أهي ناقصة أن تكون أحزابنا عديدة وكردية؟ - الجزء الخامس
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6347 - #10-09-2019# - 10:49
المحور: القضية الكردية
من أخطاء الحراك الكردستاني في جنوب غربي كردستان:
لا بد من تحريك الأحزاب الكردية على كثرة عددهم، وتكليفهم مثل أية جمعية بمهمة تفيد المجتمع، كمنافسة لإدارات الأنظمة المحتلة، فمعظمها ثانوية بشكل أو أخر، تتبع أحد القوى الكردستانية الرئيسة لمصلحة أو من حيث المنهجية، وهي تنضم بسهولة إلى النشاطات القومية العامة المقامة من قبل الأحزاب الرئيسة المدعومة.
لا شك أن التشتت وكثرة الأحزاب في السابق كانت ورائها المربعات الأمنية، وبها تمكنت من أضعاف الإمكانيات الكردية، إعلاميا وسياسيا وتنظيميا على مدى عقود طويلة، فخلال نصف قرن من نضالها لم تتجاوز بوتقتها التنظيمية الكلاسيكية المرسومة لها، ولم تستطع الانتقال إلى حراك مؤسساتي، ولم تتعلم نوعية الإدارة، وظلت إعلامها محصورة بجريدة نصف شهرية واحيانا شهرية وبصفحات ثلاث أو أربع، وكانت جلها تمر تحت المراقبة الأمنية، لذلك كانت تأثيراتها هزيلة على وعي المجتمع، وكانت السلطات الشمولية تتحكم بهذه الضحالة، مثلما كانت تهندس معظم الخلافات والانشقاقات، وخاصة في مراحل الصراع وتثبيت الهوية المنسوخة بأبعادها العربية بعد المراحل الأولى من الاستعمار، واستمرت إلى السنوات الأولى من مرحلة الصراع السوري.
ومن الغرابة، وبعدما خفت هيمنة الأنظمة الغاصبة، بدأت أطراف من الحراك الكردستاني يلعب دوراً مماثلا في التشتت، وتكاثرها، وإضعافها، إلى درجة أصبحت القوى الكردستانية تتنافس بين بعضها في خلق المزيد من الأحزاب أو استقطابهم، والأهداف منها أكثر من ساذجة، إظهار قوتها بين المجتمع، في الوقت الذي يقضون فيه على الإمكانيات الموجودة، ليس في تشكيل الأحزاب بل في عدم معرفة كيفية تسخيرهم، وتنظيمهم، مع ضحالة الإمكانيات المادية لإداء أبسط الخدمات، كما ويتعاملون بمثلها مع الحراك الثقافي، الذي تم تشتيته على مبدأ الانتماء إلى جهة دون أخرى، أو للحصول على بعض الخدمات أو التغطية الإعلامية. أي بإمكاننا أن نقول إن الأطراف الكردستانية المتمكنة تقوم اليوم في جنوب غربي كردستان، إما عن جهالة أو رضوخا لإملاءات خارجية، بدور يشبه ما كانت تقوم به الأنظمة المحتلة لكردستان في السابق.
الشعب العربي أم السلطات العروبية :
الشمولية والتعميم في الذم كما في المدح ناقصة فكرية، وهي تعكس الجهالة وقلة المعرفة، فحتى لو كانت مبنية على رد فعل فهي مرفوضة، إن كانت موجهة لأمة أو لشعب أو لدين أو مذهب، وهي من الأخطاء الكبيرة. درجت العاهة الفكرية هذه منذ القديم بين الشعوب، بعضها أصبحت كأمثلة يتناولها العامة في أحاديثهم اليومية، وفي معظم الحالات كانت ورائها أنظمة وقوى سياسية، لتمرير غايات، والأمثلة عديدة، لسنا هنا بصدد تذكير البعض لما يقوله الأتراك بحق العرب، أو العكس، أو ما يردده الروس عن الأتراك، أو الأتراك والعرب والفرس بحق الكرد، والثقافة ذاتها انتشرت بيننا ككورد، وتم تداولها كرد فعل قبل أن يكون تهجما، ونحن في مركز الضعف بين شعوب استخدمت أنظمتها أبشع الأساليب للقضاء علينا، وسخرت شرائح متنوعة لهذه القضية.
