احتمالات مصير غربي كردستان
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5244 - #04-08-2016# - 10:26
المحور: القضية الكردية
قراءة الأحزاب الكردية والكردستانية للمستقبل؛ كرؤية التائه ضمن غابة، لا تخرج من نطاق الجغرافية السياسية التي حددتها لهم القوى الإقليمية، أو بالأحرى المربعات الأمنية، فرغم الفضاء المشرع بعد انطلاقة ثورات الشرق، وظهور بعض الإمكانيات الفكرية والعملية للتحرر من الإملاءات، يظلون دون سوية التحكم بإرادتهم وقراراتهم، ولا يزالون يلهثون خلفهم، ليس رهبة كالسابق، بل لأنهم يعيشون ظلال التعمية الماضية، وجمود الوعي الذي لا يضخ بالخبرة والمعلومات الحضارية، فيظلون دون سوية الأحداث واستيعابها. والغريب انهم يتقبلون كل أنواع السخرة، ليس قناعة بالتكتيك، بقدر ما هو كره لبعضهم، والمؤدية إلى: تدمير ديمغرافية الكرد في غربي كردستان، وتفاقم معاناة من ظل يصارع في الداخل، وانتقال هوة الخلافات بين الأحزاب إلى شريحة واسعة من المجتمع، ولا شك لسلطة بشار الأسد الشمولية الاستبدادية الدور الرئيس في كل هذا، ولا نستبعد الدور الثاني في معظمه تتحمله سلطة الأمر الواقع، المذنبة أمام الشعب الكردي قبل الأحزاب الكردية المعارضة، فرغم ما قدموه من خدمات مصيرية، كالدفاع عن الوطن، وتقليص خطر الأشرار، إلا أن السلبيات غطت على الإيجابيات.
المنطقة ملتهبة، والحركات السياسية في المنطقة تحاول اللحاق، لتكون سيدة قراراتها، وبما ستؤول إليه المنطقة مستقبلا، وتعمل لتشارك في تحديد مصير شعوبها، باستثناء الحركة الكردية والكردستانية، المستخدمة كأدوات سهلة الحصول عليها من قبل القوى الإقليمية والدولية، فهناك من يحركون الأحزاب ويحركوننا معهم حسب متطلباتهم. فلا نتجرأ بعرض شروطنا حتى بين بعضنا، أو الجلوس معا على طاولة المحادثات، ولا نتمكن من مناقشة نقاط التقاطع، كما لا تتجرأ الأحزاب، بسبب الإملاءات، تنبيه قواعدها ومواليها بالتوقف عن التلاسن والتخوين، وهي إجمالا لا تزال تعيش رهبة الماضي، ولا تثق بذاتها، ولا تؤمن بقوتها وقدراتها وإمكانياتها الكامنة الكافية لتواجه القوى الإقليمية وتفرض نفسها كطرف متساو، والتي كان من المفروض تقبل حماية المنطقة بعد خروج المراكز الأمنية بكليتها، والحفاظ على وجود شكلي لها ضمن حمايتها، ومثلها الطرف المتعامل مع المعارضة العروبية، من المجلس السوري إلى الإتلاف، وعدم السكوت على تجاوزاتها الكلامية وتصريحات أعضائها أو المحسوبين على قيادتها، وفتح حوارات صريحة ورسمية حول ما يجب أن تكون عليه سوريا القادمة، فغياب الحالتين كان قبولا مسبقا لشروط الطرفين الذين يتعامل معهما الأحزاب الكردية. في السياسة الخارجية كان عليها أن تعرض البعض من شروطها على القوى الكبرى التي تحتاجها الأن لمصالحها، وعليها حالياً أن تعرف كيف تدمج مصالحها مع مصالحهم في المنطقة، لكنها لا تستطيع وهي في حالة التشتت والصراع الموجود، لذلك سيظلون أدوات سهلة الاستخدام. لا نعلم أين يكمن الخطر الأبشع، أهي تشتتنا والتبعية المفروضة علينا، أم هيمنة القوى الخارجية، ففي كل الأحول بدون وضع حلول أولية لخلافاتنا، والتحرر من الإملاءات، مصيرنا عودة إلى الظلمات ولقرن آخر ربما، فكل ما يطفوا على السطح بالشأن الكردي، هو تصعيد مبرمج، وتضخيم لكي نستغل.
