عيد رأس السنة الإيزيدية
صبحي نبو
منذ آلاف السنين إلى يومنا هذا يحتفل الإيزيديين بأول أربعاء من شهر نيسان و يعتبرونها رأس السنة الإيزيدية عيد الخليقة ، في هذا العام يصادف في #17-04-2024# حسب التقويم الشرقي اليولياني الذي يعتمد عليه المجلس الروحاني الإيزيدي ، بينما يصادف في 10 نيسان حسب التقويم الإيزيدي أو التقويم الذي يعتمد عليه فقراء جبل شنكال .
لكل قوم من أقوام العالم خصوصيته التي تميزه عن غيره ، ويتجلى ذلك في الطقوس والأعياد الدينية والقومية و نظرتهم و تعاملهم مع باقي الأديان والمعتقدات ،
من الجدير ذكرُه أن ديانة الإيزيديين ديانة قائمة بذاتها، ولم تستمد ماهيتها من اية ديانه آخرى ، حيث نشأت منذ القدم فى العراق وهي تدعو من خلال نصوصها الدينية وشعائرها إلى المحبة والسلام وإحترام باقي الأديان ، هذا ما يلتمسه كل متطلع على نصوصها الدينية وفي الأعياد و الطقوس التي تغور جذورها في عمق التاريخ، وعيد رأس السنة الإيزيدية خير مثال على ذلك , يحظى شهر نيسان بقدسية خاصة لدى الإيزيديين حيث لا يحرثون الأرض ولا يقطعون الأشجار وكذلك لا يجوز أن يتزوج الإيزيديين في نيسان. ولكل تلك المحرمات تفسيرها الخاص في الميثولوجيا الإيزيدية .
تبدأ العوائل الإيزيدية بالتحضير لعيد رأس السنة، أعتباراً من مساء الثلاثاء حيث يقومون بتلون البيض التي ترمز شكلها إلى الكرة الأرضية و الألوان المختلفة ترمز إلى لون الطبيعة في شهر نيسان، كما يتُحضر عجينة خاصة تدهن قبل أن تخبز وتوزع على الجيران وعلى قبور الموتى وتسمى “ساوك” كذلك تقوم كل عائلة نهار الثلاثاء بقطف باقة من وردة نيسان (قريبة من شقائق النعمان الحمراء )، لتعليقها صبيحة الأربعاء مع القشور الملونة للبيض المسلوق في أعلى عتبة البيوت كدليل لقدوم الربيع وعيد رأس السنة الإيزيدية . ومن مراسيم هذا العيد هي زيارة المقابر صبيحة الأربعاء و تزور العوائل بعضها البعض للتهنئة .
فتائل معبد لالش بعدد أيام السنة :
في يوم الثلاثاء مساءً يجتمع المجلس الروحاني و المرجع الأعلى سماحة بابا شيخ و خلمتكارين (خادمين معبد لالش) مع غروب الشمس يطلب بابا شيخ من بابا جاويش بإضاءة القناديل(فتيل) في ساحة” سوق المعرفة” بعدد أيام السنة(366 قنديلاً ) إيذاناً ببدء السنة الجديدة .
Surek jê Sûrê batine 366 Alim tê dikin xwendinê.. Lê ser sekinîye Siltan Ezi :
Nûra Baqî yekê bi tenê…
الترجمة : سر من أسرار الباطنية حوله 366 عالم يقرأون على رأسهم سلتان إيزي نور الخالق وأحد الأحد .
ما هي التسمية الصحيحة لهذا العيد ؟
(( ان تسمية رأس السنة الإيزيدية بالأربعاء الأحمر أو محاولة البعض الخلط بين الإيزيدية والزرادشتية له دوافع وخلفية سياسية تؤسس لها أحزاب غايتها التأثير على المجتمع الإيزيدي ودفعه بإتجاهات تخدم مصالح سياسية معينة .(الأربعاء الأحمر كانت ذكرى لأبادة الإيزيديين ابيحت فيها دماء حتى الرضيع من قبل أعداء الإيزيديين مستغلين احترام الإيزيدية لقدسية الأربعاء) والتي كانوا لا يرفعون سيفاً ولا يقاتلوا في هذا اليوم لأنه يوم رحمة مقدس مخصص لعبادة الخالق . منقول من الباحث الإيزيدي سالم الرشيداني)).
