من الإسلام إلى التعريب - الجزء الأول
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4921 - #31-09-2015# - 08:52
المحور: القضية الكردية
ما بين نشر الإسلام والعصبية العربية، مسافات ثقافية وأخلاقية، وتناقضات كارثية، سطرت فيها الغايات البشرية وغيب المطلب الإلهي، ففاقمت في الأوبئة الفكرية المزمنة في البعد الإنساني، وتتالت ظهورها حتى يومنا هذا. فعلى مر التاريخ غلبت العصبية العربية على مفهوم الأمة الإسلامية، رغم الغطاء الإلهي. فسخرت أغلبية القبائل العربية وقريش على رأسهم، الإسلام لغاياتهم، عظموا مفاهيم التجسيد والملك والسيادة والعنف في الإسلام، وتناسوا الروحانية فيه منذ البدايات. فلم يتمكن الدين الجديد تحريرهم من ثقافة العصبية القبلية الجاهلية، والقلة منهم بلغ مرحلة الإسلام –العربي بعد صراع مرير معها، رغم شعار الأمة الإسلامية، لأن الأغلبية العظمى من هذه القبائل لم تكن معارفهم وخلفيتهم الثقافية على سوية استيعاب وفهم الحضارة، فلم يتعلموا من الحضارتين اللتين قوضوها، إلا فتاتها.
فعلى خلفية هذه الثقافة سادوا، وحكموا الشعوب المجاورة، وعند التمدد الجغرافي رضخوا الإسلام لعصبيتهم القبلية، واستفادوا منه واستغلوه لمصالحهم الذاتية ومنذ العقود الأولى بعد خروجهم من الصحراء، علماً أن خلفيتهم المعرفية لم تكن قادرة على إدراك مجريات الأحداث، لقصر الفترة ما بين البعث والسيادة.
عملوا على استعمار الشعوب، وعربت تحت راية الأمة الإسلامية، فتمددت جغرافيتهم من شبه الجزيرة العربية لتغطي معظم مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسميت بالعالم الإسلامي، تحت اسم فتوحات الأمة الإسلامية، وفرضوا القادة من القريش حصراً، مناقضين مفهوم المساواة في الإسلام، وحرفت مع الزمن الجغرافية والديموغرافية بشكل منهجي مستغلين ذلك لتغليب العنصر العربي على حساب شعوب البلدان التي فتحت. لتدعي الأحزاب العروبية والسلطات الشمولية للعالم لاحقاً، بلدان الفتح العربي(الإسلامي) بالوطن العربي، ونقلوا المنطقة من تحت راية العالم الإسلامي إلى العالم العربي، فأصبحت في بعده العام، استعمار عربي بامتياز، وهو أكثر خطراً من أي استعمار سابق للمنطقة، تاريخيا أو حديثا، فالاستعمار الاستيطاني ابسط من الثقافي المغطى بالإرادة الإلهية، وبلغة لا يتجرأ أحد من أبناء الشعوب المستعمرة معارضتها، وتغيير ديمغرافي يقف ورائها قوى سياسية شمولية. والدراج بين الناس، أنه لم يستفد شعب من الإسلام مثلما استفاد منه العرب ولم يحرفه شعب مثلما فعلها العرب وعلى مر التاريخ، ولم يمزق ويحور في الإسلام ويقتلوا في المسلمين مثلما فعلها قادة القبائل العربية أو القريشية الغازية بعد الرسول(صلى).
غاية البحث ليس الانتقاص من اللغة العربية ولا مهاجمة الشعب العربي، بل الهدف هو تبيان التشوهات التي سايرت المسيرة التاريخية والتي خلقت على أثرها صرعات دموية متتالية، منذ ظهور الإسلام العروبي السياسي، ومثلها الواقع المأزوم الجاري في المنطقة، والتي استغلها شرائح من العرب لغايات ذاتية، دفعوا إليها أغلبية القبائل العربية، واستخدموا اللغة كمطية قومية وليس كحامل لمفاهيم تعرض النهج الإلهي.
