ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان - الجزء الأول
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5519 - #13-05-2017# - 01:19
المحور: القضية الكردية
قال فولتير يوما إذا كان اثنا عشر من صيادي الأسماك الأميين قد أقاموا المسيحية، فلم لا يستطيع اثنا عشر فيلسوفا أن يقضوا على تعاليمها وعلى محاكم التفتيش... فهل بيننا نحن الكرد من يملك مثل هذه القدرات؟ لإنقاذ جنوب غربي كردستان.
طويلا جانبنا التطرق لقضايا الأحزاب الكردية في غربي كردستان، ومشاكلها الداخلية، وبالمقابل وقفنا على هيمنة القوى الإقليمية عليها، وإملاءاتها، وأساليب تسخيرها لأجنداتها، ووصلنا إلى قناعة بأنه في حكم شبه المستحيل التغيير في مجريات الخلافات الداخلية الحزبية، دون التأثير في مصادر الأمر والنهي. ورغم أن أغلبية الذين يقودونها هم شخصيات وطنية، لكن معظم قراراتها، كأحزاب، وأحيانا كشخصيات، تملى عليهم من القوى الإقليمية، ومربعاتها الأمنية، وهي نابعة من ظروفهم الداخلية، ومعاناتهم، وإمكانياتهم المادية الشحيحة، والفترة الطويلة التي كانوا فيها تحت هيمنة سلطات شمولية استبدادية، والتي جعلت من غالبية قادة الأحزاب أصحاب إمكانيات ثقافية-سياسية لا ترقى إلى سوية قيادة شعب كالشعب الكردي وطاقاته الضخمة، وعلى أثر تلك الخلفيات، فإن نتاجها والحركة الكردية بهذا الهزال مقارنة بطاقات الشعب الكردي، وستستمر كذلك إن ظلت على ما هي عليه، ولم تحاول بطرق ما التحرر من سيطرة الأطراف، خاصة وأن الظروف الدولية اليوم أكثر من مواتية.
والأن، وعلى خلفية مجريات الأحداث، والتي بعضها مصيري، كالأساليب المستخدمة الحديثة للسلطات الشمولية المحتلة لكردستان لاستمرارية هيمنتها، والمد الشيعي من خلال الجغرافية السياسية الكردية، وعداوة الدولة التركية، والأهم الأن التصريحات التي تطلقها المؤسسات الأمريكية، السياسية والعسكرية، حول القوى الكردية المسخرة لأجنداتها، وبشكل خاص في جنوب غربي كردستان، والدروب الملتوية، التي تسلكها الحركة الكردية والكردستانية والمؤدية إلى التعمق في التيه، وجدنا ضرورة إعادة النظر في قرارنا، حتى ولو كانت لهذه الفترة على الأقل، أملين تبيان بعض الإشكاليات، وتأويلها للأخوة في الأحزاب، علهم يعيدون حساباتهم، ودراسة الدروب الخاطئة التي يسلكونها. ولا شك، لا ندعي الكمال في رؤيتنا.
كانت تلك الأفكار المثيرة التي ضج بها فولتير أوروبا، بداية النهضة الغربية، وتغيير البنية الثقافية في المجتمع المسيحي الأوروبي بل وفي العالم، حملت رايتها شريحة من المثقفين التنويريين، الذين أصبحوا نواة الحضارة الجارية، وهي المجموعة التي ملكت الثقة بالذات، وعرفت كيف تستخدم تراكمها المعرفي في دروبها الصحيحة، والتركيز على الأساسيات دون تناسي الثانويات.
تلك الخواص هي التي نحتاجها كحركة كردية-كردستانية، الثقة بالذات، وبإمكانيات الشعب الكردي القادر على تصحيح مسار الحركة بشكل عام وخاصة السياسية، وتنويرها، للتحرر من حالة التشتت والتيه ضمن صراع الأحزاب، التي ليس فقط تضعفنا بل وتهد من الحركة السياسية، وتذلها، وتسهل إرضاخها لإملاءات السلطات الإقليمية، وتجر ورائها شريحة واسعة من الحركة الثقافية. وللعلم فإننا ننأ بنفسنا من التهمتين اللتين أصبحتا العمود المستند عليه كل طرف في تهجمه على الأخر: التخوين، والتشكيك بهوية الكردي الأخر.
