ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان - الجزء الثامن والأخير
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5542 - #05-06-2017# - 10:46
المحور: القضية الكردية
استنادا على المقال في الحلقات السابقة، نرى:
1- بأن الحركة الكردية السياسية هزيلة مقارنة بالقوة الخام الهائلة للشعب، والذي يملك الإمكانيات الثقافية والحضارية ربما لقيادة الشرق الأوسط.
2- وأنها وخاصة الأحزاب المدعية تمثيل الشعب يخضعون لقوى خارجية لا تسمح للشعب باستخدام قواه الخام.
3- من أوائل مهامهم التحرر من هيمنة السلطات الإقليمية، التي جعلتهم مهترئة ومنبوذة من أغلبية المجتمع، بل وحتى من مؤيديها.
4- بأنها تحتاج إما إلى إعادة تكوينها، بدءً من القيادة إلى نهجها في العمل، أو التخلي عن الادعاء بتمثيله، وإلا فستبقى منبوذة، وقد يأتي اليوم الذي سيحاسبون فيه على ما أوصلوا إليه الشعب والقضية.
5- ومن أولى مهام الشعب مواجهتهم، بشكل أوضح، وتذكيرهم بأنهم مهما حصلوا على الدعم من السلطات الإقليمية وفرضتهم كممثلين عنهم، فسيظلون دون سوية تحقيق مطالب الأمة.
6- وفي هذه المرحلة يتوجب على قيادة ال ب ي د والإدارة الذاتية، والمجلس الوطني أو الأحزاب الرئيسة فيه، أن يراجعوا حساباتهم مرات ومرات، والمرونة في التعامل بين بعضهم، ويدرسوا ما يجري في الكواليس الدبلوماسية، ويقتنعوا بأنهم هم على هذه السوية، لن يتمكنوا من مواجهة اللوبي التركي-العروبي-الفارسي في أروقة الدول الكبرى، وبالتالي هؤلاء سوف لن يسمحون لهم تسخير قوة شعبهم، حتى ولو كانت القوى الكبرى تستخدم قوة شعبنا العسكرية في مواجهة الإرهاب.
ولمواجهة هذه الإشكاليات يتوجب:
1- تهدئة المخاوف الإسرائيلية من التمدد الإيراني عن طريق جغرافية جنوب غربي كردستان.
2- على القوى الكردية المهيمنة والمعارضة الاتفاق على نقاط معينة، كتلك التي ستمدهم ببعض الإمكانيات الذاتية للتحرر من إملاءات السلطات الإقليمية، ونقصد هنا الإدارة الذاتية والحزب الحاكم ال ب ي د، والمجلس الوطني الكردي وأحزابه، والقوى الأخرى خارج الطرفين، والذين هم في الواقع الفعلي يمثلون قوة الشعب الحقيقية، وهي كامنة بسبب الظروف، وعلى خلفية مصالح الأطراف مع الأحزاب الكردية المفروضة عليها التصارع على الساحة، وهذه الخطوة، ستعطيها القوة لأخذ موقف أكثر جرأة مع أمريكا وروسيا عند عرضهم لأجنداتهم، وبالتالي تقديم متطلباتهم مقابل الخدمات.
3- تناول القضايا الكردستانية الداخلية بعيدا عن الأنا العليا، والسيطرة الحزبية، المسنودة في معظمه من أطراف إقليمية، ومن الحكمة وجود الأحزاب المعارضة، مهما كانت هزيلة، أو مهشمة، مقابل الإدارة الذاتية، وتناحرهم تحت غطاء المصالح القومية، ستضعف دورهما، وبشكل خاص سلطة الأمر الواقع، في محافل القوى الكبرى، وفي مواجهة الأطراف الإقليمية المحركة وبشكل سلبي قضيتي، شنكال ومحاربة الأحزاب في غربه، ففرض الذات من خلال الظروف الأنية الملائمة ستؤدي إلى صراع داخلي، قد يمتد يوما ما إلى داخل المنظومة ذاتها، وبشكل عام لن تزيدهم قوة، لا داخليا ولا خارجيا، والمستفيد الأول والأخير هم أعداء كردستان وأعداء المنظومة أيضا، وستزيد من هيمنة أولئك الانتهازيين الذين تسلقوا وبسرعة داخل المنظومة.
