كافان زارزان- گاڤانێ زەرزان (Gavanê Zerzan) و “زرباب” وشؤون أخرى ح 3
د.خليل جندي
جذورهم التاريخية وآثارهم الحالية..
الحلقة الثالثة
إبراهيم الخليل..إنتمائه و مسقط رأسه..
فمن هي شخصية (إبراهيم الخليل) وأين هو مسقط رأسه حسب المصادر الدينية والتاريخية؟ هناك جدل كبير حول أصل إبراهيم ومسقط رأسه؛ فالديانات المعروفة بالإبراهيمىة (اليهود، المسيحية والإسلام) يرون في إبراهيم أباً للأنبياء وأصروا، مع قسم من المنقبين الآثاريين (1) ، أن مدينة (اور) الكلدانيين الواردة في كتاب التوراة هي نفسها مسقط رأس إبراهيم الخليل. إلاّ أن الآثاري (Cordon C. H.) في بحث منشور له في مجلة دراسات الشرق الأوسط فنّد آراء القائلين ان مدينة (اور) التي كشف عنها (دولي) في جنوب العراق هي مسقط رأس إبراهيم الخليل، وكتب أن هناك مدينة أخرى حملت نفس اسم (اورا) كانت تقع شمال بلاد الرافدين بالقرب من (حرّان) استنادا إلى نصوص مكتشفة من مدينة اوغاريت (رأس شمرا الحالية) في شمال سوريا من القرن الثالث عشر قبل الميلاد تذكر اسم مستوطنة تدعى (اورا)، كما جاء هذا الاسم في رسالة أرسلها أحد الملوك الحيثيين إلى ملك اوغاريت (2) .
مصادر تقول بوجود مملكة جنوب منطقة القوقاز كانت تدعى (كلديا)، وكانت مسرحاً للعديد من الشعوب الهندو أوروبية، ورد من بينهم ذكر اسم قبيلة تدعى (أبرو)، التي فسرها بعض العلماء ب (العبري) أو (خابيرو)، وقد دمرت تلك الشعوب تحت ضربات شعوب هندو أوروبية أخرى تحمل اسم (كلديا- خلديا) نسبة إلى إلههم القومي (كالد). وان مملكة (كالديا- خالديا) اورارتو، كانت موجودة سنة (1500 ق.م.) عاصمتها تدعى توسبا (وان الحالية).
أنكر الدكتور كمال صليبي ان تكون فلسطين هي كنعان التوراتية، وزعم ان كنعان تقع في جبال عسير بجزيرة العرب، مخالفاً جميع الذين كتبوا قبله من أن النبي إبراهيم قَدِمَ من (أور كلدانيين) وإنما قَدِمَ من (أور كسديم) الواردة في التوراة، مركزاً في بحثه على المقارنات اللغوية بين أسماء المواقع والقبائل والأشخاص والمواقع التي وردت في التوراة وبين ما يقابلها في منطقة عسير، لكن دون القيام ببذل جهد في الجانب التاريخي.
لقد جاء الدكتور سيد القمني ليَفُكَ اللغز الذي لم يتمكن منه الدكتور الصليبي تاريخياً، من خلال تأكيده (السيد القمني) أنه ليس في الأصل العبري أية (أور كلدانيين)، إنما كانت هناك (أور كسديم) الذي قام بتحليلها وارجاعها إلى جذرها (أرف كشد بن سام بن نوح) من خلال اختلاط حرف الفاء بحرف الباء، وتبادل حرف (ش) مع (س) في اللغات السامية ولغات أخرى، بحيث أن الاسم (أرف كشد) ينطق نطقاً صحيحاً (أرب كسد). وكانت المنطقة الواقعة جغرافياً بين جبال آرارات الأرمينية، وبين بلاد الحوريين كانت تعرف باسم (آرابخيتيس) المعروفة حالياً باسم (البك)، وبما أن لسان هذه المنطقة هندوأوروبي، فإنه بحذف التصريف الاسمي (الياء والسين الأخيرة) في كلمة (أرابخيتيس) تصبح (أرابخسد) وبتبادل حرف (ك) مع حرف (خ) في اللسانين السامي والهندوأوروبي، فإنه يمكننا القول دون تردد: إن (أرابخسد) هي ذات التسمية (أربكسد) وعينها (3) .
