الدِيانة الأيزيديةَ وفَلسَفة الطَبيعة / ج2
غازي نَزام
الحاقاً بالجزء الاول من مَقالنا المؤَرخ في #22-02-2024# حَول الديانة الأيزيدية وَفَلسفة الَطبيعة بعناصرها الأربع( الماء – الهواء – النار – التُراب ) وظهورها الواضح في فَلسَفَتهم وطقوسهم الدينية . أود الأشارة الى تَفاصيل أَكثر حَول هذا المَوضوع من خلال فلاسِفة الطَبيعة الأَغريق التي بدأتُ بالأشهر مِنهم وهو الفيلسوف ( أَمبيدوكلس ) وكَذلك من خلال المُقارَنة مع ثقافات أُخرى كالثقافة الأيرانية القديمة والهندية والبوذية والزَردَشتية بَعد أَن أَشرنا بشكل مُبَسَط في الجزء الأَول الى ثقافات وادي الرافدين ( ميزوبوتاميا ) ومقارَنَتها بالنصوص الدينية الأيزيدية الشفاهية التي تَعكس ثقافة وميثولوجيا هذا الدين بشكل واضح ، رَغم أن مَوضوع المَقال طَويل وشائك قَد لايُغطيهِ مَقال أَو مَقالين أًَو ربما عَدد من المَصادر والكُتب ،رغم ذلك سَوف أُحاول أَن أَبذل قُصارى جهدي لأوَضْح للمُتَلقي الكَريم والقارىء المُتَتَبع لِدراسة الأديان ومنهم الديانة الأيزيدية مَدى العِلاقة الواضِحة بين الطَبيعة وهذه الديانة .دون أَن أَشيرالى الجَوانب الميثولوجية الأَخرى المقَدسة في الديانة الأيزيدية كالتَصَوف واللاهوت والأسرار الدينية التي يَتَبَناها رِجال الدين و ( القوالون والفقراء والمتزهدين ) وكل مَن لهُ أَفكار دينية تَتَعلق بالميتافيزيقيا المُقدس التي تَتصل بالله والخالق والأسرار الألهية والمَوت والحياة وَما الى ذلك من أَفكار لكونها خارج أهتماماتي وَأختصاصي وَلستُ ضالعاً بها . ورُبما يَصعَب على رجال الدين تفسير العلاقة بين الطبيعة والدين لكونها خارج أختصاصِهم أَو قد لم يدرسوه من الجانب العلمي ولم يبحثوا فيه . وعَن العِلاقة الوَطيدة والواضحَة بين عَدد غير قليل من النصوص الدينية الشفاهية الأيزيدية والطَبيعة أَشير الى ماجاء بها فلاسفة ( ميلي )* وَهم كل من ( طاليس – أناكسيمندر – أَناكسيمينس ) أضافة الى ماء جاءَ بها مُنظر العناصر الطَبيعية الأَشهر ( أَمبيدوكلس ) حيث تساءلوا هؤلاء عَن التَغيرات المَرئية داخل الطَبيعة ويحاولون. صَياغة بعض القَوانين الطبيعية الأَبَدية ،ويُريدون أَن يَفهَموا الأَحداث التي تَحصل في الطَبيعة دون العَودة الى الأَساطير التي كان يَعرفونها ،ودراسة الطَبيعة نَفسها لفهَم كل الظَواهر الطَبيعية بشكل أَفضَل وذلك شيء مُختلف عَن جَعل الألهة مسؤولة عَن حدوث العاصِفة والمَطر (1) وهذا قَد لايَتَطابق مع رَغَبات وأَفكار جميع رجال الدين ومنهم الأيزيدية ،لكونها تخالف الشرع والمُقَدس وقُدرة الخالق على أدارة الكَون بِحسب فهمهم للدين أَو لِمحدودية أدراكهم العلمي ،أَو لِعَدم رَغبتهم في معرفة ذلك أًَو أهمالهم لها أَو ربما لاتَتطابق مع مَصالحهم وأَهوائهم . فَكان طاليس على سَبيل المثال يَعتَقد أن الماء هو أَساس كل الكائنات ،وكل شيء يَعود الى الماء . رَغم أن الأَمثلة التي أَوردها طاليس في أَبحاثهِ حَول المَوضوع وكتاباتهِ قَد تَكون مُبهَمة أَو غَير واضحة ،أَو قَد لايَفهَم قَصدهُ ،ويمكننا أَن نأخذ الأَهم وهو تأكيدَهُ على أَن الماء هو الأَصْل . أَما الفيلسوف أَناكسيمندر يقول إِن كل شيء يُخلق يَجب أَن يَختلف عن خالقهِ ، ويَقول أن عالمنا هو واحد من عَوالم كثيرة كان يُرى ثم تختفي فيما يُسميهِ ( المُطلق – اللامحدود) .
