#الحملة علی بادینان و ٲوضاع اللاجئین#
الباحث زیاد عبدالله، (مٶسسە الذاكرة العراقیة).
أعد الأستاذ #رؤوف كامل عقراوي# هذا الكتاب عام 1988 ليصدر في الذكرى الأولى للحملة على بادينان (آب 1988) بتوقيع (ا. كاوه) وبمقدمة الأستاذ فلك الدين كاكايي الذي وضع اسمه الحركي على الكتاب بطبعته الأولى (صابر علي أحمد) ولكن الطبعة الأولى للكتاب تأخرت حتى عام 1990 لأسباب فنية تتعلق بكثرة الجداول الإحصائية التي أعدها المؤلف عن تفاصيل الحملة التي قامت بها حكومة بغداد عام 1988 ضد القرى الكردية في محافظات الموصل ودهوك وأربيل وقد بلغت ستين جدولاً إحصائياً مع تحليلاتها والكتاب يوضح حجم الدمار الذي أصاب المدن والقرى الكردية وسكانها خلال حملة (الانفلة) التي تمت بشكل وحشي لا يتعلق بالعوائل المهجرة من مناطقها فقط بل بثروات الأرض واستباحتها.
لقد شملت الدراسة نحو 21% من أراضي كردستان العراق وكان عدد اللاجئين من المحافظات المشمولة بالدراسة (أربيل - دهوك – نينوى) يبلغ حوالي مليون وربع مليون إنسان ونسبة المتأثرين بحملات التهجير والترحيل والتدمير تبلغ حوالي 27.8% من الأراضي وهي نسبة ال21% باعتبار التأثيرات التي تعرض لها سكان وأراضٍ أخرى إضافية لم تشملها الدراسة مباشرة لكنها تأثرت بعمليات التهجير بشكل مباشر وغير مباشر (اللجوء إلى تلك المناطق أو الضرر الحاصل فيها نتيجة انقطاع العلاقة الاقتصادية والاجتماعية مع تلك المناطق.. الخ).
تضمن الكتاب مقدمة ومدخلاً وشرحاً لطريقة العمل وثلاثة فصول، الأول بعنوان (المأساة) ويحوي توصيفاً لحالة السكان المرحلين وصوراً من مآسيهم وأحاديث مع شهود عيان، والثاني (أحوال اللاجئين وظروف لجوئهم) وحوى 59 جدولاً مع تحليلاتها، فيما تضمن الفصل الثالث (النتائج النهائية) لعموم العمل الإحصائي المهم الذي قام به المؤلف مع ملف صوري.
وقد جاء في (المدخل) إن حرب الإبادة العنصرية التي شنت على كردستان العراق أخذت أبعاداً خطرة حيث لحق الدمار الشامل بأكثر من ثلاثة آلاف قرية كردية وعدة مدن هجر سكانها الأصليون وشرد مئات الآلاف من الكورد خارج وطنهم لإخلاء كردستان العراق منهم وذلك خلال عامي (1987-1988) فقط.
وإذا أضيف إلى ذلك أكثر من ألف قرية أخرى من قرى كردستان تم تهديمها في السنوات السابقة في محافظات دهوك والموصل وأربيل يصبح مجموع القرى المدمرة نحو الخمسة آلاف قرية تجاوز عدد نفوسها المليون وربع المليون نسمة مع تدمير (22) مدينة صغيرة.
لقد تزامنت حملات الإبادة المكثفة التي بدأت في آذار 1988 بالإجراءات التالية:
1- إعلان مساحات شاسعة من كردستان من محافظات دهوك والموصل وأربيل والسليمانية وكركوك وديالى وصلاح الدين مناطق محرمة وإعطاء الصلاحيات المطلقة لأجهزة السلطة العسكرية والقمعية لقتل أي إنسان أو حيوان وحرق الأخضر واليابس في هذه المناطق التي تشمل الجزء الأعظم من ريف كردستان.
2- شملت عملية الإبادة المنظمة هدم القرى وتسويتها بالأرض بعد نهبها حيث تم هدم عدد كبير منها خلال شهري آذار ونيسان 1988 ومنها (728) قرية في محافظتي السليمانية وكركوك.
3- شملت العملية قرى الكرد الذين حملوا السلاح مع السلطة ودافعوا عنها.
4- تم إتلاف وحرق البساتين والمزارع والغابات وتفجير عيون المياه بل وحتى الكهوف الأثرية.
5- إبادة الثروة الحيوانية بقتل الحيوانات أو نهبها.