فبينما كانت تلك السلطات تهاجم الأمة الكردية من مبدأ إذابتهم، وتدفع بالشريحة المجندة وفي مقدمتهم شخصيات معروفة لوصف الكرد بتعابير دونية، كان رد الفعل الكردي، في بعضه، حاملا التوصيف الشمولي في ذم أعداءه من منطق الدفاع عن الذات، وفي الحالتين استفادت الأنظمة المحتلة لكردستان، وحققت الكثير من مأربها، وعلى عتباتها خلق شرخ يكاد لا يدمل بين شعوب المنطقة والكرد.
وما يجري على الساحة الإعلامية اليوم، حيث صدور المصطلحات التهكمية المبتذلة، والتهجم على الكورد مع السخرية، مع ذمهم واتهامهم بالشمولية، من قبل البعض من مثقفي العرب، من منطق الإخوة في الدين أو الوطنية، والعيش المشترك، لا يمكن أن تغطي على أحقادهم المتراكمة، فالدعوة إلى عدم تجريم الشعب العربي تحت مظلة مظالم سلطاتهم، منطقية ولا شك في عدالتها، ولكن متى تجاوز المطلب الإنساني هذا، مساحاتهم الفكرية، حتى تظهر خلفيات الثقافة المترسخة فيهم والتي يستندون عليها، والتي تحول المطلب أو الذم أو العتب إلى التهجم على الشعب الكردي، وللتغطية على الصور النمطية المترسخة في أدمغتهم ولا شعورهم، يتناولون أسماء مثقفين أو أدباء كرد أو أحزاب من ضمن الحراك الكردي، إلا أن ما ينشرونه من مفاهيم تعري الهدف والخلفية الفكرية، وهم على داريه أن طرح مثل هذه المفاهيم يحتاج في البدء إلى تنقية الذات من الغايات الحقدية، وتقدير الشعب الكردي، كالاعتراف بحقوقه القومية دون مواربة، وعدم التحايل على التاريخ.
ففي هذه المرحلة وعلى خلفية عرضنا كحراك كردي النظام البديل لسوريا القادمة، بعدما فشلت المعارضة والسلطة فيها، حاولت الأطراف المعنية في مقالنا هذا، إيجاد التبريرات لهذه الموجة العدائية، فبدأوا بتطبيق مبدأ الهجوم بصيغة الدفاع، واتهمونا كشعب، على أن أغلبيتنا ينعت الشعب العربي بكليته، والأمة العربية، ويطعنون في الوطنية، وبشمولية، علما أن الكورد، وحراكه، بناءً على الخلفية الدينية وتقدير التعايش المشترك على مدى قرون، يدركون أكثر بكثير من المذمين والمهاجمين، أن ما ينطبق على الأنظمة لا يجوز تسييرها على أمة بكاملها، وأن لهذا المنطق عند الكورد دعائمه، واسناداته، فالتعميم والشمولية تعكسان ثقافة مرفوضة، لأننا عانينا المرارة على مدى عقود طويلة من السلطات وبكل الأبعاد.
ولم يعد غريبا إن أغلب الذين يرددون المقولة، لا يطبقونها على ذاتهم، وكانوا حتى قبل سنة ولا يزالون يهاجمون الأمة الكردية بكليتها، كما وهم حتى اللحظة ينفون حق الشعب الكوردي التاريخي بأرضه، ويبررون لشخصيات عروبية دونية النيل من الكرد وبأقذر الكلمات، تحت حجة أنهم لا يمثلون الشعب العربي، في الوقت الذي يدعمون دورهم في المعارضة. فالثقافة التي نشرتها وغرزتها الأنظمة العروبية في مجتمعاتنا هي الملامة، وأكثر المتأثرين بها هم الذين ساندوها، وتخرجوا من مراكزها الفكرية والثقافية، ويؤمنون بها حتى اللحظة بشكل أو أخر.
لهذا نحث المقتدر قبل المطعون في قضيته، التحرر من أوبئة تلك الثقافة، لتظهر مصداقية نبذ الشمولية في التهجم، وتترك الأساليب الملتوية للطعن في الشعوب الأخرى، والتخلص من منطق ابتذال أمم الأخرين لحقد سياسي أو لغاية إظهار الذات. فالتعميم عاهة نفسية تأثيراتها كارثية، ولا استثناء في هذا. المقصود هنا السلطات العربية والتركية والفارسية، والشرائح المجندة من قبلهم، التخلص من آفاتهم الثقافية، لأنها ستقضي عليهم عاجلا أم أجلا، قبل أن تؤثر على الشعوب المحتلة جغرافياتهم، كالكورد والأمازيغ والقبط وغيرهم.[1]