اللغة الكردية، ومآلات تدريسها في جنوب غربي كردستان اللغة هوية قومية وليست أممية -2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5545 - #06-08-2017# - 22:05
المحور: القضية الكردية
بقدر ما يهمنا، عملية التدريس باللغة الكردية في جنوب غربي كردستان، بأفضل الأساليب والطرق، وتطبيقها بأقل السلبيات، يهمنا معرفة من يعبث بها إما بتخطيط، وهي مصيبة، أو بجهالة، وهي كارثة. فمن ضروريات المرحلة التوقف على الحالتين، لإنجاح المسيرة من جهة والحد من تأثيراتهم السلبية على بناء مستقبل التدريس في كردستان من جهة أخرى. فعلى قدر الإمكانيات (لا شك قدرات شعبنا الكردي هائلة، فيما لو اتفقنا على بعض نقاط التقاطع) لا بد من إعادة النظر، بين فترة وأخرى، وعند بداية كل سنة دراسية، في المواد، وأساليب التدريس، بعيدا عن الانتماءات الحزبية، ولا بد من تقييم اللجان المشرفة على عملية التدريس، فهي قضية مصيرية تهم شعباً وجغرافية، وتاريخا، ومن المهم، العمل معا لتفادي الأخطاء قدر الإمكان، وإنقاذ الأجيال القادمة من تراكمات العقود الماضية.
وعلى الإدارة الذاتية والأحزاب القائمة عليها، والأطراف الكردية المعارضة لها أن تقتنع، أنه بدون العمل المشترك، نسبة النجاح في أية قضية قومية، وخاصة في مجال اللغة، بكل إشكالياتها، من التدريس إلى تطويرها أكاديميا، إلى الحيز السياسي، ستكون هزيلة، إن لم تكن كارثية، في واقع التشتت الجاري، أو على الأقل بدون نوع ما من الاتفاق، ولا بد من البدء اليوم قبل الغد. وعلى الأطراف الكردية المعارضة سياسياً أن تدرك أنها في حيز ما تشارك في نجاح أو فشل هذه المسيرة، ولا يهم أن كانت برفضها أو عدم المشاركة، أو دمج الصراعات السياسية في قضية التدريس باللغة الكردية، والتي لا يمكن تأجيلها مثلما لا يمكن تأجيل مسيرة تكوين كيان سياسي-جغرافي كردي.
لسنا هنا بصدد عرض نظريات اللغة، أو تقديم نظرية حديثة، كما تفضل بها أحد مسؤولي الإدارة الذاتية، في مقالة له، رغم المقدمة القيمة والطويلة مقارنة بصلب الموضوع والذي لم يتجاوز مقطعاً يتيماً في نهايته، وعلى الأغلب، كانت له منها مقاصد دعائية وهجومية مبطنة أكثر ما تكون دعماً للمسيرة الدراسية أو الثقافية، فما كتب فيها، وخاصة في المقطع الرئيس فيه، لم تتجاوز سطحية الرؤية، والتباهي بعملية التدريس الجاري، علماً بأنه فيها من الأخطاء ما لا يحمد عقباه. ورغم تعرضه للمحاور الفكرية، والمفاهيم، على قدر سطورها، لكن من خلالها تم التحايل والتعتيم على السلبيات، فإن كان مقصودا فهي جريمة، وإن كانت عن غاية، كالدعاية للحزب، فالجريمة مضاعفة. إلى جانب الخلط بين الأممية واللغة، وجعلها كهوية حديثة العهد، ليخرج بعرض هزيل فكرياً، إن لم يكن عاجزاً، وسيكون كارثياً في المستقبل القريب، وسيدفع ثمنها الأجيال القادمة، والغريب أنه أن بدأ بسلاسة منطقية حول ما عانته وتعانيه اللغة الكردية في جنوب غربي كردستان، لكنه أنتهى إلى الضحالة.
فكان الأولى به اختتام مقاله، وكمسؤول في الإدارة الذاتية، دعوة الشريحة الاختصاصية، والاكاديميين، للبحث في القضية القومية والوطنية هذه، لدراسة سلبياتها وإيجابياتها، وتطويرها وتنميتها، لكنه وللأسف عرض مصطلحات متناقضة مع تنمية اللغة الكردية كهوية قومية، وحيث البعد التدريسي، المجال أو القطاع الذي يعد من أحد أهم المعضلات الدائمة الحضور في العالم الحضاري، يبنون عليها آفاق مجتمعاتهم ومستقبل دولهم. ومن الغريب أن صاحب المقال وحسب السؤال عنه لا خلفية له في المجال التدريسي، ولا في الحيز الثقافي، ولا في نظريات اللغة، ومحاولة عرضه للقضية ليست بناقصة، ومقاله لا خلاف على سرديتها، لكن ما يؤمل منه كسياسيي بعد عرض القضية والتحليل، ترك المجال للمختصين بالبحث فيها، وتقديم الدعم لهم، كمسؤول إداري، وعدم الخلط بين الإيديولوجية والتدريس.