لتكون الحلول منطقية، لا بد من إعادة النظر في الماضي القريب للمجتمع الكردي ووعيه كشعب، أو كأمة متماسكة، قبل البحث في الحيز القومي وتشكل الأحزاب السياسية الكردية. فقد مر الشعب الكردي بمراحل تاريخية عديدة، بدءً من أجداد كانوا أصاحب حضارات، إلى إمارات تديرها نخب كردية، إلى أن سقط كشعب وجغرافية تحت هيمنة سلطات استبدادية، فرضت عليه العزلة، المؤدية إلى تراجع في الوعي الثقافي، وبالتالي إلى ضحالة بالمفاهيم التي تبنى عليها الكيانات السياسية، والمؤسسات الحكومية، فسيق الشعب الكردي تحت عباءة التبعية المطلقة للكيانات الاستعمارية لكردستان، وأشعلت بينهم منطق الصراعات القبلية، والسيادة المحلية المنفصلة عن الكل، فتشكلت بيئة فقيرة بوعيها، نبعت منها النخبة الثقافية أو السياسية اللاحقة، فكانت تبعيتها وبشكل عام للسلطات المحتلة، ونادرا ما كانت تتجه بالتفكير لإقامة كيان كردي مستقل حتى عندما حانت لهم بعض الفرص، وخاصة بعد فترة القضاء على الإمارات وإحلال الولايات المركزية مكانها، أي المراحل التي فاقمت السلطات فيها التعتيم، وضيقت الخناق على النخبة، وفرضت عليهم التبعية المباشرة، مستخدمين فيها عامل الدين والمذاهب، وفي القرن الماضي، الوطنية المزيفة.
عندما تمت تشكيل الكيانات السياسية-الجغرافية في المنطقة، على خلفية تقسيم مكونات الإمبراطورية العثمانية، أهمل وبشكل متعمد الكيان الكردستاني كجغرافية مستقلة متساوية مع الأخرين، وجميعنا نعلم بأنه رغم ورود ذكر كردستان في بعض المحافل الدولية وحقوق الكرد، في الحوارات، إلا أنها ظلت ضمن السجلات، ولم تنقل الفكرة أو حتى البنود الهزيلة والفضفاضة التي تمت الموافقة عليها إلى الواقع العملي، وذلك لسببين:
الأول العامل الذاتي، والذي ذكرناه سابقاً ضحالة الوعي الكردي العام، كما وأن النخبة التي تم التعامل والتباحث معها حول إنشاء كيان سياسي كردستاني، كانت دون المستوى المعرفي في الدبلوماسية، وتشكيل كيان كردستاني مستقل، وعقد الصفقات، وتبيان المصالح المشتركة، ولم تكن لها الخبرة الكافية في تبيان قدرتها على إدارة الدول، والبعض الذي كان يمتلك تلك الصفات، إما أنها كانت تجد ذاتها ضمن الكيانات السياسية المحتلة لكردستان، أو تمت محاربتها، من قبل الشريحة الأولى، أو من شريحة ضمن المجتمع الذي كان لا يزال في عزلة قبائلية، انتماؤها المطلق كانت للسلطة المركزية، على خلفية ضحالة وعيه بذاته كشعب، والفبركات التاريخية الملتصق بالعامل الديني، لذلك فأغلبية الشعب ومجموعة واسعة من النخبة كانوا ضد إقامة كيان كردستاني مستقل، وبروز البعض بمواصفات أخرى كانت معظمها نابعة من مصالح ذاتية غارقة في الانتهازية، وهذه أدت إلى السبب الثاني، وهو:
العامل الخارجي، الدول الكبرى، وخاصة المستعمرة لكردستان، فقد تضاربت مصالحهم مع المجتمع الكردي المتنافس بين بعضه، وكانوا يقيمون وضع المنطقة من خلال مصالحهم الأنية، فركزوا في علاقاتهم على شريحة من الكرد، سهل القيادة والتسخير، وكانوا على وعي وتراكم معرفي ضحل، وبعضها جاهلة بالعلاقات الدولية، فكانت الأخطاء من جميع النواحي.
وعلى خلفية العاملين، تأذت كردستان وشعبها، منذ تلك المرحلة، وحتى الأن، والأجيال تدفع ثمنها، حيث سخط سلطات الدول المحتلة لنا...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]