كافان زارزان- گاڤانێ زەرزان (Gavanê Zerzan) و “زرباب” وشؤون أخرى ح الاولى
د.خليل جندي
جذرهما التاريخي وآثارهما الحالية..(1)
الحلقة الأولى
مدخل: كانت الديانة الايزيدية تعد إلى تاريخ قريب، حلقة شبه مفقودة في سلسلة الديانات الشرقية الهندوآرية والهندو أوروبية القديمة. إلاّ أن الثورة المعلوماتية التي اجتاحت العالم، فتحت الأبواب أمام الكتاب والباحثين وأصحاب الفكر للاطلاع على كنور المعرفة، وخزائن المصادر والوثائق التي كانت بعيدة عن متناول الكثيرين من أصحاب الشأن.
في هذه الحلقة أتوقف عند كتاب قيّم جداً وقع مؤخراً تحت يدي، للمؤرخ والمختص اللغوي (صلوات كولياموف)، الموسوم: “آريا القديمة و#كوردستان# الأبدية (الكرد من أقدم الشعوب) طبعة أربيل، لعام 2011، لأستعرض منه موضوعات جلب انتباهي، ربما تلقي الضوء على بعض الحلقات المفقودة من تأريخ جذور العقيدة الايزيدية، من تلك المواضيع هو الإله (كافان زارزان- گاڤانێ زەرزان)(2) . و “زرباب”. فمن هو هذا الإله (كافان زرزان) ومن هو (زرباب) اللذان يردان ذكرهما في الموروث الديني الايزيدي؟ ومن أين يستمدان جذرهما التاريخي، وهل ل (كافان زرزان) علاقة ب “العجل الذهبي” لدى اليهود؟ إذا كان الجواب بنعم، فما سرّ تلك العلاقة؟!
قبل الدخول في صلب التحليل والمقارنات وغربلة الأفكار، أستميح المؤرخ الكبير (صلوات كولياموف) استعراض مقطتفات من كتابه الفريد المعزز بالدلائل الموثقة لحركة الشعوب عبر التاريخ القديم، وظهور أولى براعم الأفكار والمعتقدات الدينية وانتقالها فيما بعد إلى تلك الشعوب التي هاجرت من موطنها الأصلي في غرب آسيا إلى أن وصلت أوروبا وشمال أفريقيا. أستعرض الموضوع الخاص ببحثي بشيء من الايجاز وقليل من التعديل، بحيث لا يؤثر على مضمون الكتاب الأصلي أبداً.
انطلاقاً من وجهة النظر التاريخية، واستنادا الى المصادر والوثائق والأدلة القاطعة التي يطرحه المؤرخ والمختص اللغوي (صلوات كولياموف)، يعد الكرد، أحفاد الشعب الكوتي (3) القديم الذين كانوا أصل الدول القديمة مثل سومر وأكاد، أي كانت هنالك دول وممالك قبل الحضارة السومرية والأكادية والآشورية في جبال زاغروس وطوروس، حيث جاء ذكر (قبائل كوتي-أومان ماندا) و (لولوبوم) في النصوص المسمارية الأولى لكل من سومر وأكاد في الألف الثالث قبل الميلاد، بدءاً من نقوش وكتابات الملك الأكادي نارام سين (2300 ق.م.) ثم قوانين ملك الحيثيين (1600 ق.م.) انتهاءً بمراسيم الملك الفارسي قير العظيم في القرن السادس قبل الميلاد، وأنهم السكان الأصلاء لزاغروس وطوروس. وتعود كلمة “كوتي” كما يقول كولياموف، في علم الاشتقاق الى أقدم اللغات الهندو أوروبية، وتعني “حبة/ بذرة القمح” وفي معناها الواسع تعني الزراعة أو الحراثة في تصنيفها الاجتماعي. (ص24) وأن الكلمة ذاتها في الأصل الهندو أوروبي هي (كوتان)(4) وتعني “المحراث لفلاحة الأرض” و “طاحونة لطحن حبوب القمح”.