تحتاج الإدارة الذاتية إلى تمهيد طويل وشاق، كإقناع المثقفين والسياسيين، وتهيئة المجتمع وخاصة أولياء الأجيال الذين يتم تدريسهم، بالحوارات والمؤتمرات، وعقد الاجتماعات الدورية، والتركيز على أن تطوير التعليم بلغة الشعب الكردي، من ضروريات التحرر، ولا بد من القضاء أو إزالة المترسخ في لا شعورهم، منذ قرون، من الصور النمطية عن التدريس بلغة المحتل، والمتراكمة في ذهنهم من المعارف بمراجع لغة المحتل، والتي لا يعرفون غيرها، ولا يملكون خلفية فيما إذا كانت هناك مكتبة كردية، أو مراجع باللغة الكردية، ستساعد أولادهم مستقبلاً على الصعود إلى السويات الثقافية العالمية، أو أنهم سيتمكنون من مجابهة العالم بمهاراتهم، وهل سيجد الجيل القادم بلغتهم هذه المشاركة في المجتمعات العالمية، وهل ستكون اللغة الكردية لوحدها كافية على تكوين اتصالات مع أفكار وثقافة العالم الخارجي. هذه وغيرها ترافق أولياء الجيل الذي يفرض عليه التعليم باللغة الكردية، دون اللغات الأخرى وبشكل قطعي، إلى جانب شريحة من المجتمع المجاور له سيكون على بنية مغايرة، من التراكم المعرفي والمجالات المفتوحة له، ولنكن واقعيين، فالكل على علم، أن الكردية لا تزال دون السويات العالمية من حيث الذخيرة الكمية والنوعية.
علينا جميعا الاشتراك في مسيرة تدريس اللغة الكردية، في المنطقة المأمولة أن تحصل على اعتراف إقليمي ودولي بها كنظام فيدرالي، لذلك من واجبنا التقييم وعرض الآراء، فكل محاولة حديثة العهد قابلة للنقد وعرض الرأي الآخر، فلا بد من الحوار، وتوسيع حلقات النقاش لإغنائه، فهي أول تجربة في جنوب غرب كردستان، وكل مشاركة لا بد وإنها ستكون مفيدة في حيز ما، ورفضها بأية حجة، أو تقديم التجربة وكأنها خالية من السلبيات، ستزيد من الأخطاء.
الأخطاء موجودة، ولا أحد يستطيع إنكارها، ومن ينكرها يخدع ذاته قبل المجتمع، فحتى الدول الأكثر تطورا لا تزال تجدد في أساليب التدريس لديها، لإزالتها من الشوائب والسلبيات، ونادرا ما لا تحصل في الخطوات الأولى ضمن أي عمل، فليست هنا المعضلة، بل التغطية على الأخطاء الجارية للبنية التدريسية في المجتمع الكردي لجنوب غربي كردستان، بأن العمل جار على تصحيحها، والتمسك بالرأي الانفرادي لوضع الحلول المناسبة، هي لب المشكلة، لأنها تكرس وتزيد من الأخطاء ولا تقللها، فالأسلوب الذي يتم فيه التدريس يحتوي على سلبيات عديدة، والمسيرة تحتاج إلى متخصصين في كل المجالات، وطرف سياسي دون كلية المجتمع والأطراف الثقافية لن تتمكن من إنقاذ الأجيال القادمة من الكارثة الثقافية. إلى جانب ذلك هناك أخطاء تكنيكية إدارية بإمكانهم وحدهم تفاديها وتصحيح ما تم، عند إعادة النظر ونقد الذات بشكل صادق وعملي، فعلى المسؤولين القائمين على الحقل التعليمي والثقافي بشكل عام أن تدرك بأن عزل شريحة واسعة من المدرسين السابقين، وحصر التدريس بحد ذاته في مواد ضيقة المجالات، وبسند كادر تم تخريجهم بدورات قصيرة، وغيرها من القضايا المصيرية، لن توصلهم إلى نتيجة ناجحة، وقد تؤدي إلى كارثة ثقافية بين الكرد لا تقل عن الكارثة الديمغرافية الاقتصادية السياسية التي تعاني منها جنوب غربي كردستان.
ولا تعني هذا بأن ما يحدث في روج آفا (جنوب غربي كردستان) بدءً من طريقة تدريس اللغة الكردية، إلى المسيرة بحد ذاتها لا تحمل جوانب إيجابية، لكن الطريقة التي تطبق فيها، والخلط بين الأممية والقومية، وحصرها في بدعة إيديولوجية، أي كانت مفاهيمها، وتشويه برامج التعليم على أسسها، تعتم على الإيجابيات، وتفاقم من السلبيات التي لن تزيله عهود قادمة من التصحيح، خاصة وإن استمرت بهذه الطريقة ولم يتم تفاديها بأسرع وقت ممكن، وللبشرية في هذا الحيز أمثلة عديدة، أممية وقومية، كتجربة الاتحاد السوفيتي، والنازية والبعث، وغيرهم، وكانت نتائجها كارثية.
