من الإسلام إلى التعريب - الجزء السادس
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4943 - #02-10-2015# - 21:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من المؤسف أن قسم واسع من المعارضة السورية، تطالب بإعادة تطبيق النهج الثقافي العروبي، تحت غطاء الثورة، رغم كل الأهوال، والنداءات الوطنية، ضمنها شريحة واسعة تمثل خلفية الفكر الاستعماري الإسلامي-العروبي، والتي هي ثقافة مترسخة لديهم بجدلية التكامل والغير قابلة للنقاش، فيعدمون التاريخ في تلك الأبعاد الإسلامية-العربية، ويؤمنون بما ورثته السلطات الشمولية والأنظمة من تلك الثقافة، وفرضوها على شعوب المنطقة، ورغم معرفتهم بالأوبئة الفكرية التي رافقت تلك الفترة، مع ذلك لازالوا يقدسونها رغم موجة الثورات الجارية، ويخططون المستقبل على أسسها، وعلى أثرها وخلال الفترة القصيرة التي تلت قيام الثورات، اجتاحت المنطقة الصراعات المذهبية والطائفية، وأعيد التاريخ الديني الغارق في الدماء والحروب المذهبية، وثقافة زمن الغزوات والسبي، والتي هم فيها غارقون، ولا يتقبلون التغيير أو حتى البحث فيه، وقد أصبحوا عبدة ثقافة الماضي المأزوم، حيث تلاحم الإسلام والعروبة، كنهج لم يعرف الانفصال، ظهر والوحي، منذ أن فرض القرآن بلغة لا تحمد ترجمته، ونشر الدين لا يكتمل إلا به، فوجود طرف كمال للأخر، فمعظمهم يؤمنون بأن الله الذي أنزل الإسلام فرض معها العروبة وثقافة القبائل الجاهلية، فجعلوا العروبة مقدسة كالإسلام والقرآن، وفرضوها على شعوب المنطقة، لذلك لم تكن عندهم حرج عند تسمية المنطقة بالوطن العربي، وأرغموا شعوب المناطق تقبل المصطلح، على سوية تقبل الأمة الإسلامية، والدين وفرائضه المنغمسة بعادات القبائل الجاهلية، المغيرة بوصلة صراعاتهم وغزوة القبائل العربية المجاورة، وأحيانا ضمن فروع القبيلة ذاتها، بسبب العوز والفقر والفاقة، إلى غزو الشعوب المجاورة، فقدسوها تحت اسم الجهاد، لأنها سكبت عليهم الخيرات، وآمنوا بالنهب تحت صفة الغنائم، والاستعمار تحت مصطلح الفتوحات، والسبايا تحت أحقية المسلم لجهاده، وبقوانين حفزهم إليها نصوص قرآنية، تتقدمهم ثقافة الصحراء البدوية، المبتذلة للقيم الحضارية.
استخدمت السلطات الشمولية العروبية، بعد خروج الاستعمار من المنطقة، هذه الثقافة كمطية، وكانت تتلاءم وغاياتهم، علماً أنهم جعلوا العروبة أكثر قدسية من فروض الإسلام، بل واعتبروا نقد الإسلام من ضمن حرية الرأي، أما نقد العروبة فدرجت تحت خانة الخيانة، وتجاوزت حكمها عقوبة الجلد أو غفارة الكفر، وخدمات المراكز الأمنية للسلطات الشمولية العروبية في هذا المجال معروفة للقاصي والداني، علماً أن سندهم الكلي في استعمار المناطق، ظل راسخا تحت غطاء الإسلام ولغة القرآن.
على الباحثين والمؤرخين عرض الحقائق عن تاريخ الإسلام العروبي واستعمارهم، بدون تحيز، وبطرق منطقية، لتدارك الصراعات والخلافات التي خلقتها السلطات الشمولية بين القوميات والأقليات والطوائف في المنطقة، فالإشكالية كبيرة جدا، وعلى شعوب هذه المناطق والمعارضة الوطنية، الانتباه إلى مخلفات تلك الثقافة والتي خلقت الكوارث الماضية والجارية، والتي هي المشكلة الرئيسة لشعوب الشرق الواقفة اليوم أمام القضايا المصيرية والتي لا يمكن حلها بدون اجتثاث تلك الأوبئة.