نتيه بين القوى الكبرى والإقليمية، وسيكون مصيرنا مؤلما، فيما إذا استمرينا في الدروب المرسومة لنا، دون أن نملك رأياً أو قرارا أو مناقشة الإملاءات، أو ما نقدمه من خدمات بدون مقابل.
الولايات المتحدة الأمريكية، وكما هو معلوم لأبسط محلل سياسي، تركت مصير المنطقة بيد روسيا (وهي على الأغلب استراتيجية عصرية، تستبعد فيها أمريكا قواتها قدر الإمكان من المناطق الساخنة، وتمرر أجنداتها باستخدام القوى البديلة الإقليمية للمنطقة ذاتها، وهي استراتيجية الإمبراطورية تحت هيمنة إدارة الديمقراطيين) ومن بينها مصير سوريا، إلا ما تتطلبه الحاجة، كفرض إملاءات على حلفائها من المعارضة (الافتراضية) السورية، وهي تركز على تحديد جغرافية تحركات داعش أو قوى السنة تحت اسم داعش، أو ما سيوضع بديلا عنها، وهي لا تجد غير الكرد قوة أمينة وصادقة لمحاربتها، وضمن هذا المجال توجد رؤى غريبة، حتى أن الكتاب الأمريكيين يعرضون تداخلات لا ينتبه إليها الكرد، ومنها: أن مهاجمة داعش على المناطق الكردية كانت بأوامر من القوى الإقليمية، ومساندة مباشرة من بعض السلطات، وتجاهل القوى الكبرى إلى حين الضرورة، وحاولت القوى المعادية للكرد تطويرها للقضاء على كيانهم المتشكل حديثا، وبالتالي إنهاء القضية الكردية، ومن بينهم المالكي رئيس وزراء العراق سابقاً؛ وتركيا وإيران من جهة أخرى، وكانت غاية أمريكا وضع الكرد أمام حجة الدفاع عن الذات، وفي رؤية أخرى، داعش منظمة نبعت من أحضان البعث العراقي السوري الشوفيني الحاقد على الكرد، ومحاولتها تدمير جنوب وغربي كردستان، تلاقت رغباتهم هذه وطموحات الأنظمة العروبية والطورانية للقضاء على القضية الكردستانية، وفي كل المجالات، برزت على الساحة القوى الكردية الوحيدة التي بإمكانها الوقوف في وجه داعش، وبصدق وعن قناعة، باستثناء ما ضخ مؤخرا بالحشد الشيعي في العراق وبدعم من إيران، بعد أن خرجت أقسام من داعش من تحت إملاءاتها.