والفيلسوف الثالث ( أَناكسيمينس 570-526 ق.م ) كان يرى أَن الهَواء والضَباب هُما أَصل الأَشياء ويرى أن الماء هو هَواء مُرَكز ،فَنَحن نرى أن الماء يَخرج من الهَواء عندما تَمطر ، وأن المَسافة التي تَصل التُربة بالنَبتة ليسَت بَعيدة ،وربما أعتَقَدَ أن الماء والهواء والتُراب والنار هي أَساس الخَلق (2) وَعَن أَهمية الهَواء في النصوص الدينية الأيزيدية جاء في نص حَول أَشهر السَنة ( قه ولى مّه ها )
الفقرة :- 4
به دشى من دور مه كانه
لباوى وه يه عه يانه
وى خولقاندبو عه ردو عه زمانا
المعنى
الرَب مكانَهُ الدُرَّة ( الذزة )
وهو يَعلم بذلك
وهو خالق الأَرض والسَماء
الفقرة :- 8
به دشي من ل به ر حوكمي خويي ره وايه
ئه وي ده شت چيكر روكوبانده سه ر چيايه
كه ونا في دونيايى بايه
المعنى
شرع الأله أَحكامَهُ بالحَق
هو الذي خلق اليابسة والجِبال
وأَصل هذهِ الدنيا والكَون هو الهَواء (3)
وعَن الماء العنصر الأَهم في الكون والطبيعة جاء في النص الديني الشَفاهي الأيزيدي نص ( الناسك المُتَزَهد ). قه ولي زه بونى مه كسور
الفقرة :-21
ئاف ژدورى وه ريا
بوه به حرو په نگيا
په دشى من مه ركه ب به ست ودناڤدا دگه ريا
المعنى :-
جرى الماء من الدُرَّة ( الذرة ) **
وأنحسر وشكل بها البِحار
جَهَز إِلهي مركباً وبَحرَ بهِ
وَعَن الأَرض جاءت في النَص نَفسَهُ الفَقَرة :- 28
عه رد مابو يى به هتى
خدوده كى خه دتى
عه زيزى من عه رد بى وى سورى ناته پتى
المعنى :-
لَقيَت الأَرض مَرعوبة
ثُمَ تَصَدَعَت
قالَ لهُ ياعَزيزي لاتَستقر الأَرض بدون السُر الألهى
الفقرة :- 32
كوكنيات پى زّ ينى
چار قسمه ت تى هنجنى
بايى و ئاف و ئاخ و ئاگرى
قالبى ئاده م بيغه مبر ى نزنئ
المعنى :-
حالما أزدانت بِها الكَون
أمتزجَت العناصر الأَربعة مع بَعضها
التُراب ، الماء ، الهَواء ، النار (4)
وَفي نفس الموضوع يَقول المؤَرخ الشهير ( حَسَن بيرنا ) عَن البارثيين أنهم يَعبدون العَناصر الطبيعية كالشمس والقمر والنجوم وذلك أَثناء معاشرتهم ومخالطتهم ( للسِك ) وهو قوم يَعيش في أيران القديمة ، وعندما أختلطوا بالفرس والميديين كانوا يعبدون أَهورامزدا . ولَما كانت عبادة الشمس والزُهرة ( أناهيد ) شائعة في أيران فقد دَخلت عبادتها ضمن المعتقدات البارثية . وفي الزَردَشتية هناك مسُاعدين للآلهة ( أَهورمزدا ) كانت تُعرف باسم ( أَمش سينتان ) أَي القوة الخالدة ،وتَحمي كُل قوة من هذهِ القِوى المقدسة مخلوقات ( فَمَثلاً يُعتبر بَهمَن حامياً للنار ، وأَسفندار حامياً للأَرض ) وَكذلك هناك كائنات مُجرَدة تُعرَف ب ( اليَزتات ) أَو الآلهة ( يه زت ها ) *** وتُقسم هذه اليَزتات الى قسمين أَو طَبَقتين ، أَرضية وسَماوية ويأتي هورمزد أَو أَهورامَزدا على رأس الطَبَقة السَماوية ، وأَعظم اليَزتات الأَرضية هو ( زَردَشت ) ويَحمي كل إِله من هذهِ الآلهات شيئاً كذلك ،فالشمس والقمر والنجوم والماء والنار والتُراب والريح . (5)،وهو مايَتَطابق مع مايذهب اليه الميثولوجيا الأيزيدية الى حَد كبير في تَقديس والأهتمام بهذه القوى والعَناصر . أَما مُفَسر ( ريك فيدا أَو ريغ فيدا ) الهندي الأَصل ( ألبرت شري رام شَرما ) فيذكر في مُقَدمَتهِ أسما الألهم التي جاء ذكرها في (ريك فيدا )فَبلغ أَكثر من مائة وخَمسون الهاً منها على سبيل المثال لا الحَصر :-