كما أن اسم (أومان-ماندا) مشتق من الكلمة الكردية (هه مى/هه موو Hemy) بمعنى الجميع. و (مان دا) معناه من سلالة (مانو) الذي حسب ميثولوجيا الشعوب الهندو جرمانية (الهندوس- الألمان- الإيرانيون) أسلاف البشرية. وأن المعنى الاشتقاقي لكلمة (أومان- مان دا) يتطابق بدقة مع اسم أكبر القبائل الكردية المتحدة (كورمان جي= كرمانجي) أتباع “أبناء أرض مانو” من الكلمة الكردية (كور kur= الابن- الأبناء) الذرية. (ص25) وبهذا تشهد وجود القبائل التي تقطن السفوح الجنوبية لجبال طوروس وكذلك (كاستا بيروف kasta pîrov) أي مرتبة الكهنة الكاتاني المقدسة عند الكرد الايزيديين (يقصد بها مرتبة القاطانيين-خليل) وكذلك الكورمانجي. (ص24) بهذا فأن جميع أراضي أسيا الصغرى والهضبة الإيرانية هي عبارة عن الموطن الأصلي للقبائل الهندو أوروبية.
يمضي المؤرخ كولياموف بالقول: عندما ظهر زرادشت وضع أمامه استئصال الآلهة الوثنية المتعددة لدى أفراد وقبيلة الهندو-أوروبيين وتكوين ديانة توحيدية واحدة. وبهذا الصدد يقول المختص بإيران (ميرى بوي) بأن زرادشت عاش في منطقة جنوب أورال وخوارزم. (ص34) وتمكن زرادشت من إدخال أبناء جلدته (معبودي النار) إلى الدين الجديد وإنشاء اتحاد عسكري من قبائل إيران الشرقية، وأعلن بأن (أندرو) الإله الرئيسي للهندو آريين هو عفريت الشرّ الصغير، الأمر الذي أثار غضب معبودي ريغفيد مما أدى إلى إشعال الحرب بين مجموعة قبائل شرقي إيران الخيالة أنصار زرادشت مع أنصار المذهب القديم مربوا الغنم الجبليون من آريين/ مما تركهم أمام خيار إما القبول بالدين الجديد (الزرادشتية) أو مغادرة أراضيهم. وفي النهاية قد أجبر قسم من الآريين القدامى كورو (كورد- كورمانج) على ترك مناطقهم من آسيا الصغرى ومن جنوب سهل آسيا الوسطى إلى الهند في النصف الأول للألف الثاني قبل الميلاد والنزوح إلى أودية السند والبنجاب (5)، والقسم الآخر من هؤلاء الهندو آريين والمعروفين في التاريخ باسم الميتانيين والكاشيين، قد تم مضايقتهم من قبل تيارات القبائل الإيرانيين الشرقيين ونزحوا من أماكن سكناهم السابقة نحو الغرب تاركين الهضبة الإيرانية في القرن 18 قبل الميلاد، ووجدوا أنفسهم على أراضي الشرق الأوسط في فلسطين وسوريا، حيث أنشأوا هناك مملكتهم الهندو أوروبية عاصمتها (وشوكاني) في أعالي نهر الخابور. وبعد ذلك ترك الميتانيون الهندو آريين جبال زاغروس واندمجوا جزئياً مع الحيثيين-الهندو أوروبيين، وتحولوا جزئياً إلى حياة العزلة وإلى مجموعات تقليدية تتمسك بأعرافها في وسط سكان الساميين في الشرق الأوسط؛ أضاعوا لغتهم الهندو-إيرانية، لكنهم على سبيل المثال الدروز واليزيديين والعلويين، صانوا أصولهم الهندوآرية، على شكل المعتقدات القديمة (عبادة الشمس، الايمان بتقمص الأرواح، الطوائف المجزئة..). (ص 34-37)
يحتفظ المجتمع الكردي- كورمانج حتى يومنا هذا بالديانة القديمة عبادة الشمس. ان الكرد الذين يعبدون الشمس يعرفون باليزيديين، وحسبما أثبته العلماء فان جميع الكرد قبل الإسلام كانوا يزيديين معبودي الشمس. ان اليزيديين يشكلون مجموعة مغلقة تقليدية متمسكة بعاداتها في المجتمع الكردي. تبين الدراسات البحثية بان اليزيدية تعد بطبيعتها هندو-آريه، بمعنى آخر أن اليزيدية في آسيا الصغرى تعد أكثر قدماً من ديانة ريغفيد وآفيستا. ان المجتمع، سواء أكان لدى اليزيديين، أو الهندو-آريين القدامى كورو، أو لدى الإيرانيين القدامى ينقسم إلى أربع طوائف (طبقات) وهي: (للمقارنة)