روسيا في الطرف الأخر، وبيدها ملف سوريا والأغلبية من ملفات الشرق الأوسط، تفصلها حسب مقاساتها، وقد انتبهت إليها تركيا قبل الكرد، والقوى الإقليمية الأخرى، وتوابعها كالمعارضة السورية الافتراضية، لذلك قامت بمسرحيات عديدة لتضعف رباطها مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وتمتنها مع روسيا ودول شرق السوفييت القديمة، ومن مسرحياتها، قضية إسقاط الطائرة الروسية، وتصعيد الصراع معها لتظهر كدولة ضعيفة أمام روسيا، وهي تعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتدخل كقوة ناتو في العملية، وبالتالي ستضطر إلى الاعتذار، وإعادة التحالفات السابقة، ومسرحيتها الأخرى عملية داعش والإرهاب، وتمويلها أو محاربتها، وبأنها لا يمكن محاربتها بالشكل المطلوب أمريكيا وستصبح نقطة خلاف أخرى، بسبب التناقض ما بين الفعل والنظرية أمام قضية محاربة داعش أو دعمها. ومسرحية المهاجرين وما افتعلته مع أوروبا للحصول على المليارات الست، وتهويل قضية الفيزا الأوروبية، وهي تدرك تماما أن أوروبا لن تقبلها، وأضافت عليها قضية إعادة حكم الإعدام إلى الدستور التركي، وهي تدرك أنها بتلك الخطوة ستضع نهاية كل حوار حول انضمامها إلى الوحدة الأوروبية، وأردوغان في عمقه لم يعد يطمح إليها. ومسرحية الانقلاب، والتخلص من أعدائها، وبمساندة روسيا، من البداية، ولكن تبقى مسرحية الحرب على ال ب ك ك وحل القضية الكردية بمقياس حزب العدالة والتنمية، لها شروخ وفروع عديدة، وتمتد إلى غربي كردستان، وهي تأتي على خلفية تمسك أمريكا بالكرد في محاربة داعش ورفضها لمخططها بإقامة منطقة تركية عازلة، في شمال سوريا تفصل بها غربي كردستان عن بعضها وتتحكم منها بمصير كرد غربي كردستان، وبالتالي شمالها، وأمريكا هنا رفضت ليست حبا بالكرد بمقدار ما تتطلبه مصلحتها.
روسيا في هذا البعد ستقبل التقرب التركي، وستقوم بالتوسع في فرض شروطها على الشرق الأوسط، وإقامة علاقات استراتيجية مع الأنظمة الإقليمية في المنطقة، والكرد هنا ينجرفون ضمن الجهة الخاسرة، ويظلون الأداة التي يمكن الاستغناء عنهم متى ما انتهت مهمتهم، والأبشع في كل هذا عدم تمكنهم من خلق قوة ذاتية تستطيع أن تفرض بعض شروطها، أو أن تطلب مقابل خدماتها من الولايات المتحدة الأمريكية، كالاعتراف السياسي بفيدرالية غربي كردستان ضمن سوريا، ولتبقيها أمريكا في حالة التبعية لا تفرض على أحزابها المتضاربة، إملاءات التقارب، رغم أنها مسرح الصراع ضد داعش، مثلما فرضتها على جنوبها، ويستمر الكرد في حالة التشرذم والتبعية لأضعف القوى الإقليمية، بل لتابعيهم، من المعارضة السورية الافتراضية، إلى السلطة السورية القائمة حتى الأن بسند روسيا وإيران.
لا نود أن نسأل أين نقف ككرد غربي كردستان! لأن السؤال يفتح أعيننا على واقع مؤلم ومستقبل قاتم مرعب. نتبع المعارضة والسلطة، وهما أعداء بناءً على تصرفاتهم وتعاملهم وتصريحاتهم، ويستخدمنا الولايات المتحدة الأمريكية كأداة لمحرقتها، ويستعملنا روسيا، كلما دعت الضرورة وعلى الأغلب سترمينا إلى زاوية النسيان بعد تصالحها مع تركيا، والسلطة السورية إذا تصالحت مع المعارضة سوف لن نحلم بأكثر من حقوق المواطنة كمهاجرين قدموا إلى سوريا بعد أن تشكلت الدولة السورية العربية اللقيطة، وقد يحق لنا استخدام لغتنا حتى الصف السادس ليس أكثر، كغيرنا من الأقليات كالشركس والتركمان.
سنعود وفي معظم الاحتمالات، إن استمرينا على هذا النسق من التعامل مع بعضنا؛ وتقبلنا الذليل لإملاءات القوى الإقليمية والكبرى، إلى ما كنا عليه قبل انطلاقة ثورات الشرق، ولربما أبشع. علماً أن الظروف ملائمة أكثر من ذي قبل لبلوغ الغاية، فقط نحتاج إلى المباشرة السليمة بالخطوات العملية من جانبنا ككرد.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]