الأحداث العالمية والإقليمية الساخنة والدور الكوردي الغائب !
#عبد العزيز قاسم#
يوماً بعد آخر، وكما هو ملاحظ تزداد حدة التصارع الدولي ثنائي القطب بين المحورين المتنافسين التقليديين، المحور الشرقي المتمثل بروسيا الفيدرالية والصين… ، والمحور الغربي الرأسمالي الاقتصاد والفكر، الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي(الناتو) ومما ألهب ذاك الصراع الملتهب أصلاً، وإحتدم أكثر، هو الغزو الروسي على أوكرانيا قلب الاقتصاد الزراعي العالمي وبلا منازع وبشكل منطقي ستمتد آثار تلك الحرب وبشكل واضح على الوضع السوري، السياسي والإقتصادي ودولاً عدة ولاسيما هناك تصارع دولي بين القطبين المذكورين على سوريا، وربما أكثر على مناطق غربي كوردستان …
وكما أسلفت في مقدمة المقال، فالصراع دولي ولا شكّ فإن دول إفريقية ستدخل في دوامات حلقات التصارع ذاك، وستتأثر إقتصادياً كتفاقم أزمة الغذاء أو حتى إنعدام الأمن الغذائي لدى العديد من دول الصحراء الافريقية وما يجر من سلسلة إنقلابات عسكرية مشبوهة، فالإقتصاد هو المحرك الأول والرئيسي لمدى استقرار الدول، وبالإضافة فدول الشرق الأوسط ليست هي الأخرى بمنأى عن الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي تترافق بإزدياد حدة المنافسة الإقتصادية على تقاسم الأسواق العالمية وتغيير الحصص السوقية للبلدان المتقدمة وتزايد حركة رؤوس الأموال والأخطر التنافس على رأس المال المعرفي المتمثل برأس المال البشري الخبير بعلوم ثورة تكنولوجيا المعرفة والاتصالات وهجرتها من دول الأطراف-النامية- نحو دول المركز -المتقدمة- وتتأثر معها عناصر الطلب الكلي من الإنفاق والإستثمار الكليين من الأطراف نحو المركز، وستمتد المنافسة على أسواق الاستهلاك، من الأسواق النفطية والمعرفة (التكنولوجية) والموارد الزراعية من القمح والبن والشاي والسكر الخام كالبرازيل، ووفق آليات العرض والطلب ستزداد وبرأيي حدة المنافسة الدولية بين المحورين المذكورين الغربي والشرقي، وما دامت الحصص السوقية لأسواق الاستهلاك لم تحسم نسبها بين المحورين بعد، فإنه سيستمر الصراع الدولي على أكثر من جبهة وربما ستصل الأمور لحد الاحتكاك المباشر، وما نشهده من استفزازات أمريكية-صينية في بحر الصين الجنوبي(تايوان) والشرقي.. وفي الأرض السورية… إلا نتيجة لإمتدادات الصراع المذكور… ولا شك أن دول القارة الأوربية وبحكم الجغرافية والتاريخ هي الأكثر متضررة من الحرب المذكورة، وباتت اليوم على دول الأطراف، كدول الشرق الأوسط ومنها معظم الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية ومصر ودول الخليج كالإمارات وسلطنة عمان أن تراجع خططها المالية إثر تقلبات سعر الصرف لعملاتها مقابل الدولار وبالتالي تقويم صادراتها ذات القيمة المضافة المتدنية جداً كالنفط وبعض المواد الخام الأخرى، بالسعر السوقي للدولار… وفي المحصلة فشل خططها التنموية وبدون قصد وما يرافق ذلك من عجوزات في موازناتها المالية ومن تضخم نقدي وإقصادي وأعباء هائلة على كاهل حكومات تلك الدول، وكما هو معروف أنه لا توجد حالة “الحياد” في الصراع الدولي وكما يبدو لي وبحكم العلاقات الدولية، ومهما نأت دول الأطراف كالمملكة العربية السعودية وغيرها أن تظهر “الحياد” فإنها حالة غير واقعية، وأبسط مثال: دول حركة عدم الانحياز_مؤتمر باندونغ 1955، فأين الحياد وسط ثورات المعرفة المتتالية والاقتصاد العالمي الجديد؟!!
فالتكنولوجيا حولت العالم لقرية مخترقة من جميع جهاتها!
وفي الصراعات الدولية وبحكم الجغرافيا فإن هناك دول مستفيدة كتركيا وإيران… وهما تسعيان لإطالة أمد الحرب الروسية-الأوكرانية وتتوهمان للعالم بأنهما تسعيان لتخفيف آثار تلك الحرب، ولا أدل على ذلك سعي تركيا الدؤوب نحو فتح الموانئ والأسواق، إثر القرار الروسي بتجميد إتفاقية الحبوب… ، وهي تسعى نحو تحقيق مكاسب سياسية وإقتصادية من طرفي الصراع المتنافسين (روسيا وحلف شمال الأطلسي) وبإستمرار الحرب المذكورة فتركيا وبدون شك ستحقق المكاسب المذكورة على دماء ومستقبل المنطقة وفي لعبة الصراع الدولي ذاك، وبمدى تطويق روسيا وعزلها إقتصادياً وسياسياً فالدولتين المذكورتين، تركيا وإيران ستستفيدان من ذلك، ومما يساهم في سعي روسيا نحو الاعتماد على إيران، وبمدى حنكة الإيرانيين وبراعتهم في لعبة التجاذب الدولي فهي مستفيدة من خلال الانشغال الغربي ولاسيما الأمريكي بحلقات النار الأوكرانية والمتجهة كما يبدو و نحو أوربا اللاهية بوضعها الداخلي…
فصادرات إيران من النفط والغاز لا يستهان بها و رغم التنافس بين روسيا وإيران على تلك السلعتين الخام، فالتعاون العسكري ومعها الإقتصادي سيزداد على المدى المنظور، وتسعى الولايات المتحدة إلى منع إستفادة إيران من عزلة روسيا، وما إتفاقيات “إبراهام” في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ما إلا في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وفي المحصلة عزل إيران أكثر فأكثر، إقليمياً من خلال تطويقها بدول متحالفة ودولياً عبر فرض عقوبات دولية عليها، إقتصادية وسياسية ومنعها من حضور المحافل الدولية وفضح ممارساتها القمعية في الداخل الإيراني والحد من تصدير مفاهيم الثورة الإيرانية لدول الإقليم كالعراق وسوريا والخليج وحتى السودان والمغرب…
وهذا الطوق الأمريكي يشمل حصاراً بحرياً لإيران في الخليج وفي مضيق هرمز، ولا أدل على ذلك هو تزايد وتعزيز القواعد البحرية الأمريكية في المنطقة ولاسيما قاعدة (السيلية) في قطر.