الايزيديين (الكرد) – الهندو آريين ريغفيد – آفيستا الإيرانية
بير —————-براهمان ————- كهنة آتورفان
شيخ ————– الراجا —————-هشايا هشاترا
مريد ————-فايشيا —————المزارعون-الرعاة
مرتبه ————-شودرا —————ليسوا بإيرانيين (ص37)
الاسم الكردي (بير) لا يمت بصلة باللغة الهندو-آريه، بل يرجع إلى مجموعة اللغات الهندو-جرمانية القديمة، لأنه يتطابق كلياً مع (بير Per) (الوجه الآخر)، (رأس القبيلة) لدى الانجليز القدامى، الصوتيات التي تتطابق مع الصوتيات اللغوية لقبيلة (ماندا) الشرق إيرانية. وأن قبائل إيران الشرقية الذين كانوا يقطنون السهول يربون الخيول، بينما الميتانيون الآريين، السكان القدامى لآسيا الصغرى الذين يقطنون الجبال، كانوا يربون الغنم والماعز. (ص 38)
شكلت قبيلة ماندا- كورمانجي مملكة كوردية باسم (مانا) في جبال زاغروس حوالي القرون 14-13 ق. م.، وكانت تلك قاعدة لظهور الدولة الميدية التي وحدت (6) قبائل ميدية من ضمنهم قبيلة (بودي)(6) أو (بودين) . (ص38)
لقد ورث السومريون عبادة الثور في الألف الثالث قبل الميلاد من الشعوب القدامى الأصلاء في ميزوبوتاميا وزاغروس – الكوتيين واللولوبيين، وان إحدى القبائل الأربعة الكبيرة لدى الكرد أحفاد الكوتيين-اللولوبيين ليومنا هذا تحمل اسم (گۆران-أتباع الثور). ورغم مرور آلاف السنين، فما زالت آثار تلك العبادة باقية في الموروث الاجتماعي الديني لدى الايزيديين متمثلاً في الإله (گاڤانی زارزان). (ص 418) كما نجد عبادة الثور (العجل الذهبي) في العهد القديم لليهود (جهو Cihu) بمعنى المنشقون/أو المنفصلون. كيف يمكن تفسير ذلك، وما هو المشترك بين عقيدة عبادة الثور قديماً للايزيدية واليهود؟
ان الحقائق التاريخية والاشتقاقات اللغوية التي طرحها المؤرخ كولياموف في كتابه الآن الذكر للعديد من العقائد والعبادات والأصول، والتي استعرضت البعض منها، دفعني أن أفكر فيها بعمق وأقارنها مع ما هو باق بين ثنايا النصوص الدينية الايزيدية، وضمن الموروث الثقافي-الديني والشعبي، وكذلك في أسماء الأعلام والمناطق والقرى الايزيدية. أذكر منها:
{الإله كافان زارزان – الإله مام شفان- كرمانجي- مانو- الطبقات الاجتماعية الدينية- بير- زرباب- قاتاني- عبادة الشمس والنار- النظر بعين التبجيل إلى الغنم والنحل والحيّة- وجود أسماء تاريخية قديمة مثل: كوتي، خوشناف “نافخوش”، خوشابا/خوشافا، بوزان، زرزا/زازا/دوملي- خالتي/خالدي- بودي- ماش “ميشن= الغنم بلهجة أهل سنجار” -شيخ بزني- اسطورة الطوفان الايزيدي ووجود قوم نوح في منطقة الشيخان الحالية، دور ومكانة إبراهيم الخليل في الموروث الديني الايزيدي… القاعدة الفكرية لتشابه العديد من العبادات والتقاليد بين الايزيدية واليهودية كعبادة الثور/العجل وطقس الختان… سرّ وجود أكثر من نص ديني ايزيدي يذكر “يعقوب وموسى- مسكينو زارو- كاو ماسى” كأنها تعكس لنا سفر الخروج التوراتية، وتتحدث لنا عن “عزيز مصر”؟ ربط بعض أولياء الايزيدية أصلهم بمصر من خلال نصوص دينية… حقيقة البُنية الفكرية والتاريخية لقول رجالات الدين الايزيدي في علاقتهم ب “مكة” و “قريش” قبل العرب والإسلام… في المقابل ماهي حقيقة قول رجالات دين أن ديانتهم قادمة من الهند؟ ….} هذا ما سأحاول البحث فيه والنبش عنه بشكل مكثف.