6- استخدام جميع أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً منذ 14 نيسان 1987 عندما تم قصف قرية شيخ وسان في محافظة أربيل حتى وصل استخدام الأسلحة الكيمياوية إلى الذروة في حلبجة في 16-17 آذار 1988 حيث راح ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى أغلبهم من النساء والشيوخ واستمر استخدامها بعد ذلك في بعض قرى شقلاوة وفي القرى الواقعة في أقصى شمال شرق محافظة أربيل وعلى مثلث الحدود العراقية – الإيرانية في 2 آب 1988 ثم في مناطق البحث (منطقة بادينان).
إن منطقة بادينان موضع البحث تشمل معظم القرى التابعة لنواحي وأقضية محافظة دهوك وناحية نهلة وناحيتي مريبا والمزوري في قضاءي عقرة والشيخان التابعين لمحافظة نينوى وناحيتي ميركه سور وراوندوز في قضاءي الزيبار والصديق التابعين لمحافظة أربيل.
في الفصل الأول (المأساة) يصور المؤلف بدايات الحملة ضد شعب منطقة بادينان وبدء القصف المدفعي والصاروخي عليها منذ يوم 23 آب 1988 وبعد ذلك بدأ القصف الكيمياوي الذي شمل مناطق واسعة منذ صباح 25 آب 88 واستمر لعدة ايام وقد شمل السلاح الكيمياوي 77 قرية.
لقد كان أفراد الجيش العراقي ضباطاً وجنوداً لا يؤمنون بضراوة تنفيذ هذه الحملة الوحشية ضد أخوتهم الكورد ولكن التهديد بالإعدام كان عاملاً (حيوياً) في تنفيذ أوامر سلطة علي الكيمياوي ورهطه الذين يأتمرون بأوامر السلطة الصدامية.
وكان استمرار عمليات القصف والتهجير سبباً أساسياً في بدء عمليات الترحيل والرحيل، وهكذا بدات المخاطر التي أحاطت بالأسر المرتحلة كما إن عدداً كبيراً من القرى يقدر ب(221) قرية وقع في حصار القوات العراقية بعد سيطرتها على الطرق الرئيسة للمنطقة، كانت السلطات تقف قرب مصادر المياه والعيون لمنعهم من الاقتراب منها والاستفادة من مياهها إضافة إلى تلويث هذه المصادر وقد وقع الكثيرون في أسر السلطة لعدم قدرتهم على الاستمرار في التحرك دون ماء أو غذاء فجمعتهم السلطة في مجمع (بحركه) في أربيل وفي مجمعات قسرية أخرى أما الباقون فقد اتجهوا نحو الحدود تاركين ما يملكون في قراهم فنهبت ممتلكاتهم وذبحت حيواناتهم أو صودرت وأتلفت مزارعهم.
استمرت مسيرة المهجرين أياماً ويروي المؤلف قصصاً مأساوية عديدة عن تفاصيل هذه المسيرة المأساوية ومن صورها:
*اتخاذ الطرق الأشد وعورة لضمان عدم الوقوع في الأسر.
*كان الخوف من السلاح الكيمياوي يجعل البعض أثناء مرورهم بأي مصدر للمياه يبلل كل ملابسه.
*استمرار القصف الجوي للكثير من الراحلين مما اسقطهم شهداء بمن فيهم من نساء وأطفال.
*التحرك ليلاً بكل مصاعبه والاختفاء نهاراً بين الأحراش وهو أمر متعب لكبار السن والأطفال.
عند وصول المهاجرين الحدود التركية قامت السلطة التركية بمنعهم من الدخول ومنعهم من إشعال النار وحاول أفراد الجندرمة التركية وأفراد ال(موت) الضغط على العوائل المهاجرة للعودة إلى العراق على الرغم من عدم وجود أية ضمانات وسلب الجندرمة أموال بعض اللاجئين وسرقوا حيواناتهم حتى تمت الموافقة على نقلهم إلى معسكرات خاصة باللاجئين بواسطة اللوريات المكشوفة وكانت هذه المعسكرات محروسة بالجنود الترك ويعامل المهجرون فيها معاملة سيئة ويمنعون من الخروج حتى عند طلب العلاج مما أدى إلى موت الكثير من الأطفال والنساء بحيث وصل معدل الوفيات في معسكر (كَه فه ر) وحده إلى طفلين وثلاثة أطفال يومياً. وقد جرت عدة إضرابات ومظاهرات وإضرابات عن الطعام بسبب هذه المعاملة جوبهت بقسوة النار والحديد بحيث استشهد لاجئان بالرصاص في معسكر سلوبي وتكرر ذلك مراراً وقد حاول البعض من المهاجرين السفر إلى إيران فسمح لهم ولكن عن طريق التسفير بسيارات مكشوفة ودون التوقف لأي سبب وأعطى المؤلف في فقرة (صور من المأساة) تفاصيل متنوعة عن حالات عدوان واعتداء من قبل السلطات العراقية وقدم شرحا لتفاصيل المعاناة المتعددة الأطراف لمهجري بادينان ونحن ننقل هنا واحدة من حالات التهجير التي تمت بين شيخان وكاره كتبها أحد البشمركه الكرد واسمه ب. م. رشيد ونقلها المؤلف بتفاصيلها، قال رشيد:
في صبيحة الخامس والعشرين من تموز وكنا قد انتهينا تواً من طعام الفطور والساعة تقترب من السابعة صباحاً حسب التوقيت الصيفي.. حلقت مجموعة من الطائرات المعادية المقاتلة وأخذت تجول في سماء المنطقة تبعث أزيزاً مرعباً سرعان ما اتخذنا تدابيرنا الأمنية من اختباء في الملاجئ وتهيئة معدات تقليدية مضادة أو شبه مضادة للغازات السامة تحسباً من حدوث الأسوأ.. ولكن مقاوماتنا لم تسمح لها بالاقتراب من المقر قيد شعرة.. بينما سمعنا في لحظة دوياً كبيراً صادراً من القرى المجاورة للمقر على بعد (10) كم. في البداية لم نعر للدوي أهمية كبيرة.. واعتبرناه مسألة اعتيادية كسابقاتها من الأيام التي شهدت قصفاً من طائرات البلاتوز وغيرها.
