ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء التاسع
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4725 - #19-02-2015# - 23:05
المحور: القضية الكردية
وظل الطرفان على عداوة فيما بينهما، ولم يدرك الكرد، والعشائر التي حاربت الفرنسيين والأتراك، وعلى فترات، أن استغلال الفرصة التي كانت فيها فرنسا منتدبة على سوريا من أنسب الفرص؛ حيث بإمكانهم بناء كيان مستقل بهم.
ربما كانوا بحاجة إلى بعض التنازلات لتسيير مصالح الفرنسيين تطابقا مع مصالحهم. يتبين من وقائع تلك الفترة أن مسعى الكرد لم يرقَ إلى ذلك المستوى، لو أنه رقيّ ربما أدّى إلى تغيير وجهة نظر فرنسا المسبقة عنهم، ولربما كانت فرنسا تنفتح عليهم. وللأسف لم يدرج مثل هذا التكتيك من قبل معظم رؤساء العشائر؛ ولا من قبل المثقفين حينها. وتطورت فيما بعد العلاقات التركية الفرنسية إلى وضع اللمسات الأولى لفصل كردستان الشمالية عن الجنوبية الغربية. وبنت فرنسا مقابل كل مدينة ضمن أراضي تركيا الكمالية مدينة ضمن سوريا المتشكلة حديثا، مثل عفرين وكوباني وسري كانية وقامشلو، ووسعت عين ديوار؛ وفيما بعد ديركا حمكو. وبهذا قسمت الجغرافيا الكردستانية وبالنتيجة العشائر نفسها، كما ضعفت صلة الروابط العائلية على طرفي الحدود. وانخرط البعض منهم في الحقل السياسي الوطني طيلة وجود المنتدب الفرنسي، وفي هذه الفترة لا يلاحظ أي نشاط ملموس لهم لتشكيل كيان كردي مستقل أو حتى المطالبة به، رغم أن معظم رؤساء هذه العشائر شاركوا في مؤتمر خويبون الأول المنعقد في المنطقة، التي أبعدت سيطرة الفرنسيين عن نفسها، تحديدا في قرية دوكر بغرب كردستان، وفي المؤتمر الثاني المنعقد برعاية الفرنسيين في لبنان أيضا لم يتطرقوا إلى ذلك، لعلنا نستخلص منهما أن السبب كان المنطقة الكردستانية الواقعة ضمن أراضي تركيا الكمالية، حتى لا تثير تركيا الكمالية القلاقل في وجه فرنسا.
لم تختلف العوامل التي فرضت ذاتها على العلاقات بين الفرنسيين ورؤساء العشائر الكردية، في الأجزاء الأخرى من جنوب-غربي كردستان، كمنطقة كوباني. حيث آل شاهين، زعماء عشيرة البرازية القوية والمعروفة في الوسط الكردستاني بشكل عام، والمنتشرة في جغرافية واسعة بين سوريا وتركيا، ساكني منطقة كوباني وسهول (دشتا سروجى)، ورغم وجود مثقفين وسياسيين ضمن العائلة نفسها والمقربين منهم، لم يلاحظ منهم جهود تذكر لإيجاد تآلف بينهم وبين الفرنسيين، كي تتغير المعادلة بين الكرد والمنتدب، علما أن علاقات هذه العائلة مع فرنسا في بعض المراحل خرقت الجدلية المذكورة سابقاُ، لكنها لم تغير من المعادلة شيئا.
آل شاهين، عائلة لها حضورها ضمن إدارات الدولة منذ الفترة العثمانية واستمرت في عهد الفرنسيين. بينهم مثقفون وسياسيون، بعكس أغلبية العائلات الكردية الأخرى المتواجدة في جنوب-غربي كردستان وخاصة المنطقة الشرقية منها، كرؤساء عشائر الأشيتية وآليان وكوجران. آل شاهين كانوا أعضاء في البرلمان العثماني في إستانبول، وفي بدايات تأسيس برلمان تركيا الحديثة، فقد كان بوزان شاهين عضوا في البرلمان التركي عند تكوين الدولة التركية، في أنقره، قبل أن يكشف أتاتورك عن نواياه العنصرية حيال الكرد. وكانت للعائلة خبرة في مجال السياسية والدبلوماسية، وكانت متمسكة بأبعادها القومية، والوطنية. كما كانت في صراع مع العثمانيين وفيما بعد مع تركيا الكمالية. كان الجانب القومي هو الطاغي لعدة مراحل زمنية. حين ظهور العنصر الفرنسي في المنطقة، كان لهم ممثلين في البرلمان السوري، ومصطفى شاهين أخ بوزان مثلّ المنطقة في أول تشكيل برلماني سوري. وبسبب الرابط العشائري الوثيق كانت صلاتهم مع العائلات البرازية المعروفة في حماه، المعترفة بزعامة آل شاهين وبتقدير، كانوا على دراية بالدبلوماسية الدولية، رغم كل ذلك بقي الجانب الديني وبعضه الوطني والقبلي مرجحا على الجانب القومي لدى صراعهم مع المنتدب الفرنسي، رغم اتصالاتهم مع الحكومة الفرنسية قبل الانتداب على سوريا، ويقال أنهم طرحوا ولمرات قضية الكيان الكردي في المنطقة قبل الاحتلال وفي بداية الاحتلال إلى حين بروز الخلافات الدينية والوطنية فيما بعد، وتوسعت إلى حد القطيعة بينهم، مما أدت إلى مواجهات عسكرية، وشارك فيها كل من بوزان ومصطفى شاهين، وأدت إلى أن قام الفرنسيون بحرق بيوتهم في قرية (مكتلة) ومن حينها تخلوا عن إعادة محاولة طرح قضية الكيان الكردي المستقل عن سوريا على طاولة المباحثات، مع ذلك عقدت ولعدة مرات اجتماعات بين آل شاهين البرازي والفرنسيين، وذكر بان الفرنسيين لم يسمحوا بالبحث في هذا الموضوع لاحقا لا مع آل شاهين البرازي ولا مع العشائر الكردية الأخرى، أولا لعدم وجود تألف قومي قوي بين العشائر الكردية يؤدي إلى فرض شروطهم، أو التصالح مع المنتدب، والثانية لأسبابهم الاستعمارية.
ويبقى واقع الخطأ مرجحا سلبية دور العامل الذاتي، مثلما حصل مع آل شاهين البرازي، رغم الخلفية الثقافية السياسية والدبلوماسية، والتي كانت كافية لرؤية المستقبل ما بين أن يكونوا جزء من وطن لا تربطهم به سوى الدين. هنا تجدر الإشارة أن نفس أولئك العرب السوريين تعاونوا مع الإنكليز لطرد أخوتهم العثمانيين في الدين من أجل وطن قومي عربي. وتجاهل هذا العامل من قبل الكرد أدى إلى فقدان وطن كان بالإمكان أن يكونوا أصحابه. وفي الواقع فرنسا كانت تملك معظم الإمكانيات لبناء مثل هذا الكيان وإبقائها تحت انتدابها، وهنا يبرز، وحسب تأويلنا لماض منطقتنا، خطأ نحن نعاوده حاضراً. وتطبق الحركة الكردية هذا الخطأ التاريخي ذاته راهناً.
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]