وهنا فإن اسم المنطقة (أربكسد) يلتقي تماماً مع بطل من أبطال التوراة، هو (أربكسد) أو (أرفخشد) بن سام ابن نوح جد النبي إبراهيم، ولن نكون مخطئون إن احتسبنا منطقة (أربكسد) هي المعنية في التوراة ب (أور الكلدانيين)، التي هي في الأصل العبري (أوركسديم)، و (كسديم) جمع عبري للمفرد (كسد) فهي (أوركسد) أو (أوربكسد) أو (أربكسد). وإن ذلك الشعب الساكن المناطق الشمالية هو الذي غزا بلاد الرافدين ودمر بابل واحتلها زمناً، وأسس ما عُرف في التاريخ باسم دولة بابل الثالثة، هؤلاء هم مَنْ تشير إليهم النصوص الرافدينية القديمة باسم (الكاسيين) أو (كاسي-كاشي)، ولو جمعنا المفرد (كاسي) باللسان العبري فإنه يصبح (كسديم) (4) .
وحسب التقسيم التوراتي للأجناس، فإن (يافث) هو أبو المجموعة الهندو اوربية من ضمنهم سكان بلاد الحوريين وما جاورها وهي الموطن الأول للعشيرة الإبراهيمية. والحال هذه لم ينطلق إبراهيم من (أور الكلدانيين) في جنوب العراق الحالي متجهاً إلى (حرّان/أو حاران) في أقصى الشمال ليعود مرة أخرى جنوباً نحو كنعان، وإنما المنطقي مغادرة النبي منطقة (أربكسد) المعروفة حالياً باسم (إلبك) جنوب غربي أرمينيا متجهاً إلى بلاد الحوريين أو (حاران)، وهنا تصبح حاران محطة عبور تماماً في الطريق إلى كنعان.
يتضح “أن العشيرة الإبراهيمية وافدة على المنطقة من جنوب أرمينيا، وقد وصفت التوراة (إبراهيم) بأنه رجل آرامي، وأقر التراث الإسلامي أنه ليس من أبناء الجنس العربي، وأن لسانه لم يكن عربياً”(5) وأن ثمة ضغطاً قد حدث دفع شعوب منطقة الحوريين للخروج في موجات متتابعة من الهجرات، أو ربما تمثل ذلك الضغط في كارثة طبيعية كالزلازل أو مجموعة كوارث متتابعة كالبراكين تفسر الهجرات المتتابعة التي هبطت على المنطقة، منهم النبي إبراهيم أو قبيلة (الكاسيين الهكسوس). وعندما يتعايش في منطقة حدودية كالكاسيين الهندو أوروبيين مع شعب سامي كالكنعانيين، فإنه في علم اللغويات من السهل تبادل حرف (ح) مع حرف (أ) أو مع الهمزة، ومن هنا كما ممكناً أن تنطق (حور) الواقعة في المنطقة الكاسية أو (حور الكاسيين) بالنطق (أور كاسيين) والتي يجب نطقها عبرياً (أور- كسديم) )6) .
لتأكيد فرضيته/أو نظريته، يذهب سيد القمني إلى القول أن اسم (مديان) المذكورة في التوراة هي تحوير من بلاد (ميتان- متياني) الشعب الحوري الذي تتحدث عنه نصوص مصر القديمة التي كانت تقع في أقصى حدود الإمبراطورية المصرية شمالاً، وهي نفسها (مديان) الواردة في قصة موسى التوراتي بدليل أن اللسان المصري كان يقلب حرف (د) إلى (ت)، فلماذا لا تكون (ميتان) باللسان المصري هي (مديان) باللسان العبري؟ ويقول إن موسى التوراتي قد نشأ في كنف فرعون مصر، لكنه تورط في جريمة قتل، قتل فيها مصرياً انتصاراً لواحد من بني جلدته، فهرب من مصر خوفاً من العقاب ونزل في البلاد الموسومة باسم (مديان) التي تبين من خلال التفسير أنها بلاد الحوريين، وهو نفس المكان الذي جاء منه عشيرة النبي إبراهيم.
