن الأعداء انتبهوا إليها الآن؟
في الوقت الذي يعلم الجميع أن مطالب معظم أطراف الحراك السياسي الكردي، مشروع وطني كان ولا يزال، لكن عندما تهدم قيمها ومفاهيمها، لا بد من تبديلها بعرض المشروع القومي، لإنقاذ ليس فقط الشعب الكردي بل الشعوب الصديقة من براثن الأنظمة الشمولية الدكتاتورية، ومطلب الفيدرالية الكردستانية وبسلطة سورية لا مركزية فيدرالية نابعة من هذا البعد الثقافي السياسي. ولإدراك السلطات والقوى الفاسدة هذه المعادلة وللحفاظ على وجودها، تحاول أن تؤثر على المجتمع الدولي:
1- باتهامنا بالعنصرية ومحاولات تفتيت الوطن، وبالإرهاب، وإدراج حراكنا كأدوات بيد القوى الدولية، في الوقت الذين يتعاملون أو يجاهدون للتعامل مع القوى الدولية ذاتها لإبعادهم عن الحراك الكردي، والاحتفاظ بالسلطة.
2- كما وقاموا بنشر الدعاية من العمق الكردي في العمق الكردي، لإقناع البعض منا قبل الأخرين على أن مطالبنا بالفيدرالية ذات الجغرافية الواحدة، والممتدة حتى البحر، كان خطأ وقع فيه الكرد، أو هناك من دفع بهم على إعلانها، وبالفعل قدم البعض تحليلات سياسية ساذجة، متهما الأطراف التي حاولت إقناع الدول الكبرى بأن مصالحهما تتطلب فيدرالية بحدود على البحر، حيث المد الجغرافي الكردستاني التاريخي، أتهمهم بالضحالة السياسية، وإعطاءهم المبرر للعدو بضرب الكرد، وفي الواقع لو كان على خلفية دبلوماسية معاصرة، لأدرك أن ما نشرته القوى الكبرى، ليس بسر، بل كان المشروع الذي تم تداوله بين روسيا وأمريكا، ونوقش مع القوى المعنية بالقضية السورية ومن ضمنهم تركيا، كما ولا يعلم أن المشروع قدمته القوى الكبرى أمريكا وروسيا في السنوات الأولى من الصراع السوري، وأجرينا حوارات ونقاشات مع اللجان المعنية في الدولتين وغيرها حتى قبل الصراع السوري بسنوات، لكن الكرد الذين يعطون المبرر للأعداء بالاعتداء على جنوب غرب كردستان تحت هذه الحجة، لا يمكن وصفهم إلى بالسذاجة، أو محاولة المخادعة العكسية للتحايل، باتهام الحراك الكردي من جهة، وإعطاء التبرير للأعداء من جهة أخرى، تحت غطاء عرض جمل منمقة قومية تم فيها مهاجمة العدو بلكنة دبلوماسية كقوله، نحن المذنبون فيما يفعله أعداؤنا الشريرون بنا!
لم يعد غريبا أن أغلبية الحزبيين المخضرمين لا يزالون يتجولون في ساحة المفاهيم الحزبية، يتناولون التحليلات السياسية على الخلفيات التي كانت دارجة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كما ورغم استخدامهم اليومي للإنترنيت، لا يدركون أنهم يسيرون على قشورها، يرون بدون معرفة ما بلغته قوة النت، وما لها من تأثير على الإعلام العالمي وبالتالي على العلاقات الدولية، والتعاملات الدبلوماسية، ومدى ما تطبق على الخطط العسكرية، ولا يدركون أن الإستراتيجيات العالمية أصبحت تسير في أبعاد مغايرة تماما للعقود الماضية، لذا علينا ألا نتوقع أن أخطاؤنا هي التي تسمح للأعداء بالتمادي، بل عدم إدراكنا لأساليب الأعداء العصرية، وخباثتهم بحضنا على فعل الأخطاء ذاتها، وبأوجه مختلفة، هي التي تجعلنا مذنبون لمطالبتنا بحقوقنا أمام الأعداء، ومن المؤلم أننا اليوم مثل البارحة لا ندرك ما يخططون له، فنظل وبنفس السذاجة نتهم بعضنا ونبرأ الأعداء.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]