حول الجذور التاريخية والقومية للإيزيديين .. 1
فواز فرحان
من يدخل الى أعماق التاريخ من خلال الدراسات والأبحاث الجادة في المواضيع التي تخص حياة الشعوب بلا أدنى شك سيواجه الكثير من التحديات الغير قابلة للتجاهل من جهة وغير قابلة للترك من جهة أخرى لا سيما في مواضيع تخص شعب من شعوب الشرق الأوسط ..
الايزيديون عبر التاريخ واجهوا محن ومآسي لا تحصى بسبب الطبيعة الدينية المنغلقة القائمة على التقسيم الجيني والطبقي في نفس الوقت ولا يمكن تجاهل الكلمتين في التعبير بأدنى شكل من الأشكال ، ومعلوم لكل من يطلع على الإيزيدية بشكل عميق يعلم أن لها أسرار كبرى تتمثل في العلم الباطن وقوانين آديا ، ولها أسرار صغرى تعكس العلم الباطن في عالمنا الدنيوي وتعبّر عن أسراره بطريقة بسيطة ومجردة من خلال عادات وتقاليد وأعياد ومزارات ونواشين للقوانين ال 72 في المعرفة الايزيدية الخفية وعلمها الباطن ..
وللإيزيديين أيضاً تقويمهم الخاص الشمسي في دورات معينة والقمري في دورات أخرى وهم من وضعوا أول تقويمين شمسي وقمري على كوكب الأرض إستناداً لعلوم سرّية تقوم على فهم دقيق للثورات الشمسية والإصطفافات الفلكية للكواكب والنجوم والثريات النجمية لأن كل ثريا نجمية في المعرفة الايزيدية تعود لملاك معيّن وبالتالي الثريات السبعة النجمية تلعب دوراً في نذر الخير والشر في حياة الكائنات والمخلوقات على كوكبنا أي أنهم فهموا الكوزمولوجيا الجامعة لهذه الحركة ووظفوها لخدمة تقاليدهم وأعيادهم وخدمة شعبهم ..
وأول ما يخطر ببال أي باحث في الشأن التاريخي لشعب معيّن هو مكان تواجدهم ولغتهم وهذا بديهي في مرحلة بدائية لأي بحث ، لكن قد لا يكون شرطاً موضوعياً يخدم الحقيقة استناداً لدراسة تاريخ أديان ظهرت حديثاً على المسرح البشري بعد سقوط دولة الكهنة السومرية منها اليهودية والإسلام والمسيحية والبوذية ، فالمسيح ولد في مكان لا يوجد فيه اليوم مسيحيون وسكانة من اليهوديون والمسلمون ، وموسى في مكان لا يوجد فيه اليوم يهودي واحد ، والرسول محمد ولد في مكان لا يوجد فيه مسلمون اليوم بل يوجد فيه يهود خيبر من الذين رفضوا مغادرة نجد والحجاز والتي تسمى السعودية اليوم ، وبوذا ولد في مكان لا يوجد بوذي واحد فيه ..
لهذا لا ينتفي الشرط الموضوعي المتعلق بالمكان كحد فاصل بين الحقيقة والوهم ، واللغة عبر التاريخ مرّت بتقلبات لا تختلف عن تقلبات العالم المكاني لتواجد الايزيديون ، قديما كان أجدادنا يعللون عدم وجود الكتب المقدّسة لدينا بأنها نعمة وليست نقمة لأن الأديان التي تمتلك كتب مقدسة وشروحات وتفاسير وفتاوي عاجزة عن الوصول للحقيقة وإلاّ لما تعددت الكتب وتعدد معها الإجتها ، فإختصر أجدادنا تعاليم المعرفة المقدّسة المهمة في الايزيدية في نصوص وأقوال وأشعار تتغنى بالخالق والخليقة ولم يكن عددها يتجاوز الألف قول وقول ..
يعني ألف وواحد بنفس الطريقة التي يعتقد بها الايزيديون أن للخالق ألف إسم وإسم وهو تعبير نوعي عن حالات روحية وليست تسميات تشبه أسمائنا في العالم الدنيوي ، هذه النصوص وصلت الينا في العصر الحديث بلغة كوردية ركيكة نصف مصطلحاتها آرامية والنصف الآخر عربية نتيجة التأثيرات القومية والقبيلة التي طرأت على المنطقة بعد سقوط سلالات أور الثلاث وسقوط حاران ..
