أحزاب غربي كردستان
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5054 - #24-01-2016# - 21:50
المحور: القضية الكردية
لا ملامة لي على الجثث المتحركة، ومجموعات فرضت عليهم الصراع بين بعضهم، في الوقت الذي يحكمنا فيه قوى إقليمية استعمارية وسلطات مستبدة تخلق المشاكل وتفرض الإجرام، وتملك القوة في فرض شروطها وإملاءاتها، فهي القاتل والمجرم وهي التي يجب أن توجه إليها الأحكام. أحزاب تكالبت عليهم الانتقادات ومن كل الأنواع، وبكل الطرق، نهشت منهم الأقلام بدون حدود وقيود، وبعد كل انشقاق مفروض عليهم، حفرت لبعضهم اللحود. فلو كان قادتهم يقودون ذاتهم لتركوا الساحة، منذ بدايات ظهور موجات الرفض لمسيرتهم المشبوهة ونضالهم المسلول، تقبلوها مرغمة، وفرضت عليهم البقاء، والمواجهة، لئلا يظهر الفراغ السياسي، حتى ولو كانوا جثث حية، أرغموهم على الحراك وهم في أدنى سويات التنظيم والنضال، حفظوهم في بوتقة الإملاءات، وأرغموهم على العيش بين الحياة والموت، فرضوا عليهم الصراع مع البقاء، لئلا يظهر البديل الأنسب لقيادة الشعب الكردي، ويخلق نضال يعكس إرادتهم، ومن أبشع ما حصل أنه فرضت عليهم وبتخطيط، قيادات مناضلة، لكنها هشة وشبه مثقفة، وأغلقت عليهم جميع أبواب النشاطات السياسية والدبلوماسية الخارجية. والبعض الذي استنشق نسمات من الحرية خارج أسوار النظام، ودب فيها النشاط، وجدت ذاتها في أحضان قوى مشابهة للسلطات السورية، قدمت القليل من الإنتاج، مقابل العديد من الإملاءات، وجملة من الأجندات، لذلك لم تفلح، وكانت نهايتها كارثية، تشتت إلى أحزاب، وعادت إلى أحضان المراكز الأمنية في سوريا، لتكرار المسيرة التاريخية. تخلل نضال أحزب غربي كردستان الكثير من السلبيات، فرضتها عليهم السلطات العروبية، ودفعتهم لأن تخطأ في كثيره وتصيب في بعضه، استمرت نشاطاتهم ضمن ظروف وشروط تجعلها سقيمة، تعدي أطياف المجتمع الكردي بالأوبئة المتنوعة، والأمراض التي كانت تحقنها لهم السلطات الشمولية السورية المتتالية.
لم تظهر تغيرات نوعية في مسيرتهم على مدى نصف قرن، بل قلصت السلطات العروبية من مجالات نضالهم، وأبقتهم في العقود الأخيرة أحزاب معلولة، تزايد الوهن فيهم بعد كل انشقاق فرض عليهم، ومعظمهم لم يكن لهم طريق للخروج من الحصار، وكانوا فيها رغما عنهم، مفروض على معظمهم البقاء والاستمرار، فكل الانتقادات في حقهم غير عادلة، تشبه من ينتقد الجثث المغلوبة على أمرها، لهذا لم تكن لهم قدرة التغيير أو المواجهة حتى عندما حانت لهم الفرصة، في بداية الثورة السورية، لم يتمكنوا من استغلالها لضعفهم الفكري- السياسي، تحت حجة الأفضل للشعب الكردي، والخلاص من الدمار الذي قد تلحقه بهم سلطة بشار الأسد، وهي رؤية كانت مبنية على الرهبة التي كانت قد غرزت فيهم على مدى العقود السابقة، وحتى لو كانت رؤية صائبة كانت هناك أساليب أخرى، توفرت بسبب الظروف، غير الصراع مع الحركات الشبابية، وتهجيرهم، لكن قدراتهم السياسية وثقافتهم لم تتجاوز أبعاد الصراعات الداخلية، والخدع التنظيمية، والتي كانت تفرضها عليهم في معظمه المراكز الأمنية، والقناعات الذاتية عند معظم القيادات بقدراتهم السياسية، متضخمة، لكن في الواقع العملي لا تتجاوز مفاهيم رفض الأخر، ومنطق الاكتفاء بالذات لقيادة الحزب، وهذا المفهوم والمشابهة له أعدم فيهم أمكانيات الرؤية الصائبة، وأضعفهم، فلم تكن لهم الجرأة ولا القدرة على التحرر من القيود التي تربطهم بالمراكز الأمنية.
سبقتهم سلطة بشار الأسد، في بدايات الثورة السورية، بوضع الخطط، لئلا يتمكنوا من التحرر، وفرضت عليهم الإملاءات، أجبرتهم على عدم المسير بنهج واحد، وفي كثيره دون هدف معين، وأرغمتهم على ألا تكون لهم غاية واضحة معالمها في سوريا القادمة، وهم بدورهم لضعفهم ساهموا في تعميق هذا التضارب، والخلافات، ووجهوا مؤيديهم بالسير على دروب التشتت، فتعمقت البنية الفكرية الموبوءة التي أرادت القوى الإقليمية لهم، ودفعوا بقواعدهم لتشكيل هيئات متضاربة، وسعوا من هوة الخلافات، لتبلغ حدود القطيعة.