وعند الغروب.. اختفت الطائرات بأزيزها المزعج.. وأصبحت الأجواء أمينة وخرجنا من سبات نهار كامل.. وصلت مجموعة من مواطني قريتي (سواري واسبينداري) المجاورتين فظهر على ملامحهم آثار الغازات السامة التي بدأت أعراضها تنتشر على أبدانهم.. من صداع وإحمرار في العينين وسيلان الدموع والتحول من قوة العقل الطبيعية إلى شبه طبيعية بعد أن برز ذلك أثناء الحديث معهم.. وهم يفيدون بوقوع قصف كيمياوي مركز وشديد في أكثر من عشر قرى في منطقة لا تتسع إطلاقاً لتحمل هذا الحجم من القصف الوحشي… حيث قصف في ذلك اليوم كل من قرى سواري، سبنداري، كفركي خريني، كانيا باسكا، صوريا، بي ئارينكي، بايبايكي، باني، هسنكاو.. في منطقة (به ري كاره ى) في معظم قراها. ومن الجدير بالذكر أن قرى منطقة (به رى كارەى) المواجهة لقضاء العمادية كانت قد تعرضت قبل يوم من ذلك التاريخ لقصف بالمدافع الثقيلة والاعتدة الكيمياوية راح ضحيته العشرات من الأبرياء، من أطفال ونساء وشيوخ وشباب.
وفي اليوم التالي هدأ الجو نسبياً وخلت سماء منطقتنا من أزيز الطائرات الملعونة، وكأن شيئاً لم يحدث فيما كان المرء يشعر بتوتر عموم الأوضاع.. وعند المساء.. وصلت برقية من المكتب السياسي توعز بوجوب إخلاء المنطقة من العوائل ونقلها إلى منطقة (الدوسكي العليا) والبرقية تخص محليتي شيخان وعقره.. وسرعان ما انهارت المعنويات وانتشر هذا الجمع الغفير من رجال البيشمركه.. المتأهبين للقتال والحرب.. ليلتحق كل واحد بأفراد أسرته وعائلته بهدف نقلهم إلى المنطقة المحددة.. وأدى ذلك إلى الانشغال والابتعاد عن واقع المواصلة وإلى إخلاء المواقع.. ولكن لسوء الحظة وقصر الوقت لم تنج هذه العوائل من قبضة النظام الغادرة والمخالب البعثية القذرة.. حيث تجمعت العوائل في سلسلة جبل كاره امتداداً من محلية شيخان حتى أقصى منطقة عقره وعلى ضفاف النهر الأزرق وهي في طريقها إلى النجاة الحقيقي.. بينما حوصرت ولم تتحقق أحلامها، وتخلخلتها قوات العدو من كل حدب وصوب وبدأت تكتسح قرى المنطقة بوحشية لم يسبق للتاريخ البشري أن شهدها بعد تخديرها بالغازات السامة.. وهنا تبدأ المعركة الفعلية الكبيرة.