كذبة نيسان والتقويم الغربي والقويم الشرقي ؟
لعل أغلب الناس الذين يكذبون في أول شهر من نيسان لا يعلمون لماذا يكذبون في هذا اليوم فلا توجد حقيقة مؤكدة لأصل هذه العادة، رجحت بعض الأراء أن أصل هذا اليوم هو أن الكثير من مدن أوروبا ظلت تحتفل بمطلع العام في الأول من أبريل، حيث بدأت هذه العادة في فرنسا بعد تبني التقويم المعدل الذي وضعه شارل التاسع عام 1564م وكانت فرنسا أول دولة تعمل بهذا التقويم وحتى ذلك التاريخ كان الاحتفال بعيد رأس السنة يبدأ في يوم 21 مارس وينتهي في الأول من أبريل بعد أن يتبادل الناس هدايا عيد رأس السنة الجديدة، لكن الحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون هي : قديماً كان أغلب شعوب الحضارات و الإمبراطويات القديمة كانت تحتفل في الأول من شهر نيسان أو تستمر حتى الأول من نيسان و عُرفت بتسميات عديدة مثل:
عيد دوموزي عيد أكيتو , عيد زاكموك ,و عيد شمو أو شم النسيم عند المصريين القدماء( 2700 قبل الميلاد) و عيد الفصح أو القيامة عند المسحيين و عيد الأم، أم الزلف وغيرها من التسميات تعود لمناسبة وأحدة .
يؤكد الكثير من المؤرخين بأن هذا العيد أنتشر بأسمه الفارسي (نيروز) بعد إحتلال العراق من قبل الاخمينين الفرس سنة 539ق.م.
يقول المؤرخ الدكتور : عامر حنا فتوحي في كتابه ” الكلدان منذ بدء الزمان”: أن أول تقويم بشري على أرض وادي الرافدين وضعه الكلدانيين أو الفراتيين الأوائل بدأ في
(وأحد 1 نيسان عام 5300ق.م ) ، والذي أرّخ لبداية تأسيس أول دولة في العالم هي مملكة أريدو.
أما التقويم الروماني تأسيس في عام 735 قبل الميلاد .
حتى سنة 304 ق م، كانت السنة الرومانية تقسم إلى عشرة أشهر، أولها مارس أو آذار، وآخرها ديسمبر، ثم أضافوا شهرين قبل مارس وهما يناير أو كانون الثاني، فبراير أو شباط. وبهذا، فان الشهر الأخير أي ديسمبر (العاشر) أصبح الشهر “الثاني عشر” وكذلك نوفمبر ( التاسع ) أصبح “الحادي عشر” واكتوبر (الثامن) أصبح “العاشر”.
وفي عام 46 ق .م. صحّح يوليوس قيصر التقويم معتبراً السنة 365 يوماً وست ساعات. وبقي بعد هذا الاصلاح خطأ ، لأن السنة تتكون من 365 يوماً وخمس ساعات و48 دقيقة و51 ثانية. وهذه الفرقية الطفيفة أي 11 دقيقة و51 ثانية تشكل يوماً كاملاً كل 129 سنة . هذا هو التقويم اليولي والمعروف باسم التقويم “الشرقي “
ثم جاء الإصلاح الغريغوري عام 1582، وسمي نسبة الى البابا غريغوريوس الذي أمر بالعمل به عام 1582، كان الفرق بين التقويم اليولي وحقيقة دورة الشمس السنوية عشرة أيام. فكان أعتدال الربيع يقع في 11 أذار بدلاً من 21 آذار. ولهذا تقرّر حذف عشرة أيام واعتبروا أن ثاني يوم بعد 4/10 (كانون الاول يكون 15كانون. ثم زادت الفرقية بين الحسابين الغريغوري واليولي بمقدار يوم واحد كل 129 سنة. ولهذا فالفرق اليوم بين التقويمين هو 13 يوماً. ومن هذا التاريخ بدأ العام في الأول من يناير ، بدلاً من الأول من نيسان.
متى يبدأ رأس السنة الإيزيدية ؟
حسب النصوص الدينية الإيزيدية المقدسة فإن عمر الكرة الأرضية يعود إلى مليارات السنين والأرض لم تكن مستقرة حتى نزلت عليها لالش النوراني لذلك نقول بأن لالش هي خميرة الأرض فتجمدت الأرض ويعرف علماً بالعصر الجليدي بعد إستقرار الأرض أخصرت الأرض وتزينت بالألوان و بدأت الحياة .
