مراحل التمدد العربي في جغرافية جنوب غرب كردستان - الجزء الثالث
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6364 -#29-09-2019# - 00:29
المحور: القضية الكردية
نحن لا نتحدث فقط عن الخدع التي مررتها الأنظمة العربية الإسلامية والعروبية المتتالية بجعل الغزوات فتوحات، والاحتلال منة وطنية، والتي يغطي عليها بعض الكتاب من الأخوة العرب المنوهين إليهم والمعنيين بالأمر، بل عن محاولات تعتيمهم على جرائم سلطاتهم بعباءة القوانين والدستور، والاستيطان العربي بالبعد الوطني، وبالمقابل إظهار مطالب الكرد لحقوقهم القومية نزعة عنصرية وخروج عن القانون، ومحاولات تصعيدها إلى خانة الإرهاب وخيانة الوطن. أي أننا نطالبهم بقليل من المصداقية، والمساهمة على تعرية الكارثة الثقافية الفكرية الممنهجة السائدة في أوطاننا، ومحاولة وضع حد لها، وإنقاذ ذاتهم قبل الشريحة المغرورة بها من العتمة الثقافية التي رسختها فيهم الأنظمة الشمولية، والاستيقاظ على الحقائق.
فعليهم أن يدركوا أنهم على المنهجية التي يتناولون فيها القضية الكردية، يخلقون عداوة بين الشعبين الكردي والعربي، وأن تبريراتهم لتمدد المكون العربي نحو المناطق الكردية على مدى القرون وتغطيتهم لبرامج التعريب والاستيطان منذ بداية القرن الماضي وحتى اليوم يبتذلون ثقافة الأمة الإسلامية والعلاقات الإنسانية بين الشعوب. فالغاية من بناء مستوطنات الغمريين لا يمكن أن تغطى بالعلاقات الوطنية، فكم سيكون منطقيا لو ذكروا على أن السلطات البعثية والأسدية يطبقون التكتيك الذي وضعه محمد طلب هلال ضابط الأمن، المنوه إليه سابقا، المتصاعد إلى مستوى وزير الداخلية والمشهور لديهم كبعثي قيادي، بكراسه الغني عن التعريف وبنودها العنصرية الأكثر من واضحة تجاه الشعب الكردي، المكتوب بتاريخ #12-01-1963#م، والذي تم مناقشته في المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث عام 1966 م، ولم يوضع كبند مصادق عليه ضمن المؤتمر، وقالوا أن تطبيقه بكل حذافيره، بشكل سري وعلى مدى عقود بعد المؤتمر تحمل أبعاد عنصرية تدمر العلاقات الوطنية بين الشعبين الكوردي والعربي.
ولربما كانوا سيحصلون على تقدير من المجتمع الكوردستاني عامة لو تجرأوا وقالوا إنها كانت دراسة ذات أبعاد عنصرية عروبية، وهم يدركون أن محورها: اعتبار الكورد في المحافظة مهاجرين من تركيا ولا يحملون الروح الوطنية وولائهم لكوردستان، ولذلك يجب القضاء عليهم ديمغرافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وقدم هلال لكل مقترح من هذه المقترحات بنود خاصة بها، ولكن ومن المؤسف وبعكس المطلوب ليس فقط يتعامون عنها الأخوة الكتاب المعنيين، حملة راية الوطنية السورية العربية، بل يبررونها بمفاهيم أكثر من ساذجة.
وعلى خلفية سياسة البعث، ومفاهيم ثلة من المعارضة الفاشلة، تظهر جل كتابات وفيديوهات هؤلاء للتغطية على ما جلبته روادهم من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية من المفاهيم العنصرية إلى المنطقة تحت الشعارات القومية، وطبقوها على الكرد بأساليب تتلاءم والعصر، ولا تتعارض والقوانين الدولية، مثل جريمة المرسوم الجمهوري رقم (49) المذكور سابقاً الصادر على أنه حماية للحدود، حيث كتب فيه العديد من الباحثين الكرد والعرب الوطنيين وبمصداقية، وتحت الحجة المذكورة تم تدمير البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمنطقة بشكل كارثي، وخلق شرخا رهيبا بين المجتمعين الكردي والعربي في المنطقة، ونتج عنه هجرة واسعة للكرد من مناطقهم نحو المدن السورية الكبرى، وعلى أثره تشكلت منهم مخيمات منبوذة من السلطات سادها العوز والفقر، زالت على خلفية الحرب الدائرة في سوريا.
فما يجري وعلى مدى قرن كامل، وأصبحت واضحة لمعظم الباحثين في تاريخ المنطقة، أن السلطات العربية تعيد تجارب بعضها، فخلال المسيرة الزمنية الفارقة بين التمدد أو الاحتلال العربي الأول منذ العصر الأموي، الذي تم فيها تغيير السلطة الإسلامية العربية إلى سلطة عربية بامتياز، مع بدايات تعريب الدواوين والعملة، برأي من الحجاج بن يوسف الثقفي، وفيما بعد فرض اللغة العربية على المجالس والإدارات، على أنها لغة الدين والجنة، اكتملت مسيرة التعريب مع نهاية العصر الأموي، وبدأت مرحلة الاستعراب بين شعوب المنطقة في العصر العباسي الأول.
