أهي ناقصة أن تكون أحزابنا عديدة وكردية؟ - الجزء الثالث
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6337 - #31-08-2019# - 11:14
المحور: القضية الكردية
وبالمقابل عندما بدأ العالم يتلمس دور الكرد وخدماتهم في مواجهة الإرهاب، وبثت إعلامهم معلومات صحيحة عن واقعنا ومعاناتنا مع الأنظمة المحتلة على مدى العقود الطويلة الماضية، وقضايا التمييز العنصري العرقي بحقنا، وتبينت لهم وللمنظمات الإنسانية القهر الديني والمذهبي والقومي الذي تمارسه هذه الأنظمة في الجغرافية المسماة جدلا بالوطن، بدأوا يتحدثون بشكل علني عن مجريات التعامل في الوطنين، العربي والعربي السوري، وقدموا خدمات للكرد، وساندوهم للحصول على بعض المكتسبات التي كانت حتى سنوات قليلة ماضية التحدث فيها جريمة، بل وكنا نراها شبه مستحيلة.
وبعد إعادة الدول الكبرى النظر في بعض مواقفها المبنية على مصالحها، على خلفية جرائم المربعات الأمنية المتصاعدة بحق الشعوب العديدة المحتلة عربياً، وفي مقدمتهم الكرد والأمازيغ والقبط والسريان والأشوريين، وغيرهم، وأخرها ما قامت به حكومة الجزائر بحق الناشطين الأمازيغ وزجهم في السجون لمجرد رفعهم للعلم الأمازيغي في مسيرات المعارضة، والتي هي واحدة من بين المئات من المواقف العنصرية المتصاعدة في السنوات الماضية الجارية ضد الكرد في سوريا من قبل طرفي النزاع، مرافقة مع الشعارات الوطنية المتعالية، تأكدت أنه من الصعب لهذه الشعوب العيش بشراكة تحت هيمنة السلطات الشمولية في الوطن الواحد بدون نظام لا مركزي فيدرالي.
فعلى خلفية التغيرات الجارية، نأمل من الحراك الثقافي السياسي العربي، مواجهة الواقع، وتوضيح خلفيات التشدق المتصاعد نحو الوطنية، لإزالة الفروقات في الطروحات والمفاهيم بينهم وبين الحراك الكردي وحركات الشعوب الأخرى. فما لا لم ينظروا إلى الأمر من الجانب الأخر، ويقبلوا بالنظام اللا مركزي الفيدرالي ضمن الوطن الواحد، ويقتنعوا أن معظم السياسيين أو المثقفين أو الإعلاميين العرب حتى اللحظة يرفضون الوطنية التي لا تحمل الدمغة والصفة العربية، فلا وطن يجمعهم والكرد بدونها، والوطن الجدلي الشامل ل 22 دولة سياسية لا يمكن تسميتها بالأوطان دون صبغتيهما، ولن يكون حاضن للكرد أو الأمازيغ أو القبط أو السريان إذا لم يكن عربيا إسلاميا سنيا.
فلا سوريا ستكون وطن للجميع بدون أن تحتضن الجمهورية السورية الكلمة العربية، ولن يكون هناك دستورا إذا لم تكن البنود المتعلقة باسم الدولة أو تحديد رئيس الجمهورية موصوفة بها، أي أن الرئيس يجب أن يكون من مواطني الجمهورية العربية السورية، والناخبين من مواطني الدولة العربية، والكل تابع للجامعة العربية، يشملهم الوطن العربي، وكل من يرفضها ليس بوطني، فلا حرج لدى هؤلاء الوطنيون الجدد أن يكون الرئيس أو الناخب كرديا أو أمازيغيا أو قبطيا أو سريانيا، شريطة أن يكون مستعرباً ومسلما سنيا، فالوطن يجمعنا تحت راية العروبة والدستور العربي، مثلما هي في تركيا يحق للكل أن يكون رئيسا أو برلمانيا شريطة أن يكون مستتركا جملة وتفصيلا كأردوغان ورئيس وزراءه والعديد من الوزراء.
كردية الأحزاب:
القوميون العرب، هم أول من نبهوا الكرد إلى إلصاق الصفة القومية بأسماء أحزابهم، وهم أخر من تنبه إلى أن الأحزاب الوطنية ليست بخلوها من أسماء شعوبها، بل في المناهج التي تبنى عليها، وما تبثه بين شعوبها، وكانت أحزابهم التي تبوأت السلطات، تفتخر بعروبتها، وعداءها للشعوب الأخرى، ولم تقبل يوما شريكا غير العربي أو المستعرب في حكوماتها، ويلاحظ ديمومة هذا النهج بين شرائح المعارضة المستميتة على السلطة. وأول من يجب أن يلام على هذا الانزياح عن الوطنية هي القوى السياسية العربية وشريحة واسعة من حراكهم الثقافي، وبالإمكان جر العشرات من الأمثلة على هذه الحقيقة في الواقعين النظري والعملي، ولا يتوقع أن تكون هذه الجدلية الباهرة غير معروفة في الشارع العربي.
وكما نوهنا في البداية، أن من أبسط مهام الأحزاب (الكردية) هي الحفاظ على الهوية القومية بكل السلب ومنها ترسيخ كلمة الكرد أو الكردية خلف أسماءها، مقابل طغيان التعريب أو الاستعراب بلغة الإسلام السياسي، والتي أذابت أغلبية الشعوب السورية واللبنانية وقسم واسع من الأمازيغ والقبط، وشريحة غير قليلة من الكرد، وحاولت السلطات الشمولية بكل الوسائل طمسها هذه الحقيقة.
فمؤامرات القضاء على هوية جنوب غربي كردستان لها تاريخ طويل، فرزت لها مؤسسات علمية وسياسية وأمنية متعددة التخصصات، كتوظيفهم العديد من الباحثين لتحريف التاريخ الكردي، ومجموعات كانت مهمتها نقل الصراع ما بين السلطات والحراك الكردي إلى الصراع بين الحراك الثقافي العربي والكردي، واليوم يودون نقلها بين الشعبين.
والأغرب، في العقود الأخيرة تم تجنيد شريحة مهمتها خلق حلقات الصراع بين الشعوب السورية الأخرى كالسريان والأشوريين، المهضومة حقوقها، وبين الكرد، أو إقناع بعض البسطاء أو المستعربين من هذه الشعوب العريقة إلى جانبهم لمعاداتهم الكرد، وفي الفترة الأخيرة تنشطت الشريحة ضمن هذا الوسط، إعلاميا وسياسيا، فتمكنوا إلى حد ما من تغيير مفاهيم البعض منهم، بينهم اليوم شخصيات ضمن الائتلاف الوطني السوري ومنهم في السلطة، فتناسى هؤلاء أو نسوا أن عدوهم القومي والديني والذي دمر ويدمر ثقافتهم، وأذابت تقريبا لغاتهم ومنها لغة المسيح، هي نفس السلطات التي تغتصب اليوم أرض كردستان.
فلئلا ينجحوا في مشاريعهم هذه ضد الشعب الكردي كان على الأحزاب الكردية إرفاق أسم الأمة والقومية بها، كتذكير ومواجهة للهجمات العنصرية وليس لمنهج عنصري.
تتغاضى الشريحة العروبية المختفية تحت عباءة الوطنية، جملة من الإشكاليات، منها:
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@mail.com
[1]