وللتصدي لمواجهات محتملة على شواطئ المحيط الهندي والخليج وكذلك لمواجهة ميليشياتها بالوكالة على السواحل الشرقية للمتوسط والخليج والبحر الأحمر، إضافةً إلى تعزيز دورها السياسي والعسكري في مناطق مختلفة من سوريا، كغربي كوردستان وشرقي الفرات والتنف وغيرها… ومن المعلوم أنه لا توجد عداوة للأبد في المعايير الدولية، بل مصالح متبادلة ومتجددة، فالتوازنات السياسية على الأرض السورية سوف لن تستمر على النحو الذي رسمته جلسات مفاوضات(آستانا) بين تركيا وإيران كدولتين محتلتين لأجزاء من كوردستان ولهما تواجد عسكري ومرتزقة موالون لهما، ويأتمرون بأوامر من أنقرة وطهران ووفق أجندات كلتا الدولتين الطامعتين في سوريا… وبين المفاوض الروسي، الراعي والمفاوض من قبل حكومة دمشق…
لعل وللأسف لم تتمكن الحركة السياسية الكورية السورية، أن تتمكن من لعب دور ما وكما يبدو لي فهناك أسباباً عديدةً لذلك ومنها : حالة الإنقسام والتشرذم والتشظي الذي تشهده الحركة السياسية الكردية، ليس فقط على المستوى الداخلي لأي جزء من كوردستان، أيضاً على المستوى القومي الكوردي بشكل عام، تلك السياسة التي ظلت أسيرة تحت رحمة السياسات الإقليمية، ولم تستطع حتى الآن وبالرغم من الإهتمام الأمريكي والأوربي وحتى الروسي أحياناً أن تتمكن من الخروج من حالة السياسة العنكبوتية للدول المحتلة لكوردستان، وهذا مبعث قلق كبير حول حاضر ومستقبل الشعب الكوردي، وإذا ما سمحت الظروف للدول المحتلة لكوردستان فإن من السهل إبادة الشعب الكوردي، ولاسيما بتطور أدوات الحرب الإلكترونية و منها الهجمات التركية بالطائرات المسيرة (الدرون) على المنطقة الكوردية و بشكل ممهنج.
و كما أرى فإن وحدة الحركة السياسية الكوردية الراهنة باتت ضرورة، لما لها من أبعاد مصيرية قومية ودولية، وأخص بالذكر وحدة الموقف الكوردي في غربي كوردستان ويقع ذلك على كاهل النخب السياسية المزعومة، فعليها الكف عن العمل بمنظور المصالح الحزبية والشخصية والمراهنات والتجاذبات والتبعيات العمياء وجله على حساب المصلحة القومية الكوردية، ونبذ سياسة التحالفات الفاشلة ومنطق البازار السياسي، فالسياسي غدا بمثابة تاجر حانوت ليس إلا !!
فبالرغم من عدم وجود رؤية قومية واضحة لدى الأحزاب الكوردية والتبعية والفشل والفساد المالي والأخلاقي الذي تعيشه تلك الأحزاب، ناهيك عن ثقافة الإقصاء والاستبداد النخبوي لمراكز القرار الحزبي والجمود العقائدي حولتهم لدكاكين حزبية، فالتاريخ لا يرحم، ففي المرحلة المصيرية لابد من تحالفهم وتوحيد صفوفهم الأمر الذي قد يصبح عاملاً لتعزيز الدور الكوردي جماهيرياً وسياسياً وعسكرياً وبالتأكيد سيعزز ذلك من دور الجالية الكوردية في المهجر، ويصبح عاملاً لتعزيز دور الشعب الكوردي في المستقبل السوري، ووضع القضية الكوردية على طاولات المفاوضات الإقليمية والدولية، وبخاصة في ظل الاهتمام الأمريكي بالمنطقة الكوردية و تحالفها مع الپێشمرگە وقوات (قسد) .
وهناك ضرورة ملحة في توحيد الجالية الكوردستانية في المهجر الأوربي والأمريكي ولاسيما (الكورد السوريين) اللذين باتوا كقوة بشرية عاملة في ميادين الأعمال والأنشطة، و يمكن عدها بمثابة رأس مال بشري لا يستهان بها، وبالطبع فإن أي تفاهم كوردي-كوردي، في رۆژئاڤاي كوردستان سيساهم في تعزيز هذا الدور الكوردي الغائب لدى أصحاب القرار في عواصم الدول الأوربية وأمريكا وكذلك سيكون عوناً للشعب الكوردي في عموم أجزاء كوردستان.
[1]