كيف يعدم الكردي ذاته - الجزء الثالث
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4980 - #09-11-2015# - 01:22
المحور: القضية الكردية
تدريس مفاهيم الأمة الديمقراطية، وإيديولوجية منظومة المجتمع الديمقراطي، ومفاهيم قائد حزبي، ومقتطفات من كتب عبد الله أوجلان كمقدسات فكرية، وفي الصفوف الأولى، كارثة فكرية، ولن يرضخ لها إلا من يضطر إليها وعلى مضض، وعلى الأغلب قلة من المجتمع الكردي، سيتقبلونها لأطفالهم، وهم بذاتهم يتبعونها بعشوائية فكرية، يحق لهم تقديسها، وعرضها في المكتبات العامة، لكن لا يحق لهم فرضها على أطفالهم، وأطفال غيرهم، وضخها ضمن مناهج مدرسية، لتلقين طلاب المدارس الابتدائية. إدخال هذه المفاهيم وبشكل قسري، لا يختلف عن عملية فرض مفاهيم وكلمات بشر فرضوا كأنصاف الألهة كحافظ الأسد وأتاتورك وصدام حسين ومعمر القذافي، ومفكرين كلينين أو ماوتسي تونغ في ذاكرة الطفل، وظهر أن معظمهم لم يكونوا سوى زعماء سلطات أو أحزاب، وكانوا طغاة في كثيره، ومفاهيم بعضهم ضحالة، أو كانت أفكار وربما نظريات قابلة للدحض وأثبتت معظمها عدم جدواها في الواقع العملي، وليس من الخطأ عرضها على رفوف المكاتب العامة لكن ليست على مقاعد الأطفال الدراسية.
ربما يحق عرضها بمنهجية معينة للكبير وفي الصفوف المتأخرة كاطلاع ومقارنات، أو أنها يجب أن تدك للمتعلم الاطلاع عليها برغبته، وفي الفترة التي له القدرة على تحليلها والاستنتاج، ولا يعترض أن تدرس في مراحل التاريخ المعاصر كحركات تحررية ومفاهيم وإيديولوجية تطرح على المجتمع مقارنة بغيرها. لكن وفي المراحل الأولى من تكوين العقلي للطفل، وفي فترة تراكم المعلومات الأولية لديه، كارثة، وستؤدي إلى نفور الأهل وأولياء الأمر من التدريس ذاته، وأي كانت حوافزها، سياسية كانت أم فكرية، وعن إدراك للعملية التدريسية، وأدلجة المناهج، أو مدفوعة من قبل معارضة سياسية، فستؤدي بالتالي إلى الرفض ومن ثم تفاقم عملية النزوح من مناطق النفوذ، وسيطرة الحزب، ومن جغرافية التعليم ذاك، وستؤدي إلى إغراق المجتمع بكليته في صراع، كالتي أثيرت قبل سنوات من قبل السلطة الشمولية عن طريق مربعاتها الأمنية، وتثار بعضها الأن ثانية، وعليه بدأت توزع شهادات الوطنية أو الخيانة للمجتمع الكردي، والأخير هو المتوقع للرافضين بإرسال أطفالهم إلى تلك المدارس، وهنا لا نضع أحكامنا، بل هي في أيدي المختصين وخبراء اللغة الكردية والمناهج.