ومن يطلع على النصوص اليوم وأماكن تواجد الايزيديون يحكم للوهلة الأولى بأنهم كورد وانتمائهم كوردي وهذا الحكم غالباً ما يكون سطحياً وركيكاً لا يستند لدليل مادي موضوعي يشترك فيه الايزيديون مع الكورد بأي عادة أو تقليد مشترك هنا يقف الباحث مذهولاً بهذا التناقض العميق .. !!
وهنا قد لا تكون اللغة مصدراً دقيقاً معبّراً عن الحقيقة إذا ما تعمق القارئ في البحث ، فلغة يسوع كانت آرامية لكن لغة الكنيسة الرسمية اليوم هي اللاتينية ولا يُسمح لأي كاردينال بالوصول الى المراتب الكنسية العليا إذا كان يجهل اللاتينية لهذا لا يمكن القول أن المسيح كان لاتيني مثلما لا يمكن القول أن ايزيد كان كوردياً ، ولغة موسى كانت آرامية لكن لغة التلمود البابلي والهاتوراه ( التوراة ) لغة عبرية ، والكثير من الأمثلة التي تقودنا الى مجال أوسع في البحث ..
ولو تمعنا في اللغة نجد ان قسماً من النصوص الايزيدية موجودة في لغة أهل بعشيقة وبحزاني بقايا اللغة الأكدية في المنطقة مثل قول ( إسمعوا ) وقول ( شهادة الدين ) ودعاء ( الفجر ) ودعاء ( السفرة ) وكلها نصوص تتردد في المناسبات المهمة في العادات والتقاليد الايزيدية ..
والمشورات في الايزيدية كلها بالآرامية منها مار قبيسي أو بير قبيسي ( نيشانه موجود في قرية تم تغيير اسمها الى عمر قبيسي أو عمر قابجي .. وهناك مشورات موجودة في الأبدية الايزيدية ، ومن خلال المشورات نجد ان كل الشيوخ والبيار في الفترة التي سبقت شيخادي الهكاري كانت باللغة الآرامية والعربية ، والعمود الفقري للإيزيدية شيخادي الهكاري أعطى تعليمات بلغة غير الكوردية منها ( مو اللي يعبد في الجبال بس اللي يعبد في الكَال كَال ) وهذا النص لا يفهمه الكثيرون ولو فهموه لما تجرأوا على القول أن شيخادي كوردي أو تحدث الكوردية ذات يوم ..
وكلمة دين تعتبر كلمة حاسمة للجزم في أن الايزيدية لا علاقة لها بالمصطلحات الكوردية فهي في الايزيدية تعني التحرر وفي الكوردية تعني الجنون ، فمن غير المعقول أن نسمي خاسيننا وملائكتنا بأسماء تشير الى الجنون ..
مثال ..
جار شمبو روشاكي أمينا
عزيزي طاوسي ملك من نافي شيرينا
ب نافي ملك شرفدين شمارا بو دينا
والنص واضح باسم شرفدين وطاوسي ملك أصبح لنا قانون للتحرر ، وليس للجنون في معناها الكوردي ، وهناك نص اخر يفصح عن الهدف من الايمالن الايزيدي وهو قول ألف اسم واسم ..
يا سلطان ايزيدا ام مرازا
خوش ته دخوازن
دين وايما ونا مالا
ياسطان ايزيد نريد الدين والايمان وليس المال ، وليس من المعقول أن يطلب الايزيديون الجنون والايمان في نفس الوقت الكلمات هنا تلعب دوراً حاسماً في النصوص لا يفهمه من لا يمتلك إلمام في اللغات الحية في التاريخ المعاصر ..
لذلك اللغة هنا وترجمة النصوص تحتاج لباع عميق في التعمق والبحث وهذا ما يفتقد اليه من حاول تكريد النصوص والايزيديون في نفس الوقت ، يقول فليكسينوس الدولباني وهو مستشرق زار سنجار في مطلع القرن العشرين وثق وجود 150 كتاباً باللغة الآرامية ومترجمة الى أبجدية ايزيدية تتحدث عن أسرار وأعماق الجذور السومرية للإيزيديون وتتحدث عن أقوال ونصوص لم تترجم الى أي لغة بعد .
والايزيديون في حاران نفسهم إنقسموا بين شيوخ الشيخمند وناسردين وسجادين وتم أعدام أغلبهم بسبب إمتناعهم عن ترجمة النصوص الى الكوردية وإعتبروه كفراً ، في عهد نبو نيد آخر سلالات الدولة البابلية انتقلت النصوص الايزيدية الى حاران وإفتتح شيوخ الايزيدية المدرسة الأورفية لتدريس الخلق والنشوء في الايزيدية وأقبل على هذه المدرسة عشرات الآلاف من طلاب العالم وتعتبر المدرسة الأورفية المدرسة الأم للفلسفة اليونانية الشمسانية لهذا عملية فرض تغيير النصوص في حاران من لغة الى أخرى اعتبرها الايزيديون محاولة لتغيير الوقائع والحقائق ..