آغيني —- اله النار
فايو —- اله الهَواء
آرونا —- اله السماء
سورَيا — اله الشمس ( 6)
وَعَن الديانة الڤيدية يقول ( وول ديورانت ) أنه أَقدم ديانة نَعرفها عَن الهند ، تلك الدِيانة التي وجَدها الغُزاة الآرييون بين ( الناجا ) والتي لاتزال قائمة في الأَجناس البَشَرية البدائية التي نَراها هُنا وهُناك في ثَنايا شبه الجزيرة العظيمة ( شبه الجزيرة الهندية ) ،هي عِبادة روحانية طَوطَمية ،ولكنها لايخلوا عَن عبادة القِوى الطَبيعية موضوعة البَحث ،وأَقدم آلهه ذَكَرتها ( أَسفار فيدا ) هي القوى الطَبيعية نَفسها وَعناصرها الأَربعة ( السَماء ، والشمس ، ، الضوء ، الأَرض ، والنار ، والماء ، ) وكذلك الجنس ، وكان ديوس ( وهو زيوس عند اليونانيين ، وجوبيتر عند الرومان ) أَول الأَمر هو السماء نفسها ،ويعني مُقَدس باللغة السنسكريتية ، وأَدت هذه النزعة الشعرية التي أَباحَت لَهم أَن يخلقوا لأَنفسهم كل هذا العَدد من الآلهه الى تَشخيص العَناصر الطَبيعية ، فَمثلاً جَعلوا السَماء ( أَباً ) وأسموه ( ڤارونا ) وجَعلوا الأَرض ( أُماً ) وأطلقوا عَليهِ ( بريثيفي ) وكان النبات هو ثَمرة التقائهما بوساطة المَطَر . وكان المَطر هو الأله ( بارجانيا ) والنار هي ( آجني ) والريح كانت ( ڤايو ) وكانت العاصِفة هي ( آندرا ) والفجر هو ( أوشاش ) وَمجرى المِحراث في الحَقل كان أسمهُ ( سيتا ) والشمس ( سوريا ) أَو ( ميترا ) أَو ( فيشنو ) (7) وهو يَتطابق مع الميثولوجيا الأيزيدية كما هو واضح في النصوص والطقوس الدينية ، رَغم أن الديانة الهندية تَتَبنى في فلسفَتها الرئيسية مبدأ ( وَحدة الوجود ووحدة الشهود ) أَو خلود الروح و ( جَولان الروح ) أيضاً ،وهو واضح في جانب من الزهد والتَصوف التي يمارسها رِجال الدين الأيزيدية ،وهو فَصل آخر من فصول المُقدس الأيزيدي المُتَعَدد. وَعن الشمس والنور الذي هو ُركن أَساس من أَركان جميع الديانات الأَرضية والسَماوية ، يَقول الباحث والكاتب بروكا ، تقوم العِبادة اليومية الأيزيدية على ثلاث صَلوات رئيسية ( الأشراق – الظَهيرة – المغيب ) تُؤدي لجهة الشمس ،كما كان الميثرائيون يقيمون في السابق الصَلوات ذاتها . أذاً كانت الشمس في الديانة الأيزيدية تُشكل واحدة من أَقدم الظهورات التي كان يَتَبَدى فيها ( طاؤوسي ملك ) سَماوياً ،فأن النار والنور كتَبَديَتين مقَدستين هما العَناصر الأَفصح تَجَلياً وتَمثيلاً ، لروحهِ ولزَمانهِ وَمكانهِ أَرضياً . فالنار و ( نورها ) أيزيدياً ، تُقَدس لأَنها رَمز للشمس ( حيث طاووس ملك عَينها ورَبها ) ولأنها العنصر الأَساس من العَناصر الأَربعة التي تَشَكَلت مع ( التراب ، الماء ، الهَواء ) أَساساً لتكوين الخَلق (8) وهو واضح جداً في أَهم الأَدعية الأيزيدية وهو دُعاء الصَباح ( الكاتب ).