وتأكيداً لذلك فإن قصة الخلق التوراتية التي تقول إن أصل البشرية خرج من مكان على الأرض يدعى (جنّة عدن)، وأن من هذا المكان تنبع أنهار أربعة هي: دجلة والفرات وفيشون وجيحون، ماهي سوى قمم أرمينيا، الموطن الأصلي للعشيرة الإبراهيمية. ويضيف، لعل موسى التوراتي “عندما فرّ إلى تلك البلاد، استعاد هناك أطياف الجدود والجلدة، وتعرف على إلهه (جاهوفاه Gahove) وعاد يخبر أهله في مصر بأن (جاهوفاه) يطلب خروجهم من مصر إلى أرض تصفها التوراة دوماً بالقول: “أرض اللبن والعسل” و “جنّة الرب” وإن موسى كان يقصد تماماً بلاد أرابخيتيس الحورية” (7) وان “الحوريات” و “الحور” التي يتحدث عنه القرآن والأحاديث النبوية والمأثور الإسلامي في الجنّة، ماهي إلا إشارة إلى نساء الحوريين الميتانيين.
هنالك قرينة مهمة يجب التوقف عندها تتعلق بقدوم القبيلة الابراهيمية من جنوب أرمينيا حيث المنطقة الحورية أو الكاسية أو (أور كسديم)، فهو مستمد من كتب التراث الإسلامية نفسها، التي تتحدث عن “العرب العاربة” و “العرب المستعربة”، أو العرب الإسماعيلية (نسبة إسماعيل ابن إبراهيم) يطلق عليهم “العرب العدنانية” والمستعرب، أي لم يكونوا عرباً إنما اكتسبوا العروبية، وسكنوا شمال الجزيرة وامتدادها مع بادية الشام نحو الشمال الخط القادم من الموطن الأول للعشيرة الإبراهيمية. السؤال هنا: هل إن إطلاق (العدنانية) المقصود منها التعريف بموطنهم (عدن) أو (جنّة عدن) كما أطلقت عليه التوراة، حيث الأنهار الأربعة، وربما هبوط بعض هؤلاء وتوغلهم جنوباً في جزيرة العرب، هو الذي أعطى مدينة (عدن) اليمنية اسمها الحالي تيمناً ب (عدن) الأصلية في الشمال حيث جنّة حور (الحوريين) الكاسية؟
تتبع الحلقة الرابعة
العدنانية..قريش..ابراهيم الخليل
المصادر والمراجع
(1) ليونارد دولي (1880-1980) من أشهر علماء الآثار البريطانيين والذي قالم بالتنقيبات في (اور) الموجودة بالقرب من مدينة الناصرية جنوب العراق الحالي للفترة 1922- 1934م، واكتشف القبور الملكية السومرية فيها.
(2) محمد وحيد خياط، مجلة سومر، المجلد الأول، العدد 33 لسنة 1977، ص 98. (مقتبس من مقال للكاتب: أحمد ملا خليل، إبراهيم خليل الرحمن بين (اور) الكلدان و (اورا) كوردستان، مجلة لالش، العدد 9 لسنة 1998، ص 64- 74)
(3) د. سيد محمود القمني، النبي إبراهيم والتاريخ المجهول، مطبعة مدبولي الصغير، الطبعة الأولى 1996، ص 50-51.
(4)نفس المصدر السابق، ص 51.
(5) د. سيد القمني، المصدر السابق، ص 53.
(6) نفس المصدر، ص 54
(7) نفس المصدر، ص 57.
[1]