ماذا فعل المربع الأمني بالعامل والمستثمر الكردي-الجزء الثالث
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4786 - #24-04-2015# - 22:43
المحور: القضية الكردية
...امتلأت الشوارع بالعاطلين عن العمل من تلك الطبقة العاملة الماهرة، والتي تستمد رزقها من خبرة يديها ومن العمل اليومي. حيث أجواء الثورة والخوف الدائم المقضية على كل رغبة في البناء أو إقامة مشروع اقتصادي، والمقضية أيضا على كل أمل بعودة أو مجيء الاستثمار الكردي من الخارج إليها وإلى مدنها، فهي محيطة بكل الأخطار، وهذا ما أرضت السلطة، لتمرير مخططها ثانية، حيال العوز والفاقة والجوع، ولا يوجد مخرج إلا الهجرة ثانية.
حدث نزوح إلى الخارج بوتيرة أخرى، منه نزوح الجيل الشاب الذي حورب من قبل السلطة عن طريق أدواتها من الأحزاب الكردية في بداية الثورة، وكذلك اليد العاملة الماهرة، وأيضا الكردي العائد من الداخل السوري مع العديد من العائلات والفئة المثقفة، ويعد هذا النزوح من أخطرها، حيث يمكن اعتبار المنطقة قد أفرغت من سكانها الكرد، ولا تستثنى معاملة أل ب ي د للشباب، وإرضاخهم على الخدمة العسكرية، تحت شعارات في ظهارها قومية كردية وفي حقيقتها معادية للكرد والكردية ونفي لكردستانية المشاركة، فلم يقتنع بها أغلبية الشباب القومي والمتربي على الثقافة الكردستانية بما ادعته منظمة ال ب. ي. د. فكان ما كان أن هجر هؤلاء الشباب إلى الخارج. جهزت السلطة لهذه الهجرة كل السبل: إعلاميا، ركزت على رخاوة العيش في أوروبا والإقليم الفيدرالي، وفتحت كل الأبواب لها، وكانت سبل الخروج سهلة ومتوفرة بكثير من سبل العودة، وهذه من الحالات النادرة في تاريخ الأوطان، فعادة عمليات العودة بلا قيود. كما ونشرت سلطة الأسد وبمساندة أدواتها الرعب بعدة طرق، وآخرها هجمات الإرهابيين على القرى والمدن الكردية بطريقة العصابات، خاصة بعدما فشلت عملية المسيرات العروبية في المدن الكردية؛ كالتي حدثت في تربه سبيه والحسكة وقامشلو وغيرها. ولهذا النزوح سلبياته ومضاره المستقبلية أكثر بكثير من نزوح المرحلة الأولى، خاصة بعد الالتجاء الضخم للعنصر العربي إليها والغريب عنها، والذي سيشرع استقراره في المنطقة مع مرور الزمن، مقابل الكردي ابن المنطقة الذي نزح عنها ولن يعود إليها إلا ما ندر. وللتاريخ يجب التذكير: أن قسما من الحركة السياسية الكردية بطريقة أو أخرى لعبت دورا سلبيا بشعا في تفاقم عملية النزوح هذه، وستحاسبهم الأجيال القادمة، وسيدخلون صفحات التاريخ بلونها الأسود، مثلما ستحاسب سلطة الأسد عليها، فالتغيير السلبي لديمغرافية المنطقة والتي تبجح بها بشار الأسد وأحد بعثيي المنطقة، كانت من نتائج أفعال بعض الأحزاب الكردية السلبية والتبعية للقوى الإقليمية وللسلطة السورية، وعلى رأسهم أل ب ي د.
المنطقة الكردية، تنتظر مصيرا مرعباً، وسلطة بشار الأسد ومعها أدواتها المتنوعة، ستقوم بتنفيذ ما خططت لها، وهو القضاء على جغرافية المنطقة وتاريخها، وكردستانيتها، وقسم من الأحزاب الكردية يتحمل جزءا كبيرا من هذه المسؤولية، فلم يتمكن من التحرر من إملاءات القوى الإقليمية، رغم مرور أربعة أعوام على ثورة التحرر الفكري قبل السياسي، كما ولم يتمكن من تكوين الذات على إصدار قرار ذاتي يخدم القضية الوطنية القومية دون الحزبية، وبقيت تكتيكات والإيديولوجيات الحزبية أولى من الغاية الكردستانية، وعليه توسعت هوة الخلافات وتفاقم التنافر، وبقيت نزعة الأنا الحزبية هي المسيطرة، حيث الصح والإيجابيات من ملكية الأحزاب، والخيانة والعمالة تلصق بالآخر، وبحجج مجهزة، وسخرت بل وأرضخت لهذه الصراعات العشوائية شريحة واسعة من الإعلاميين والمثقفين، خاصة أولئك الذين تجبرهم ظروفهم على قبول الأمر الواقع.
خسرت المنطقة الكردية، مستثمريها الوطنيين، وحل محلهم شريحة غنية يشبهون تجار الحروب، تربطهم علاقات متينة بسلطة الأمر الواقع، ولا رغبة لهم في بناء أي مشروع اقتصادي تحت حجة ظروف الحرب الجارية، بل كل همهم الربح السريع.
رغم كل هذه المآسي، التي حلت بالشعب الكردي، إجمالا، لم تتخلص الأحزاب الكردية بل الحركتين الكرديتين من نواقصهم وسلبياتهم، من جملتها التفكير والتكتيك ومنطق التعامل مع المراكز الأمنية يجري كما سابق عهدها. وغياب التركيز على البعد الوطني، وسطوة الانتماء الحزبي، وعدم القدرة على التحرر من الإملاءات الإقليمية، وغياب امتلاك قدرة القرار الذاتي، والرهبة من القوى الإقليمية والسلطات المجاورة لا زالت قائمة. وتهيمن على تعاملهم فيما بينهم تكتيكات التحايل والاستغلال مع استخدام القوة الممكنة لإرضاخ بعضهم البعض، ورغم أن الكل يدّعي بالوطنية، لكنهم يفتقرون إلى النزعة القومية الوطنية، وليس بمقدورهم إنجاز هذه الحقيقة الجلية في الواقع العملي.
ويعلم الجميع أنه لا يمكن للكردي بلوغ غايته وتحقيق الانتصار بدون تشكيل قوة مشتركة من كل الأطراف، وبشراكة صادقة لا خداع فيها. وللأسف، سيبقى الكردي قادرا، فقط، على نقد مقابله والتهجم عليه. علما أن الانتقادات والتشهير بسلبيات الطرف الآخر حالة نسبية. حيث مؤشرات عملية استخدام القوة والتعامل بمنطق القوي، تجاه الآخر الضعيف، ظاهرة من ظواهر الدكتاتورية مهما كانت الأسباب والخلفيات وجيهة، وال ب ي د يستخدم هذه الأساليب وبكل أبعادها، ويلغي الكردي الآخر، وهو الأقرب من الجميع لاستراتيجية الهلال الشيعي أي بما معناه لسلطة بشار الأسد مهما وضع له من التبريرات، وعدم إشراك الكردي الآخر، الذي أضعفته الظروف وسلطة بشار الأسد ليس مبررا لتهميشه وإلغائه، علما أن الأحزاب الكردية الأخرى كحركة سياسية، وليست كأشخاص، يتحملون جملة من الذنوب، وعلى رأسها أسباب الفشل الكردي، وإن لم تكن بمستوى ما تتحمله أل ب ي د.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
MAMOKURDA@GMAIL.COM
[1]