بينما نحن في كاره نتابع عملية إخلاء المنطقة والجدير بالذكر إننا كنا مجموعة تتألف من ستة من أفراد البيشمركه ننتظر آخر عائلة لكي نتبعها نحو النجاة.. سمعنا صوت رجال على بعد 50 متراً أسفل المنحدر الذي كنا نسكنه.. في الوقت الذي لم تظهر أية علامات تشير إلى وجود بقايا العوائل في المنطقة.. ولما قابلناهم بخفية وحذر وجدنا أنهم من بيشمركة محليتنا وأصحاب عوائل.. فسألناهم عن الوضع، فكان جوابهم مخيباً للآمال وباعثاً للإحباط النفسي… حيث أفادوا بأن العوائل كلها محاصرة وتم الفصل بينهم في منطقة (كه ليى نيى) والبقية تراجعت إلى الخلف وتتمركز حالياً في الوديان والمنحدرات والمنخفضات التي تقع أسفل من موقعنا.. فعندما عدنا إلى رفاقنا وأوضحنا لهم الأمر.. قمنا بتفقد أحوالهم وأوضاعهم بأنفسنا فكانت لحظة حرجة ومأساوية حقاً..
ما الذي أفزعني حقاً؟
أفزعني شبح العديد من الأطفال الأبرياء الذين عانوا مشكلة الجوع.. ما أفقدني السيطرة على عواطفي ولم أجد نفسي إلا وقد تفجرت مقلتاي ودفع القلب حنجرتي إلى البكاء.. وأوعز إلى القدمين بالجلوس.. رأيت من بين أولئك الأطفال فراشات كالنرجس في زهو ربيعها لما ينقطع عنها الماء تذبل، فكانت حدقاتهم عند ذبولهم.. تتسع وأجسادهم تنحف ليتحولوا بعدها إلى مجرد هياكل.. تبعث الفزع واليأس والاضطراب.. مستلقية على قطع ممزقة من الأسرة والأغطية.. وحتى الكبار بدت على وجوههم سمات الهلع والخوف وشدة المجاعة وفقدان أية مادة غذائية سوى كمية ضئيلة جداً من الماء.. حيث أجتمعت مئات العوائل على (ينبوع ماء) لا يقذف سوى ما مقداره خمسة لتراث من الماء في كل (15) دقيقة.. حتى الماء أصبح مفقوداً في أحر أيام الصيف.. والعدو يتمركز حوالينا من كل طرف ولا يبعد عنا سوى عشرات قليلة من الأمتار يكثف إشعال النيران في نقاط تمركزه، وإن لم يكن بهذا العدد، لمحاربتنا نفسياً، وبعد مرور عدة أيام والناس رضخت للاستسلام الاضطراري، لا لرغبة في أنفسهم بل خلاصاً من هذا الواقع المؤلم.. حيث فضلوا الموت على حياة كتلك.. وفعلاً استسلم البعض وأعدموا في عين المكان والزمان.. رجالاً.. أما عوائلهم فقد نقلت إلى مكان مجهول لا يعلم به أحد..
وفي قرية (كريمي) وحدها أعدم 42 رجلاً على مقربة من القرية وفي قرية (كويزي) أعدم أيضاً رمياً بالرصاص (12) رجلاً آخر.. وبدأت موجات التتار تقرع الطبول للشروع في اكتساح المنطقة في إطار خطة مدروسة سلفاً..
وقبل الشروع (اصدر ما يسمى بالعفو الكاذب) فاستسلم ما تبقى من العوائل وغيرها، وبهذا خلا (كاره) من العوائل. ولم يبق سوى عدد قليل من المجردين على هيئة فصائل ومجموعات صغيرة قابلة للتغيير وتغيير المكان يومياً عدة مرات تجمع بينها كلمة سر قابلة للتغيير اليومي أيضاً.
إلى أن تجمعت بهدف ترك المنطقة والوصول إلى الحدود التركية إجابة لبرقية المكتب السياسي.
ونظن هنا إنه لا مزيد للحديث عن تفاصيل العذابات الأخرى فقد انتهى الفصل بهذا التقرير.
*يشمل الفصل الثاني تحليلات إحصائية لجداول أحوال اللاجئين وظروف لجوئهم وهي تفاصيل تستحق الدراسة والتأمل إذ تابعت العملية الإحصائية كل المهجرين في منطقة بادينان وأعدت على شكل 59 جدولاً فيما أعطى الفصل الثالث النتائج النهائية للتحليلات الأولية إذ بلغت مساحة الأراضي الكردية المتضررة 8842كم2 أي بنسبة 21% من كردستان العراق.
كما إن مجموع السكان المهجرين بلغ مليونا وربع وقد بلغ عدد الشهداء 1008 شهداء وشهيدة وعدد الجرحى 852 وعدد المفقودين 424 من جميع الأعمار ومن الجنسين.
إن كتاب الحملة (على بادينان وأوضاع اللاجئين) الذي أعده رؤوف عقراوي في زمن التهجير والموت القسري يشكل إضافة نوعية لكتب من هذا النوع اعتمدت التوثيق الإحصائي الميداني معتمدة على الوثيقة الصورية للتدليل على الجناية الكبرى التي ارتكبها النظام السابق بحق الكورد العراقيين وكل الشعب العراقی. [1]