والجاري في المنطقة الكردية، منذ بداية الثلاثينات وحتى توطين الغمريين في المناطق الكردية، امتداد لمنهج أسلافهم ذاته، حتى ولو اختلفت العصور والطرق. فخلال مسيرة الاستعراب الطويلة، تشربت شريحة واسعة من أبناء سوريا الأصليين؛ أو في المناطق الأخرى التي تم احتلالها من قبل العنصر العربي وبعمق الثقافة العربية الإسلامية المفروضة عليهم، بعدما حصرت مراكز العبادة والتعليم للشعوب المحتلة، فيقول البلاذري، عن معاملة قائد حملة احتلال الجزيرة وشمال كردستان، عياض بن غنم، لمراكز عبادة أهل الرقة والمدن الكردية الأخرى كالرها ونصيبين ورأس العين وغيرها، في كتابه فتوح البلدان الصفحة 147 أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم لا تخرب ولا تسكن إذا أعطوا الجزية التي عليهم ولم يحدثوا مغيلة وعلى ألا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا يظهروا ناقوساً ولا باعوثاً ولا صليباً وبعد مرور 14 قرنا ونيف ظهر مثيله، فكان المرسوم الجمهوري رقم 49 عام 2008م فسادت المناطق الكردية الخراب والدمار بمثل ما تم حينها.
وبعد القرون العديدة من الاستعراب والتعريب وتخاذل الكنسية في هذا المجال، استغلت الأنظمة العروبية في العقود الماضية بخباثة شرائح واسعة من السريان والأراميين ونسبة غير قليلة من الكرد، ونسبة هائلة من الأمازيغ والقبط وغيرهم من المستعربين المحتلين عربيا إسلاميا، لتغيير وجوه الأوطان، وانتماءاتهم لماهية شعوبهم، وطعنت في الانتماءات القومية، كانت قبلها قد أذابت لغاتهم تحت رحمة لغة القرآن، لغة السلطات الإسلامية العربية، وللأسف ساهمت الكنسية في مصر وبلاد الشام في هذه الجريمة القومية-التاريخية، بتخاذلهما الحفاظ على لغاتهم وخصوصيات قومياتهم، علما أنه تم مثل هذا التعامل مع الفرس والكرد والأفغان وغيرهم ولكنهم لم يخسروا هوياتهم ولا لغاتهم. وغطت الأنظمة العربية تحت هذا التغيير مراحل عديدة من التمدد الديمغرافي العربي نحو جغرافيات الشعوب المذابة أو المستضعفة، ومن ضمنهم جغرافية كردستان وتمازغا، وفرضت عليهم الثقافة العربية أو الإسلامية العربية.
فالاجتياح ومن ثم التمدد والاستيطان الديمغرافي العربي في منطقة الجزيرة السورية، ليست وليدة العصر، بل بدأت يوم وقفت في السنة الثامنة عشرة من الهجرة القوات العربية الإسلامية بقيادة عياض بن غنم على أسوار مدينة (كالينيكوس) الاسم الأخير لمدينة (الرقة) قبل أن يطلق عليها المسلمون العرب بعد الغزو أسمها الحالي، ولم تكن لها حماية عسكرية، فقد كانت تعيش الحضارة والأمان، وجل سكانها كانوا من الكرد والشعوب السورية الأخرى، ودياناتهم كانت المسيحية والزرادشتية واليهودية والمانوية، تسودهم الثقافة الإنسانية، فحاول البعض منهم الدفاع عن ذاتهم وعن مدينتهم، بعدما بلغت مسامعهم بشائع جحافل القبائل العربية الإسلامية، حيث القتل والسبي والسلب، فقامت مجموعات برمي الحجارة من فوق السور، ولم تجد نفعا وتم احتلالها وسبي النساء وفرضت الجزية، وانتزعت منهم أراضيهم وممتلكاتهم، ولا شك هذا هو منطق المحتل القوي، فيقول الطبري في كتابه الكامل في التاريخ الجزء الثاني357 .. إنا أبا عبيدة لما توفي استخلف عياضاً فورد عليه كتاب عمر بولايته حمص وقنسرين والجزيرة، فسار إلى الجزيرة سنة ثماني عشرة للنصف من شعبان في خمسة آلاف، ... فانتهت طليعة عياض إلى الرقة، فأغاروا على الفلاحين وحصروا المدينة، وبث عياض السرايا فأتوه بالأسرى والأطعمة، وكان حصرها ستة أيام، فطلب أهلها الصلح، فصالحهم على أنفسهم وذراريهم وأموالهم ومدينتهم، وقال عياض: الأرض لنا وقد وطئناها وملكناها، فأقرها في أيديهم على الخراج ووضع الجزيرة... وقيل : بعد وفاة عياض بن غنم ومرور عقدين من الزمن على احتلال الرقة والمدن الأخرى من الجزيرة طلبت بعض الكتائب العربية الحامية للرقة من الخليفة عمر بن الخطاب السكن في الأراض التي امتلكوها في عهد عياض، ويقال أن مسيرة استيلاء القبائل العربية ومجموعات من الجنود الغازية أصبحت متداولة فيما بعد، أي في عهد عثمان، فيقول البلاذري في كتابه فتوح البلدان الصفحة 151 من طبعة .. لما ولى معاوية الشام والجزيرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه أمره أن ينزل العرب بمواضع نائية عن المدن والقرى ويأذن لهم في اعتمال الأرضين التي لا حق فيها لأحد....
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]