طرق تمهيد المجتمع لتغيير فكري، أهم بكثير من نوعية المفاهيم ذاتها، وتحضير العائلات الكردية لتقبل المدارس الكردية، ربما أهم من التعليم ذاته، وتحتاج إلى دراسة جميع الجوانب، والاستماع إلى كل الانتقادات، وعلينا ألا ننسى أن ثقافة السيادة والموالي أصبحت مغروزة في ذاكرة أغلبية المجتمع الكردي، وليس من السهل تقبل المطروح من قوة كردية منفردة حزبية ذاتية، لا تمثل إلا جزء من الشعب، وحيث هناك معارضة قوية من الطرف الآخر من الشعب، والتي تتلاءم ومنطق الضعف الذاتي المتراكم لديه ومنذ قرون. فلو كان قد فرض عليهم قبل سنوات من سلطة بشار الأسد وبقرار وزاري، وأشرف عليها مؤسساتها، لكان نسبة القبول أكبر بكثير، فقط لأن السيد هو الفارض، والموالي من المفروض تقبلها، علينا أن نتقبل أنه هناك ثقافة خاطئة ومشوهة غرزتها فينا السلطات الشمولية وعلى مدى القرون الماضية، ويجب الوقوف عليها، وتنقيتها، وتحتاج إلى جميع أطراف الحركة الكردية، الثقافية قبل السياسية، المشاركة وبوعي العمل عليها وبصدور ترحب وتقبل الرأي الأخر والنقد.
غربي كردستان، أمام عملية معقدة، وجملة من التضاربات السياسية، والفكرية، والثقافية، ولا يمكن حلها دون شراكة كلية بين الأطراف المتنازعة داخليا، فالإملاءات المتنوعة، الثقافية والسياسية والعسكرية الفردية، ومن جهة حزبية متسلطة، ستبقى ناقصة وغارقة في السلبيات، وستخلق هوة بين المجتمع إلى حد الصراع، وستظهر عداوة لا يحمد عقباه، وستفاقم من انعدم ثقة المجتمع بواقعه وقياداته، وحركته السياسية والثقافية، ولربما حتى بكرديته وكردستانه، وستوسع من الصراعات الجانبية كالتي كانت قبل سنتين وطفت على السطح ثانية بقدر قادر، وهي وطنية الداخل وخيانة الخارج، وعدم أحقيته بالتدخل في أمور الوطن، والتخفي وراء الشهداء ودمائهم، ولا شك هناك قوى إقليمية تفرض هذه المسيرة، وتعارض بل وترفض الشراكة الكردية - الكردية، ولا نستبعد أن إي تقارب بينهم قد تؤدي إلى تفاقم الهجمة الإقليمية على غربي كردستان، وعليه لا بد من البحث عن مخارج للخلاص من هذه المعضلة، فبدونها ستكون المسيرة خاطئة ومليئة بالمصاعب والنهاية هشة بل وقد تكون فاشلة.
والكارثة الثالثة، القوة العسكرية:
مواجهة الأشرار وأعداء الكرد، بقوة عسكرية تمثل جزء من الشعب الكردي في غربي كردستان، وتتبنى عقيدة حزبية، والعقيدة بذاتها ساحة صراع بين الأطراف الكردية، وبوجود قسم واسع من الحركة السياسية ضدها، مهما قزم سويتهم أو تكالبت عليهم الانتقادات وحملات التخوين بحق بعض الأحزاب المعارضة، لكنهم يظلون قوة لها رأيها، والطرفين وعلى خلفية تناقضاتهما بلغوا مرحلة أصبحوا لا يمثلون رأي الشعب الكردي، خاصة بعد اختلافاتهم المؤدية إلى ضمور الثقة بين الشعب، وتفاقم النزوح عن الوطن، وتعقيد القضايا المصيرية، إلى جانب مستنقعات العمالة بل والخيانة التي أغرقوا بعضهم ضمنها، والنازح الكردي وقسم واسع من الموجود في الداخل، يرفضونهم كممثلين، رغم غياب البديل عنهم. وعلى عتبات هذا الواقع، القوة العسكرية بحاجة للانتقال من واقع الانتماء الحزبي إلى جيش غربي كردستان، ولبلوغها لا بد من مشاركة شرائح أخرى من الشعب، وخاصة تلك التي كانت ترى ذاتها قبل سنوات وقود الثورة، أي الشباب الذين كانوا يملؤون شوارع المدن الكردية، ومنظماتهم التي تناثرت وتشتت دون الأحزاب، ومعظمهم يتواجدون خارج غربي كردستان...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
Mamokurda@gmail.com
[1]