ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء الثالث
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4665 - #14-01-2014# - 16:07
المحور: القضية الكردية
كان الواقع الطبقي في المجتمع الكردي مختلفا ومعدما، مقارنة بالواقع الشيوعي في منابعه والأمكنة التي ظهرت فيها أفكار الصراع الطبقي، رغم إسنادها إلى المفهومين الاشتراكي والنظرية الشيوعية، هذه المعلومة واضحة لكل مطلع نظريا وميدانيا على تاريخ الإقطاع في أوروبا وروسيا قبل الشيوعية، لا شك يستثنى من المقارنة الصراع الطبقي في المجتمع الإسلامي الديني المنتشر في كردستان، لا القومي الكردي، ولا تعنى هنا عائلات المشايخ الدينية الذين لهم تاريخ نضالي قومي مشرف، بعكس ما أدلجها بعض المثقفين الكرد والمؤرخين ثوراتهم وانتفاضاتهم وحصروها في البعد المذهبي أو الديني الإسلامي والطبقي بشكل عام، والتي لم تخرج معظم تحليلاتهم وتأويلاتهم عن الأبحاث الكلاسيكية المستندة إلى نظريات وإيديولوجيات، دون دراسة نوعية في الواقع الاجتماعي والأجواء الثقافية المسيطرة حينها على مفاهيم الكرد عامة، ورؤية البنية التي استندت عليها تلك الثورات وما خلقته قادتها من الوعي القومي وطريقة تسخيرهم البعد الديني للأهداف القومية،
وكانت دراية من المشايخ لحاضر الكرد الثقافي حينها، وذكاءً في تكوين البنية التحتية للثورات الكردية، والمعتمدة على معرفة نقاط الضعف والقوة فيها، باستخدامهم الموجود الممكن عن وعي وبمنطق، وكانت الحنكة عندما دمجوا بين الثقافتين الدينية والقومية، ولم يتمسكوا بمفهوم الأمة الإسلامية بمطلقها حيث انعدام القوميات، وهذا بالضبط ما طبقه العثمانيون والفرس عند تكوين أسس دولتهما القومية، كما ولم يفرضوا القومية الكردية بعشوائية تنفر منها الشريحة العامة الكردية المتدينة، وبهذا مثلوا المرحلة الوسطى ما بين مرحلة ظهور النزعة الكردية القومية التي نحت نحو الاستقلال من الإمبراطوريتين، متجلية في الأمراء الكرد، ومرحلة نمو الشعور القومي الكردستاني تحت مفاهيم مقومات القومية، كما تبناها البعض من الحركات السياسية والثقافية الكردية في بدايات منتصف القرن الماضي، دون القدرة على الخروج من استبداد السلطات الشمولية، أو توعية الشعب قوميا بشكله المطلوب لشعب بدأ يطمح إلى الاستقلال.
بالمقابل كانت العائلات الكبرى وبسبب ظروف الصراعات والعزل الديمغرافي، واستخدام المستعمر سياسة التجهيل المتعمد بعد الثورات العديدة المنقادة من قبل الأمراء وفيما بعد مشايخ التكيات، وبطبيعة عزلة الشعب الكردي بشكل عام والعائلات المتنفذة الكبرى ضمن جغرافية كردستان، لم تصل إليهم بوازغ التنوير السائدة في أوروبا والدول المتحضرة حينها، فحصل تعتيم فكري وثقافي، وكثيرا ما أحيطوا بحدود وخطوط حمر، من حيث التعليم ونشر الثقافة بينهم، مرت عهود على الإهمال المتعمد للمناطق الكردية ولم تفتح أية مراكز ثقافية كالمدارس، حصرت انتشار التكيات الدينية وحظرت على الموجود نشر الثقافة العامة.
فقد كان المستعمرون المحاطون بكردستان يدركون أن معظم العائلات الكبرى والمتنفذة، هم ورثة الأمراء ومشايخ قادة الثورات، نسباً أو ثقافة، لذلك كان التعتيم مستمر، في عمومية كردستان ولقرن من الزمن تقريبا بعد آخر الثورات الكردية، فلم تشهد ظهور أية نهضة ثقافية إلا في المدن الكبرى وفي مجالات جدا ضيقة، ومعظمها استخدمت لأبناء موظفي المستعمرين، والمستوطنين القادمين من قبلهم ولغاية ترسيخ الاستبداد، وبقيت المنطقة بشكل عام تعيش في ظلام، وبالإمكان تسمية تلك الفترة بقرن الظلام الثقافي الفكري، إلا ما ندر، فلم يسلم من هذا الواقع إلا شريحة أو شخصيات من بين أبناء الأمراء أو العائلات الكبرى الذين أسكنوا في مدن المنفى، بإقامة إجبارية ضمن جغرافية تلك المدن، كاستانبول وطهران، مع مراقبة دائمة لحركة تلك الشريحة وتضييقها قدر الإمكان، والمحددة من تأثيراتهم وأبقتها محصورة ضمن تلك المدن وفي محيطهم الخاص، إضافة إلى بعدهم عن كردستان وصعوبة العودة إليها، إما بسبب ظروف تلك الفترة الزمنية أو الحظر والإقامات الجبرية على أغلبهم.
كانت لتلك العزلة دور كبير على إحداث فراغ في قيادة الكرد، ومن ثم تسهيل عمليات تنفيذ المخططات التي طبقتها السلطات المستعمرة لتجهيل الكرد عامة وضمنهم العائلات المتنفذة. مع ذلك، ورغم التعتيم الثقافي، حافظت أغلب العائلات الكبرى والذين ينتمون إلى الأمراء السابقين إما مباشرة أو عن طريق القرابة، على انتمائها القومي والوطني، وبقوا متمسكين بقوميتهم بشكل غريزي وبحكم واقعهم الاجتماعي المعاش، ومشاركتهم اليومية الواقع الاقتصادي لفلاحيهم، والذين كانوا والفلاحين معا في نفس العزلة عن العالم، فكانوا في الواقع الفعلي القيادي القومي، يمثلون المرحلة الثالثة في مواجهة السلطات الاستعمارية لكردستان، وقد ظهرت هذه بشكل واضح في واقع غربي كردستان، في الفترة التي كان فيه فراغ سياسي، وبدايات ظهور الاستعمار الأجنبي، والتحرر من الإمبراطورية العثمانية.
ازداد في هذه الفترة التمسك بقرابة العشيرة، لكن الشعب الكردي لم يتحرر من أرث الماضي بما يتضمنه من أخطاء ونواقص في المسيرة القومية، كالجهل الذي فرضته السلطات بخطط وخباثة، وبقاء الكرد بعد الثورات ضمن جغرافية منعزلة عن العالم المتحضر، لكن من إيجابيات المرحلة، أن الكرد لم يبقوا بدون قيادة، والتي كانت قد تؤدي إلى انحلال قسم منهم ضمن القوميات الأخرى، مثلما حدثت للأغلبية الأمازيغية، وبعض العشائر الكردية التي تم تهجيرها أو نزحت من مناطقها وبقيت بدون قيادة، وهذا ما انتبهت إليها سلطتي البعث والأسد في غربي كردستان وقامت بداية بالقضاء على العائلات الكبرى، التي كانت تعد أحد أهم عوامل مواجهة السلطة في عمليات الاستعراب ومحو ماهية الكرد فيها.
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]