4- علينا جميعا أن ننتبه أن العلاقات الدولية في المنطقة، ومن ضمنها الكردستانية، في تغيير دائم ومتسارع، وحسب الظروف التي تمر فيها منطقتنا، وهذه بحد ذاتها ستؤدي إلى تبديل في مراكز القوى الكردية والكردستانية، ولا يستبعد أن يكون صاحب سلطة الأمر الواقع اليوم، أن يكون في موقع المعارضة غداً، وهو ما يحثنا أن نذكر الإخوة أن خير علاج لهذه المعضلة الوقوف على خطوط التقاطع مع الحفاظ على نقاط الخلاف. فبدراسة بسيطة للتاريخ القريب للثورة الكردية في جنوب كردستان، وما يجري اليوم في غربه، نجد تشابها بين مجريات الأحداث، مع اختلاف في أماكن القوى الكبرى، فأمريكا والاتحاد السوفيتي حينها كانا في جهتين مختلفتين، آنذاك حاول السوفييت التوفيق بين حكومة عبد الكريم قاسم والثورة الكردية، وقائدها الذي كان قد عاد لتوه من مهجره في موسكو، وأمريكا كانت تهتم بأجنداتها في الجوار، ولم تهتم بالقضية الكردية إلى أن تعمقت السوفييت مع العراق في معاهدة الصداقة أيام البعث. واليوم أمريكا تحاول التوازن بين حليفتها التاريخية تركيا وحليفهم المفاجئ ال ب ي د والذين وحتى اللحظة لا يسمونهم بأكثر من (المتمردين)، وروسيا في المنطقة لديها تكتيكها في الجوار، أو على كلية سوريا، وقد شاهدنا كيف انقلبت من داعية للحوار وتقبل القوة الكردية في منطقة عفرين، إلى متهم على الإعلام حول العمليات الجارية في منطقة الرقة، حتى ولو كانت تفوح منها رائحة استدراج لقوات داعش من الرقة. كما ويجب ألا يغيب عن ذهننا أن الاتفاق ما بين روسيا وأمريكا وعلى الأساسيات شبه منتهية، وسيستندون على القوة الأكثر تماسكا في المنطقة، لذلك يتطلب من الشعب الكردي زيادة الضغط على الأحزاب للتخفيف من التلاسن والتخوين والصراع بينهم.
5- التوافق على مبدأ السلطة والمعارضة، والتعامل الحضاري، ضمن مجلس يجمع كل الأطراف، فبدونها لا يستبعد انهيار معظم المكتسبات مستقبلاً، ولن يكون هناك نهاية ناجحة. فالانتصارات الحزبية لا تندرج ضمن الحيز الكردستاني، والتاريخ خير شاهد، وكثيرا ما ظن أجدادنا بأنهم منتصرون في ثوراتهم المحصورة ضمن جغرافيات محددة، لكن تبين بأنه كان صعودا وهميا لقوة قبلية، أو لمجموعة على حسب أطراف كردية أخرى، فسقطوا وسقط معهم الأخرون، بل وفي كل مرة حدث تراجع مؤلم للحلم الكردي. فالاعتماد على الأطراف دون الذات الكردية-الكردستانية، والتغطية على إملاءات القوى الإقليمية، ستؤدي بنا إلى نتائج أجدادنا.