ما يجري اليوم على عتبات مؤتمر جنيف -3 التفاوضي، ازدراء بالشعوب السورية، واستهزاء مقرف بهم، سفالة من الدول الكبرى، وقذارة من الدول الإقليمية، ومن ضمن شنائعهم، طرق تعاملهم مع الوجود الكردي وأساليب تقزيمهم لقضيتهم من خلال تعدد واختلاف ممثليهم المنتخبين من قبل القوى الإقليمية والكبرى. وهم بدورهم كحراك وارتباطات وبناء على مسيرتهم المذكور آنفاً، تبقيهم هشة لدى القوتين، وعليهم أن يدركوا أن ما جرى قبل جنيف-3 وما سيجري في القاعات تتجاوز مسألة البحث في القضية الكردية، وأنهم أصبحوا والقضية في حكم التعتيم، شارك فيها الطرفان بشكل غير مباشر، المعارضة وسلطة بشار الأسد، على محراب صراعاتهم، التي فرضت عليهم القوى الإقليمية، والتي لم تتجاوز مدى أجنداتهم وإملاءاتهم. ولنتجاوز جدلاً هوة الصراع بين السلطة والمعارضتين، وبحثنا في القضية بين الأطراف الكردية المشاركة، فهل سيتوصلون إلى حل لسوريا وبضمنها قضية الشعب الكردي؟ والتي هي حسب مجريات الأحداث لم تعد القضية تخص الشعب الكردي، بقدر ما تخص أجندات القوى الخارجية، فالأولى بالأحزاب الكردية والمجلسين التخلي عن المنافسة فيما بينهم لأنها لم تعد تخدم القضية.
ومن الملاحظ أن أحد الإشكاليات البارزة والمؤدية إلى تأخير المؤتمر عن موعده، قضية المعارضة الموجودة في قائمة روسيا، وعلى رأسهم الوفد الكردي، بممثلية حزب أل ب ي د، دون ذكر للطرف الكردي الأخر المهمش منذ مؤتمر الرياض والمشارك ضمن الائتلاف، علما أن وجود الطرفين لا تتجاوز بروتكولات شكلية، تبحث من قبل الدول الكبرى لإتمام موزاييك وفود المعارضة والسلطة، وما يؤسف له أن هذا التكالب بينهم على الحضور، كالعادة، مصدره القوى الإقليمية، وهذا بحد ذاته ذر الرماد في عيون الشعب الكردي، بأنهم( القوى الإقليمية والدولية) مهتمون بالقضية الكردية، والقضية بريئة من الاهتمام كل البراءة.
وكما ذكرنا آنفاً فإن بنود جنيف-3 موجودة سلفا بخطوطها العريضة، تنتظر الرتوشات والثانويات من الأمور، إلى درجة أن بعض القوى تذكر أن الوفود الكردية في كلا الطرفين ليس مهما حضورهم، فقضيتهم يجب أن تبحث في المرحلة الثانية بعد المفاوضات. وبشكل عام إذا قرأنا الوجوه الكردية ضمن الوفود، سنجد أنهم يمثلون نسبة ضمن كل وفد، من ممثلي السلطة إلى المدعوم من الطرف الروسي، إلى وفد الائتلاف المعارض، أي عمليا يتواجدون في كل الأطراف، وجميعا معا تكون نسبتهم ملائمة لنسبة الكرد في سوريا، لكن حضورهم الشاذ تبقيهم قوة واهنة، فمعظمهم أن لم نقل جميعهم مرسوم لهم هذا الدور، وبهذا التشتت الفكري والتمثيلي لن يكون لهم تأثير عملي وأن حدث بعض الصخب من قبل القوى الكبرى حولهم، والتي هي في عمقه لغايات ذاتية ويستخدمون كالعادة أدوات لتمرير أجنداتهم، فوجودهم واهية في عمقه وعلى سوية القضية الكردية، وأن بدت قوية على الساحة، فهم شخصيات أو أحزاب تابعة للقوى التي ستدير المفاوضات، وعلى الشعب الكردي أن يدرك أن الأحزاب الكردية بهيئتها الجارية لن تقدم لهم أكثر ما رسم لهم مسبقاً.
أنها نتيجة مسيرة طويلة من الأخطاء والصراعات التي ذكرناها، بدأت من اللحظات التي دفع بهم لمحاربة التنسيقيات الشبابية، وتهجيرهم، وترسيخ التبعية لاستراتيجيات متضاربة لا حظوظ كردية فيها، ومن الصعب إيجاد بديل عن هذا الشقاق، المؤثر على المستقبل الكردي في سوريا القادمة، وخاصة في هذه الفترة الحرجة، فالمؤتمر ببنوده تجاوزهم، بحضورهم أو بغيابهم، وفي الحالتين، بوجود سلطة بشار الأسد أو حكومة انتقالية مشتركة، والأبشع منه عدم وجود أية نوايا تفاوضية بين الأطراف الكردية التي ستكون بشكل أو آخر تابعة، ويزيدون من قوة الأطراف الأخرى وليست مواقفهم القومية، والكل الكردي سيخرج بدون نتائج صالحة للقضية الكردية، ونأمل أن نكون على خطأ، وليحاسبنا الإخوة في الحركتين على ألا يحاسب الشعب الكردي الأحزاب وقيادتهم مستقبلا على وهنهم.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]