هناك حقيقة ثابتة وهي ان التسميات والتعلويلات اللغوية لا تخضع للمنطق ولا للقوانين الطبيعية ، فالفرس واالافغان يتحدثان لغة واحدة في جذورها الأفغان يسمونها الدارية والفرس يسمونها الفارسية والحقيقة ان اللغتين لهجات سنسكريتية لقومين مختلفين لا يمتان لبعضهما بصلة لا في عرق ولا حتى في جين مع ذلك يتطفل عليهما البعض ويوحدهما في مصطلح هندو إيراني يحقتره الأفغان والبشتون والبلوش ، والشعبين البشوني والبلوشي لهما نفس اللغة لكنهما شعبين يحتقران بعضهما البعض ولا يمتان باي صلة قومية او دينية او عرقية او اثنية او جينية !! لهذا اللغة هنا ليست حد ودليل على انتماء شرعي بل عابرة تاريخية تمت بحكم الظروف الجيوسياسية للمنطقة ..
وهناك نص آخر يوضّحالفكرة بشكل أعمق ..
قول وسبقة ..
هاكَار خودي كر أم ايزدينا
سه نافي سلطان ايزيدا
ب أوول وطريقة تييت خو رازينا
لم يذكر النصّ أننا كوردينا وليس ايزيدينا ، لهذا نصوصنا واضحة ولا تقبل النقض والجدل والتلاعب ، وهناك نص شيخادي وميرا ..
شيخادي خودي كرمي
داهر بو عربي ل عجمي
داهر بو ل بيت الفارِ
قصد كرهات هاكاري
لالش مير لي جما دبونا ..
ويضيف في نفس القول ..
خبر ل ناف عاجاما
داهر بو شيخاك ب كاراما
لالشي مريد لي دبون جما
لماذا تذكر النصوص الايزيدية الكورد والفرس في خانة العجم وليس خانة الايزيديون إن كانت طروحات الفوضوية التي تجعلنا محسوبين على الطرفين صادقة ؟؟
إذا جعلنا أنفسنا كورد أو فرس فإننا نتخلى عن نصوصنا وأصلنا ببساطة ..!
ملك فخردين كرم كر و گوت
خودان اصل از بم گوري
و ل بي اصل واكي كاراكي ستو بموري
او بي خوندن دهاژونا ساري ژوري
حتى خاسيننا توقعوا ظهور جيل يتنكر لأصله ووضعوا سبقة وحيدة ونادرة من نوعها وهو أن الخاسين يقول للايزيدي أذهب قرباناً لك إن إحتفظت بأصلك الايزيدي ولم تتلون ، أي ان الايزيدي الحقيقي لا يخلط بين ايزيد خان وعجمستان كما تصفه نصوصنا المقدسة بي اصل كاراكي ستون بموري ..
خبر دناڤ عاجامستانا
داهر بو شيخاك ب معنة
لالش ميريد پي كرن ديوانا
جواب بدن ايزيدخاني
بلا قوي بكن ايماني
شرفدين ميرا ل ديواني
من هنا يظهر أن الايزيديون لم يقوموا البشر على أساس اللغة بل على أساس الايمان الايزيدي النقي بالمعنى والكلمة ، لهذا تبقى محاولات تكريد الايزيديين مثل عملية تعريبهم والأساس الديني للشعب الايزيدي تفصح عنه النصوص بعمق ولا تخلطهم بأي عرق أو قومية في محيطهم ومحاولات تكريدهم ستبقى مبتذلة وأصبح الكورد أنفسهم على دراية بها ويحترمون ما يظهر من حقائق على عكس الطامحين بالأموال والأراضي والمناصب ..
تاريخيا لم يستخدم الايزيديون تقويما لا ككورديا ولا اشوريا ولا بابليا بل تقوم ايزيد بحت خضعت له كل الشعوب من سومر الى بابل الى اشور ، أما العجم فكانت لهم تقويمات خاة بهم فنيسان الشرقي هو أول أشهر الديانة الايزيدية وهو ماكان سائداً في اكد وبابل ونينوى بينما آذار كان التقويم الفارسي الذي فرضه الزارادشتيون على الأقوام العجمية !
عندما نبحث عن قاسم مشترك يجمع الايزيديون والعجم لن نجد سوى الملابس التراثية التي كانت ارامية قبل ظهور الكورد والفرس والافغان والعجم كأمم ..