فمنذ بداية الغزوات، ركبت معظم القبائل العربية العقيدة ولم يحملوها، واستخدموها مطية لغايات ذاتية، كالخلاص من الفقر وعوز الصحراء، لهذا لم تولج الإسلام إلى أدمغة العامة كعقيدة لرفع قيمة الإنسان، بل كثيرا ما أستخدم بدروب لتدميره، فلم تنتهي الحروب الأهلية من المنطقة منذ حينها، لأن الأعراب وثقافة العصبية القبلية ومفاهيم العنف والسبي والغزو للكسب المادي في الإسلام غطت على مفاهيم الرحمة فيه، لأنها أقرب إلى الفهم والتعامل عند القبائل من مفاهيم الدين الجديد، وكانوا الأغلبية في بداية الغزوات الخارجية، بسند لحديث الرسول(صلى) في الطوائف. إلى جانب أن الفترة الزمنية لسيادة العقيدة التي جمعتهم وخلقت منهم قوة، وأخرجتهم من عمق الصحراء، لم تكن كافية لتحررهم من الثقافة العصبية الجاهلية، فتبينت وبعد عدة قرون عدم قدرتهم على التأقلم مع مفاهيم الرحمة والتعامل الإنساني، ولجهل الأغلبية منهم بماهية الإسلام ذاته، ورغم أنهم كانوا على عتبات حضارات وسيطروا على ورثتها، لكنهم لم يكونوا مؤهلين للاستفادة من أو يتأثروا بتلك الحضارتين، وذلك لقصر الفترة الزمنية.
السقف المعرفي والثقافي للقبائل العربية لم تكن على سوية استيعاب الدين الجديد ولا الحضارات التي غزوها، فلم يرتقوا إلى ثقافة التعامل الإنساني-الإلهي، مع استثناءات برزت في فترة العصر العباسي، والثقافة الإسلامية لم تتجاوز استيعاب شريحة من الأولين له، فالحضارات تمزقت واندثرت بظهور الغزوات(الفتوحات)، وإسلام محمد (صلى)غرق في صراعات مذهبية، وبحروب دموية لم تنتهي حتى اللحظة، لطغيان جانب العنف والعصبية الجاهلية عليه، وسيادة الجانب العنفي في الدين على السياسة، فكلما كانوا يتوسعون في جغرافية الشعوب المجاورة تصاعدت لديهم منطق السيادة والسيطرة بالعنف.
وعلى بنية نشر دين تمايل بين التجسيد والروحانية، أدركوا التجسيد وركزوا عليه، حيث المالك والعبد، وغابت عنهم الروحانية، نشروا ثقافة الكراهية بين الشعوب، ومنطق ألغاء الآخر، وعداوة غير المسلم العروبي، وعاملوا الآخرين بالدونية أو القتل، وهم في هذا لم يختلفوا كليا عن طرق سيطرة الإمبراطوريات السابقة، وأساليب استبدادهم على الشعوب، فلم يكونوا أفضل من الأشوريين ولا الفرس واليونانيين ولا الرومانيين، ولا لاحقا من المغول، والفرنسيين والإنكليز والعثمانيين، إلا أن العرب كان معهم سلاح مغاير وهو القرآن وحجة قوية وهو الغطاء الإلهي، وزادوا عليهم بأن طبعوا الشعوب بمقومات قوميتهم.
استند محمد (صلى) على أسلوبين للتبشير ونشر الإسلام، أرسال البعثات إلى الأمصار البعيدة عن المدينة، كاليمن والنجد وملوك الحضارات المجاورة للجزيرة العربية وغيرهم. والثانية، ترهيب القبائل المجاورة بمنطق الصحراء ذاته، بغزوهم لحادثة قد تكون عرضية، أو كل من تجرأ على المنافسة، أو رفض الجزية، وسميت بالغزوات وليست الفتوحات، ومعظمها لم تكن لغاية نشر الدين بقدر ما كانت لسلب وترهيب القبائل، والتسمية هي نفسها المستخدمة والمقبولة في قوانين عشائر الجزيرة العربية الجاهلية، ومصطلح الفتوحات لم تدرج في التاريخ إلا متأخراً، فحتى في عهد الخليفة الراشدي الأول أبو بكر الصديق لم تذكر اسم الفتوحات، فعند رد القبائل رقيت التسمية إلى سوية الحروب، مع استمرار ثقافة الغزوات الممزوجة بالحروب، وهو المنطق الذي أعتمد عليه في جميع العصور التالية بعد وفاة الرسول(صلى) لنشر الإسلام.
زال الطرف السلمي من منطق الرسول(صلى) في التبشير بعد وفاته، ولم يرسل أي فقيه أو دعاة، أو صحابي، إلى الشعوب قبل غزوها، أو قبيل وصول الجيوش العربية-الإسلامية إلى المناطق، فساد منطق الحروب والغزوات والعنف لنشر الإسلام...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]