ففرض العنصر العربي عن طريق الإسلام السياسي والتعريب على الشعوب، تزيد من المشاكل، وتفاقم من المشكلة الكبرى، وتؤدي إلى تصاعد الصراعات التي استندت إليها معظم الأحزاب العنصرية والسلطات الشمولية وملوك وحكام الدول في شمال أفريقيا وسوريا الكبرى، خاصة وأن المنطق المسنود إلى هذه الإشكالية التاريخية حيث الفوقية وإلغاء الأخر، كمنطق السيد والموالي الإسلامية -القريشية، وعدم تقبل تعديلها وتصحيحها، تجلب الدمار الأكثر للمنطقة وشعوبها.
سوف لن ينتهي الصراع الجاري بزوال السلطات الطاغية فقط، لأن النظام الثقافي السياسي-الإسلامي بطغيانها ستخلق سلطات لا تقل بشاعة عن الحاضرة، فبعض شرائح الشعوب الموجودة ضمن هذه المناطق، وتحت تأثير تلك الثقافة، أصبحوا عروبيون أكثر من قبائل الجزيرة العربية، ستحركهم ثانية السلطات الشمولية كأدوات لتوسيع هوة الخلافات، وهم الذين انجرفوا سابقاً بطريقة أو أخرى إلى خضم الصراعات وعمليات الإرهاب والقتل الجاري بيد مجموعات تدعي العروبة والإسلام، ومعظمهم من جغرافية الشعب العربي حيث سيادة الثقافة الإسلامية السياسية العروبية، بدون التركيز على المذهب المسيطر، فكانوا الأدوات الطيعة بيد السلطات الإسلامية العروبية الذين قضوا على ثقافة التعامل الإنساني، ودمروا أسس الحضارات.
وحتى الأن فإن معظم الكتاب العرب وباحثيهم وأكاديمياتهم، يذكرون مصطلح (التراث العربي الإسلامي) عند عرض التاريخ الثقافي العلمي للمناطق التي ساد عليها الإسلام كدين، وهم بهذا لم يساهموا فقط في ترسيخ ثقافة الاستعمار الإسلامي العربي، بل طمسوا تاريخ علماء وفقهاء الشعوب الأخرى القومي، وأدرجوهم تحت الخيمة العربية، علما أن الأغلبية المطلقة من العلماء المسلمين لم يكونوا عربا، وهو تاريخ أصبح يعرفه كل مطلع. وهي من المعضلات التي تدخل ضمن الصراع الجاري في شرقنا، رغم إنها حرفت من صراع بين الشعوب والأنظمة الفاسدة، إلى صراع مذهبي، ومنه إلى صراع قومي وإقليمي لإعادة ترتيب السيطرة والسيادة.
معظم الدراسات والأبحاث حول هذه المناطق من حيث التاريخ واللغة والثقافة، درجت ضمن السياق الإسلامي-المذهبي أو الانحياز القومي العربي، ونادرا ما عرضت تاريخ ميثولوجيا القبائل العربية، دون تحيز، واختلافاتها الكلية عن المناطق المستعمرة، قبل ظهور الاجتياحات الأولى للجيوش العربية الإسلامية، أو بعدها، كيف كانت هذه الشعوب وكيف أسلمت وعربت أو تعربت، على حقيقتها، وتتبين وبعد دراسات عصرية أن معظمهم أسلموا بعد حروب طويلة والغزوات، وأمثلة أسلمة الكرد والأمازيغ الواردة في تاريخ الطبري وغيره سابقا وأبن خلدون لاحقاً تبين الحروب المدمرة وعمليات السبي والقتل والنهب التي سبقت قبولهم للدين سلمياً. ونادراً ما ظهرت أبحاث موضوعية، تبين كيفية فرض الذات العربية-الإسلامية الاستعمارية بطريقة أو أخرى، والأندر هي الدراسات المتناولة للثقافة العروبية بعد أن ألغي أو دمج بالطابع الإسلامي، معظمها ركزت على مفهوم تلاحم الإسلام والعروبة وتكاملهما، وتقبل الشعوب لها سلمياً، وهي ما نشرها الإسلاميون العروبيون في القرن الأخير في المنطقة، دون أن يهتموا بالنتائج التي ستخلفها، ولا ينتبه أحد إلى أن أغلب الكوارث الجارية تستند إلى أساليب نشر تلك الثقافة ونوعيتها في المنطقة، وأن معظم الخلافات في منطقتنا خلقت على أثرها...
يتبع...
[1]