هذا الرابط يؤكد أن الكورد وديانتهم لم تنتمي للإيزيدية ذات يوم بل ان قسماً ضئيلاً من الايزيدية اعتنق الإسلام على يد العجم ..
A medieval Gorani Kurdish Zoroastrian poem | PDF Host
وعندما نقارن بين الادعاءات الكابة لتكريد الايزيديين او جعلهم فرس والتي تقف خلفها اجندة سياسية نجد انه لا يوجد في تاريخ الكورد سرسالي في نيسان ولا يوجد صوم في كانون الأول ولا توجد اربعينيات الصوم المقدس ولا جلخانات اديا ، وحتى عندما نقف امام مصطلح الكورد الايزيديون نجد انه مضحك للغاية يشبه القول بالارمن الكورد والفرس الكورد والألمان الكورد أي تكريد كل شيء وهذا يتنافى مع أدنى درجة تمتلك حداً موضوعياً للعقل أن يقبلها !!
فالبادينان جينيا وعرقيا يختلفون عن السوران حتى لغوياً وكذلك الزازاكيين واللوريون والكورمانج خمسة شعوب متداخلة بلهجات مختلفة يريد البعض جمعها بمصطلح واحد ، وحاليا هناك بالفعل مشكلة تواجه الاكاديميون الكورد من تحويل اللغات العلمية كفلسفة الكم وفيزياء النووية والكيمياء الحيوية الى لغة موحدة في الكوردية لان ذلك يمثل استحالة والعلم الاكاديمي يعترف باللغات الحية على انها اللغات التي يمكن ترجمة العلم الاكاديمي بكل اصنافه ومصطلحاته لها وهذا ما لا يتوفر في اللهجات الكوردية المنقسمة الى خمسة اجناس ..
وهناك معجم عالمي يقسم اللغات على أساس ثابت واكاديمي ولا يعترف هذا المعجم بالكوردية كلغة بل لهجة محلية متداولة بين قبائل محددة ..
وهذا هو رابط العجم الذي يقسّم على أساسه العلماء بين اللغات واللهجات
https://archive.org/details/in.gov.ignca.1287/page/n253/mode/2up
بالإضافة الى أن المقارنات الدقيقة بين نظرية الخلق والنشوء في الايزيدية وكذلك الاقوال والنصوص التي تناولت العلاج الروحي للكسور والامراض في كل من سومر وبابل واشور والأهم إستخلاص كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي في وثائقهم الرسمية على أن الايزيديون شعب عريق في حضارة الرافدين أقدم بكثير من اللغة التي يتكلمون بها اليوم ..
2.15.2. Yazidi | European Union Agency for Asylum (europa.eu)
The Yazidis are an ethno-religious community autochthonous to the north Iraq governorate of Ninewa. Their ancestral homeland is located 150 km west of Mosul, in the Ninewa Plains, predominantly concentrated around the Sinjar mountain and the district town of Sinjar, as well as the Al-Shikhan district, the villages of Bahzani and Baashiqa near Mosul, and in Dohuk in Iraqi Kurdistan. The native language of the Yazidis is the Kormanje dialect of Kurdish.
وطبعاً هناك 155 مصدراً يتحدث عن الحياة الايزيدية في سومر ومنها القاموس الأكدي ورسائل بابل السرية والقاموس الآشوري فيه معلومات دقيقة عن معابد ايزيدا ولالش وطاوسي ملك وآدي ولا يوجد قوم في العراق يؤمن بهذه الأسماء غير الايزيديون حتى يبتذل البعض الحقائق ويعتبرها مقاربات ..
في الأجزاء القادمة سأتناول ..
الايزيديون في العهد السومري
الايزيديون في العهد البابلي
الإيزيديون في العهد الآشوري
الايزيديون في مناطق المركَة وإمارات الايزيدية السبعة
الايزيديون في حاران
الإيزيديون الطاوسيون في جبال الفار ( الفينيقيون نسبة الى طير الفينيق الذي يموت وبنبعث من جديد )
الايزيديون في جبال مورية ومدينة ملكي سالم ( أور ساليم ) ..
مصادر متعلقة بالبحث ..
https://www.assyrianlanguages.org/akkadian/index_en.php
De Tempel of Babylon und Porseppa
Robert Koldewey
Leipzig 1911
Elma und Sumer
G.J .Selz
1989
Zitzungsberichted Bayerische Akademie der Wissenschaften
Jahrgang 1953
Glossar zu den Neubabylonischen Briefen
Von Erich Ebeling
والاجزاء الأخرى من المصادر سيتم تنزيلها مع أجزاء المقالة والمعلومات تباعاً ..
[1]