تتبع الحلقة الثانية: كافان زارزان- گاڤانێ زەرزان (Gavanê Zerzan)
المصادر الهوامش:
(1) فصل من كتاب نعمل عليه منذ عام 2012 وبشكل متقطع نتيجة وظيفتي في وزارة خارجية جمهورية العراق ولعدم توفر المصادر والمراجع الكافية آنذاك. لم نستقر على عنوان الكتاب النهائي بعد، ربما ينحصر العنوان بين “روافد عقيدة الديانة الايزيدية” أو “من آسيا الصغرى إلى لالش فمكة” أو ربما عنوان آخر (رحلة في عالم تاريخ الايزيدية المتداخل).
(2) صلوات كولياموف، آريا القديمة وكوردستان الأبدبة) الكرد من أقدم الشعوب، ترجمة عن الروسية: د. إسماعيل حصاف، الطبعة الأولى أربيل 2011، ص 418.
(3) ما أكثر من تواجد اسم (كوتي – Kutî) بين ايزيدية سنجار.
(4) كوتان (Kutan -kotan): في اللهجة الكرمانجية التي يتكلم بها الايزيديون الحاليون، تأتي (كوتان- Kutan) بالياء الممدودة بمعنى الضرب أو الطحن، أما (kotan) بالياء المفتوحة تأتي بمعنى حضيرة الحيوانات، المصنوعة سياجها عادة من الخشب وأغصان الأشجار وتكون غالباً مقيمةً خارج البيت. أما المحراث يسمى ب (هَفجار= Hevcar)، الحرث والفلاحة يطلق عليها (جوت- Cot)، والذي يقوم بعملية الحراثة يعرف ب (جوتيار-Cotyar). بهذا نلاحظ التطابق بين كلمة (جوت-جوتي) وكلمة (كوتي) بناءً على قانون تبادل الشفويات مثل، پ (p)= ب (b)، ف (f)= ڤ (v)، ق (q)= ك (k)، ج (c)= ك (k)…وهنا يبدو ان كلمة (كوتي) تعود جذرها إلى (جوت – جوتي) ، تلك المجموعة البشرية (القبيلة-الشعب) الذي اكتشف وتعلم الزراعة، وبدأ بحراثة الأرض والاستقرار من خلال بناء بيوت تعرف اليوم بالقرى، بمعنى تم التحول التدريجي من حياة الرعي والترحال، إلى حياة التحضر، ومن هناك أتى مصطلح (كرمانج أو كورمانج) الفلاحين الحضريين ومن دون أن يقطعوا صلتهم بتربية المواشي والحيوانات. (خليل)
(5) سمعت كثيراً لما كان يتردد بين العديد من رجال الدين وكبار العمر الايزيديين بأن جذور ديانتهم تعود للهند من دون إعطاء أية تفاصيل.
(6) تعد (بودي) قبيلة ايزيدية ما زالت بقاياها تعيش بنفس الاسم القديم بين ايزيدية أرمينيا وجورجيا.
[1]