فمحاولة كتابة تاريخ جديد للمنطقة، وعرض خطط التدريس، دون دراسة الماضي، وطريقة الإلغاء المطلق للمرتكزات الثقافية والتدريسية للطلاب والمجتمع، وغيرها من القضايا المهمة في مجال التدريس باللغة الكردية، تجردها من المحيط الخارجي الإقليمي والعالمي، ولا نظن بأنها ستتمكن من بلوغ المستويات الأكاديمية، كما وبهذه المفاهيم الإيديولوجية سيلغون كل النظريات والتطبيقات العملية السابقة في تدريس اللغات، وسيخرجونها من حقلها القومي، ولن يصلوا إلى الحقل الأممي الذي ليس له وجود.
وكرأي، هناك نقاط يمكن طرحها، لا شك لست متخصصا في هذا المجال، ولكن وعلى خلفية الخبرتين التدريسية والدراسية في دول مختلفة الأنظمة، والاطلاع على مراجع عديدة في هذا المجال، وإن لم استشهد بهم هنا، ولأسباب، نرى بأن.
1- يجب بناء مركز خاص للترجمة، مع موظفين مفرغين دائمين، للترجمة من جميع اللغات إلى الكردية، مع توظيف متخصصين بقواعدها، ومجموعة من المنقحين، والأهم وقبل كل شيء، ترجمة جميع كتب المواد الدراسية الرسمية في سوريا إلى اللغة الكردية، وتنقيحها والاستفادة منها، لتكوين مواد دراسية رسمية باللغة الكردية ولجميع المواد العلمية والأدبية.
2- اللغة الكردية لا تزال في حيزها العام، وبسبب عوامل عديدة معظمنا يعرفها، في أطوارها الأولى، وليست على سوية الاستناد الكامل عليها في الصفوف المتأخرة من المراحل الدراسية الأولى، وبعيدة عن الدراسات العليا، من حيث تأمين المصادر والمراجع، وتكوين ثقافة عامة، لذلك تحتاج إلى لغة عالمية موازية لها يجب أن تدرس للطلاب، على الأقل بعد الصف الثالث الابتدائي.
3- لربما قد يسد هذا النقص، الاستناد على الخبرة التي تحملها الجزء الجنوبي من كردستان، وحركة الترجمة التي قامت بها على مدى العقود الماضية، رغم اختلاف اللهجات، وهذه ليست معصية على الحل، لكن الإشكالية في تضارب الإيديولوجية المبنية عليها جنوب غربي كردستان والرافضة لمفاهيم جنوبها، تضعف من هذا السند، ونأمل أن نكون على خطأ.
4- لا يشك أن هذه هي المرحلة الابتدائية، وجنوب غربي كردستان بحاجة إليها لإنقاذ اللغة الكردية، وتكوينها على أسس علمية، لتبلغ سوية التدريس في المدارس، ودائما الخطوات الأولى اصعبها، ومليئة بالأخطاء، ولكن عدم الاعتراف بهذه الأخطاء، ومحاولة تفاديها، وعدم مشاركة الأخرين في العملية ستؤدي إلى فشل المرحلة الابتدائية هذه أيضا. وبصريح العبارة فرض رؤية واحدة، وسياسة استبدادية، من قبل الحزب الكردي الحاكم، تحت صفة الإدارة الذاتية، أو حتى الفيدرالية القادمة، في التدريس، حظوظ الفشل فيها أكثر من النجاح. وهنا أيضا نأمل أن نكون على خطأ.
5- ما يجري في مدارس جنوب غربي كردستان، وخاصة في القرى والحارات الكردية ضمن المدن، كارثية، وهنا نستند على مصادر موثوقة ومن قرى ومناطق عديدة، فنسبة التعليم لا تتعدى ثلث المتبقي من الطلاب، وأغلبية المدرسين السابقين تم الاستغناء عنهم، والشريحة التي تقوم بالتدريس لا تملك، لا خبرة في التدريس ولا معرفة واسعة باللغة الكردية، على الأقل على سوية مدرس (ة) ولا شك في هذا استثناء وهي نسبة جداً ضعيفة، والقضية هنا لماذا تم الاستغناء عن المدرسين الكرد؟ وما الخطأ لو قاموا بتدريس الطلاب باللغة العربية أو تدريس الكتب العربية باللغة الكردية؟ والسؤال كيف تدرس المواد العلمية (الفيزياء والرياضيات والكيمياء) في الصفوف العليا، أو حتى في السنوات الأخيرة من المرحلة الابتدائية؟!.
6- قضايا عديدة تخص هذا المجال، يجب البحث فيها، لكن سنكتفي هنا بجلب انتباه مسؤولي الإدارة الذاتية، وسنكرر حتى وللمرة العاشرة، على أنه هناك سلبيات، قد تكون كارثية، وتقف عليها مصير أجيال من الشعب الكردي في جنوب غربي كردستان، ولتفاديها عليهم الاستنجاد بكل الأطراف الكردية والكردستانية إلى حد الشراكة، وهي أفضل الطرق للتخلص من أكبر نسبة من الأخطاء الموجودة.
7- نتمنى التوفيق والنجاح.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]