6- التخفيف من ديمومة الصراع الداخلي، وبالتأكيد ليس سهلاً، لأنه من مصلحة القوى الكبرى تعميق الاختلافات الحزبية، وتعميتها بالنظريات شبه الطوباوية، أو المناهج الحزبية الكلاسيكية. فالصور النمطية المترسخة عن نضال أحزابنا كثيفة، وتحتاج إلى جهود ضخمة، وعمل شاق ونقاشات طويلة وحوارات حادة قبل إقناع بعضنا بسلبياتها، ولنقتنع بمنطقية انتقادات الأخرين وصحة رؤيتهم لا بد من تحرك جماهيري ليبينوا لهذه الأحزاب أخطائها وضعفها. دونها ستنعدم قدرتنا على خلق التوازن بين متطلبات اللحظة والمستقبل، والتي للضحالة السياسية، والفكرية لدى الأطراف الحزبية المتنازعة، وضعف الرؤية المنطقية والجمود الفكري دور كبير فيه، وسيظل قادة الأحزاب، حملة راية الصراعات، حالمين أن تقدم لهم الدول الكبرى خبرة ومساعدة على المستوى السياسي مستقبلاً، ويكونوا هم السند في حال حصلت مواجهة مع السلطات الإقليمية، وفي مقدمتهم سلطتي بشار الأسد وتركيا، فالأول وكما يعلمه شعبنا المتواجد في المنطقة لا يزال يتحكم بمصيرها بشكل مباشر أو غير مباشر، وقواته الأمنية أو العسكرية، لا يزال يحتل تقريبا نصف منطقة الحسكة وقامشلو، مدينة وريفاً، ومناطق أخرى اسمية تابعة للقوات الكردية لكنها قلبا مع السلطة، والأخرين يخدمون بشكل أو آخر الأطراف الإقليمية الأكثر عداوة للقضية الكردية حتى ولو كانت تحت تكتيك سياسي دبلوماسي ضحل.
ولا شك أن الأطراف الحزبية، بدءً من بعض قادتها، إلى الانتهازيين والمنتفعين من ورائهم، هم أول من سيستهزئون بهذه الانتقادات، ولربما في أفضل الأحوال سيعرضونها كنصائح طوباوية، معادية للسلطة الحاكمة، والأحزاب المعارضة، فلم يعد غريبا، رغم كل خلافاتهما، لكنهما يلتقيان على هذا الخط، ويحشدون الرعية الساذجة للوقوف في وجه المنتقدين، ويجندون شريحة من الكتاب مهمتهم توسيع هوة الخلافات، وتصعيد الفتنة الداخلية، ومن المؤسف أن الأقلام المحرضة للفتنة في تزايد.
كما وأن وهناك مجموعة متنفذة بين الطرفين يتفقان أيضا على مهاجمة الكتاب الكرد، ومنوريهم، ويعتمدون على الانتهازيين ويزداد تعاملهم مع مجموعة تجار الحروب، وتجار الأسواق السوداء، والمتكالبين على موائد القوى الإقليمية، ولهذا فإننا نحض الشريحة الوطنية في الأحزاب، قادة أو قاعدة، دراسة كل الانتقادات، والتوقف على كتابات الحركة الثقافية الواعية، وخاصة تلك التي تقلل من هوة الشقاق، وتخفف من الخلافات بين الأطراف.
فمثلما يتطلب من الشعب مواجهة السلطات المحتلة، تقع على عاتقهم الحد من تجاوزات الحركة السياسية والأحزاب، إما بتصحيح مسارها أو إعادة تكوينها. ومن مسؤوليات الحركة الثقافية البحث عن 12 فيلسوفا الذي سأل عنهم فولتير، لتنمية وعي المجتمع، ودراسة الواقع، وردم شرخ الخلافات بين الشعب التي خلقتها الأحزاب وبإملاءات خارجية، فحركة الإصلاح والتقييم والتنوير، وإعادة الثقة بالذات الكردية والكردستانية، وبقوته الخام، يمكن أن يقودها حفنة من المثقفين الوطنيين وبدعم من الشعب.[1]