تقول السبقة الدينية من قول الخليقة و التكوين “قه ولئ، زه بونى مه كسور” : به عدى چل سالى ب هزماره، عرض ب خورا، نه، كرت بوو حشاه، هه تا، لالش ؤ موحبه ت، ناف دا، دا نه دهاته، خواره, :لالش كو دهاته، لعرض شين دبور، نه باته،بى زه ينى چيقاس كنياته.. الترجمة : بعد أربعون آلاف سنة، الأرض لم تكن مستقرة حتى نزلت فيها لالش، بعد نزول لالش بدأت الحياة على الأرض و تزينت الأرض.
حسب النصوص الإيزيدية فأن اليوم الذي نزل فيه لالش من السماء كان أول أربعاء من شهر نيسان تعني نيشان (رمز)أو نوزان (الولادة الجديدة ) لذلك يحتفل الإيزيديين في كل عام منذو آلاف السنين بهذه المناسبة المقدسة ويعتبرونها “رأس السنة الإيزيدية” لأن في هذا اليوم بدأت الحياة على كوكب الأرض ويسبق هذه المناسبة أربعائتان :الأولى الأربعاء الذي يصادف الأربعاء الذي يلي 21 من شهر آذار والتي تسمه (قرا جارشم) لأن بهذا الوقت يتساوى الليل والنهار من أهم طقوسها صنع كعكة رأس السنة (كولاج) و الأربعاء الذي يليه وتسمه( آخر جارشم) تقتصر طقوس هذا الأربعاء بزيارة المقابر وتبادل الخيرات والزيارات
ويكون أول أربعاء من شهر نيسان عيد (الأربعاء الأول من نيسان) ويكون آخر أربعاء يحتفل بها الإيزيدية برأس السنة ويكون أول أربعاء من السنة الإيزيدية الجديدة (اوغر جارشم) أربعاء الوداع .
عيد اعتدال الربيعي :
كما وضحنا بأن مراسيم عيد رأس السنة الإيزيدية تستمر ثلاث أسابيع في أيام الأربعاء بدءاً من الأربعاء الأول بعد 21 آذار، ويسبق هذا العيد عيد ملكزان الذي يبدأ في 18آذار حتى 24 آذار، يقول النص الديني الإيزيدي :
18آذارئ ملكزان تيتا خورئ، خملي سه رئ دارئ هه تئ 24 آذارئ. الترجمة : في 18 آذار هبط “ملك زان” من السماء تزينت الأشجار حتى 24 آذار.
لماذا يصادف الأربعاء الأول من نيسان في منتصف شهر نيسان ؟
الإجابة بكل بساطة لأننا نحنُ الإيزيديين نعتمد حالياً على التقويم الشرقي الذي يتقدم التقويم الغربي أو الميلادي بثلاثة عشر يوماً بالمقابل يوجد حساب (تقويم) يعتمد عليها عشائر الفقراء، و الفقير مرتبة دينية كذلك يوجد عشائر من المريدين بهذه التسمية ) لمعرفة الحساب الدقيق يمكننا المقارنة بين التقويم الشرقي الذي يعتمد عليه أغلب الإيزيديين و بين التقويم الحساس للفقراء الذي يسبق التقويم الشرقي بأسبوع وأحد. و المقارنة بين عيد ملك زان الذي من المفروض ان يصادف الاعتدال الربيعي.
في النهاية أؤكد بأن هذه المناسبة عُرفَ تحت مسميات مختلفة وتم إستغلالها لأهداف مختلفة لكننا نحن الإيزيدية أستطعنا بفضل الخالق (طاووسي ملك) الحفاظ على طقوسنا و تراثنا و على ديانتنا رغم مئات من الإبادات الجماعية التي مازلنا نتعرض لها ليس لشيء فقط لأننا نعتنق ديانة مسالمة وتاريخ عريق نفتخر به .
أخوكم الشيخ :صبحي نابو رئيس الهيئة التراثية والدينية الإيزيدية ل الاتحاد الدولي للجمعيات الايزيدية المستقلة .
كل عام وانتم بخير اتنمى السلام و المحبة للايزيديين و للبشرية جمعاء.[1]