وعَن عناصر الطَبيعة وعِلاقتها بالأعياد الأيزيدية يقول الكاتب الأستاذ حاجي عَلو عَن مراسيم عيد بيلندة الكَبير تُمارس الطقوس عند قدوم الفلاح مع حيواناتهِ من الحراثة وتُشعل النيران أَمام مَداخل البيوت ،ويسمي ( گوركا گاى / غَزارة الثور ) بمعني تبركة غزارة أنتاج الثور من الغلال ،وهناك مَن يَقول أن المَعنى هي النار والثور ،ويقول أَيضاً في الحالتين الدلالة واضحة لاشَك أن هذا العيد وهذهِ الممارسات هي عادات زَردَشتية خالِصة لَم يؤَثر فيها الزَمن بحجَة قدسية الزراعة المتَعَلقة بالأَرض وكذلك قدسية النار،(9) ،علماً أن قدسية العناصر الطبيعية التي وردَت في هذا المقال بجزأيه الأَول والثاني لاتَنحصر عِند الزردشتيين فقط فقَبلهم بأكثَر من ألف عام ( عشرة قرون ) كانت حضارة وادي الرافدين ووادي السند وأديان أيران القديمة التي سَبقَت زرادشت كانت تُقَدس هذه العَناصر ، كما أشرنا اليها في أَعلاّه من مَعلومات ،وهذا لايَعني مُطلقاً أن الأيزيدية بالضرورة أَخَذت القدسية من الديانة الزَردشتية ولكِنها شاركت الأديان القَديمة بذلك ،ولمن يريد المزيد من المَعلومات عَن علاقة الديانة الأيزيدية بالأديان القديمة مراجعة الطقوس الدينية الأُخرى خارج نطاق الطبيعة ( كالميتافيزيقيا – والأسطورة )ووحدة الوجود – ووحدة الشهود التي كانت تمارس في الهندوسية والبوذية والفيدية القديمة للمقارنة .
المَصادر والمَراجع :-
*مدينة يونانية قَديمة في بيريا مُقاطعة (فوريا أيلادا ) في اليونان
01عالم صوفي / رواية (شهيرة )حَول تاريخ الفَلسَفة /جوستيان كاردر / النَص العَربي بقلم / حياة الحويك /دار المثنى / ستوكهولم / ص 39
02المَصدر نَفسَه
03 د. جندي خليل / به رن ژئه ده بى دينى ئيزديان / صَفحات من الأَدب الديني الأيزيدي / مَطبعة سبيريز / دهوك / ص 282
**أصغر جزء في العنصر الكيمياوي ( أتوم بالأنكليزية والأغريقية )
04 باقسري عزالدين سَليم / مه ركه ﮪ /أصدارات مركز لالش الثقافي والأجتماعي / 2003 /ص 231
***يزتات أَو ( يزت ها) هو أسم ألهه من آلهات أيران القديمة ومنها جاءت كلمة ( يزدان – وَيزد -وأيزيد – وأيزيدا)
05 حَسَن بيرنا / تاريخ أيران القَديم حتى سقوط الدولة الساسانية /ص 229
06 د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي / فصول في أَديان الهند / دار النَجار للنَشر / المدينة المنورة / ط 1997 ص24
07 وول ديورانت / قصة الحضارة / الجزء الثالث ، من المُجلد الأَول / الهند وجيرانها / ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود ،
08 بروكا هوشنك الكاتب والباحث / لغز طاووس ملك ،أَؤ أَصل الخير والشَر في الأيزيدية / ط/ 2014 /مطبعة تموز للنشر.دمشق / ص 151
09 حاجي علو / المُنتَظر /الجزء الأصفر ( الحَقيقة ) / 2015
غازي نَزام /أوكسبورك
[1]