ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء العاشر
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4743 - #09-03-2015# - 02:05
المحور: القضية الكردية
يبقى موضع التساؤل، عدم استغلال زعماء العائلات المنتشرة في جنوب –غربي كردستان، وخاصة تلك التي واجهت الفرنسيين، في منطقة عفرين وكوباني، وآل دقوري في عاموده وآل عباس في منطقة الآشيتيين، وفي فترات متقاربة، خلق تحالف متكامل فيما بينهم وبين العشائر الأخرى. رغم وجود الشريحة الواعية سياسيا أو ثقافيا أو الاثنتين معا بين بعضهم، وفي تلك الفترة الزمنية، كالسادة: مصطفى البرازي وأخيه بوزان البرازي اللذان شاركا في خويبون الأول في دوكر، إلى جانب الحضور الدائم للأميرين جلادت وكاميران بدرخان، بين العشائر وفي العديد من المناسبات، بل ومشاركتهما الفعالة في اجتماعي خويبون. ورغم البنية الثقافية القومية الموجودة عفويا في كثيره لدى الأغلبية؛ لكن لم يرقَ إلى خلق التلاحم الملائم لتكوين القوة المناسبة لفرض الذات على الفرنسيين. كما لم تقم الشخصيات المثقفة بتنمية الوعي الثقافي القومي العفوي، ليكون دافعا لطموح رؤساء هذه العائلات إلى البت في كيان كردي-كردستاني أوسع من إطار العشيرة. وعلى الأغلب وحسب الإسقاطات الفكرية الحاضرة، يُلام المثقف الكردي الواعي للسياسات الدولية حينها، كالأميرين، قبل نقد أي زعيم من زعماء العشائر في هذا المجال.
وهذه تعيد بنا إلى مقارنة جدلية بين الأبعاد الفكرية التي كانت تؤثر على الوعي العام حينها، وعلى المتنفذين منهم، وهي أن البعدين الديني والوطني كانا أقوى بوجود الفرنسيين من البعد القومي، حتى عند الشريحة المثقفة ذاتها. ولا ينسحب هذا فقط على رؤساء العشائر الذين كانوا أميين أو شبه أميين، بل على الشريحة الواسعة من المجتمع الكردي وعلى رأسه المتنورون الكرد آنذاك. يُلاحظ أن نزعة استقلالية العشيرة ذاتها، وطغيانها قد حجبت، على العموم، نزعة الكيان الكردي. انطلاقا منها شارك بعضهم، باسم المنطقة بالاعتماد على العشيرة، في البرلمان السوري عند تشكله. ودون أي انقطاع لهذه المشاركة إلى بداية الستينات حين ظهور البعث. والغريب أن استقلالية العشيرة، وخلافاتهم، تلقفتها الأحزاب الكردية منذ نشأتها وحتى حاضرنا، وهي حقيقة تكاد تكون مرتبطة باستقلالية الفرد الكردي حتى في واقعه الوطني والقومي. مع إثباط ارتقاء البعد القومي ليطغي على استقلالية ذات العائلة أو العشيرة. وكثيرا ما يقال إن النزعة القومية المتطورة تترسخ في اللاشعور وتطفو بالشعور حين أي اصطدام بينها وبين الثقافات الأخرى المتواجدة، أو التيارات الفكرية المتضاربة معها، وهذا النقص لا يزال واضحاً بين مؤيدي الأحزاب السياسية، فمعظمهم يثورون عن نقد الحزب أو زعيمه دون الوطن.
بعد عودة الفرنسيين إلى المنطقة بدءا بالعشائر الآشيتية إلى بقية العشائر وصولا إلى ديركا حمكو (دوركا وحاجي سليمانا ودلممكا وكاسكا، وعشائر هسنا، وعشائر آباسا، وعشائر منطقة آليان، وآسافاتا وغيرها حتى ديركا حمكو) في عام 1927، والتي طردوا منها إثر معركتي بياندور ودياري توبي، قاموا بإضعاف بعض العائلات المقتدرة، كآل عباس، بتحريض مجموعات من ضمن منطقتهم، كالمطران (حبه) المتردد دائما على تلك القرى التي قطنت آل عباس فيها بعض العائلات المسيحية إثر نجاتهم من الإبادة بحقهم من قبل الاتحاد والترقي الطوراني، وكان القصد تقليص نفوذ العائلة بين العشيرة وفي المنطقة بشكل عام، مع إضعافها اقتصاديا.
نفذها الضباط الفرنسيون بعد عودتهم إلى المنطقة، كرد فعل على قتل ضباطهم في المعركتين المذكورتين، بالإضافة إلى قتل وطرد جنودهم. وبذلوا إمكانياتهم الموجودة في المنطقة لعزل العائلة، وهجرت عائلة الشهيد عباس محمد عباس من ضيعه التي استقبلت بعض العائلات المسيحية الهاربة من الفرمان الطوراني، ومعظمهم من عشيرة آل عباس نفسها، أو بينهم قرابة عشائرية وثيقة. وقد استوطنوهم في أملاكهم من القرى ليمنع من تطاول يد الاتحاد والترقي إليها لإعادة المجازر ثانية. ولم تكتفِ فرنسا ومعها هؤلاء الملتجئين إليهم بهذا فحسب، بل أجبروا بقية آل عباس على التنازل عن قراهم عنوة لهذه العائلات المسيحية. وامتد بطش القوات الفرنسية إلى تهجير الكرد المسلمين واليهود من ممتلكات العائلة التي تعود تاريخ ملكيتها إلى أكثر من قرنين من الزمن آنذاك. ولا زالت سنداتها العقارية الصادرة من الأستانة بحوزة العائلة (بالمناسبة قدمت نسخة من هذه السندات إلى ديوان حافظ الأسد حين تعريب المنطقة والاستيلاء على قرى آل عباس وسحب الجنسية السورية من عائلة أبن الشهيد (محمد عباس) عام 1967 مع وثائق تاريخية أخرى). كانت القرية المملوكة والمسكونة من قبل الشهيد نفسه، أول القرى التي سلبت من العائلة، وهي قرية (محركا) بالإضافة إلى كرشيران وغردوكا وغيرها، التي كان يملكها ويسكنها الآخرون من العائلة أو عائلات من عشيرته دوركا. فأغلبية هؤلاء المسيحيين هم من عشيرتهم وأسكنوهم في هذه الضياع تحت أسماء إسلامية متنوعة إلى أن زال خطر مجازر العثمانيين عنهم.
لم تأبه فرنسا للقضية التاريخية تلك ولا للقرابة بينهم، بقدر ما أثارتها عملية طردهم من المنطقة لمدة سنوات ثلاث، وقتل الضباط الفرنسيين والجنود أثناء المعركتين بعد مقتل عباس، وسجن عمه سليمان عباس. لدى أطلق سراح الأخير، وبفدية كبيرة حينها، أدرك أن فرنسا لن تستكين، وأنتبه لما يدور حوله من التآمر على نفوذ العائلة التي لم ترضَ بالفرنسيين، ولم ترغب في التصالح مع نفوذ المنتدب الجديد. ومن جانبهم لم يستكن الفرنسيون ولم يطمئنوا، لنفوذه ونفوذ العشيرة في المنطقة المعارضة لهم. لم يكن سليمان عباس كغيره على دراية بالعمل على إيجاد كيان كردي. ولم يستغل مثقفو الكرد، حينذاك، نفوذه كزعيم لعائلة متمكنة وقوية في المنطقة وترؤسه لبعض العشائر الشيتية، من تكوين تآلف عشائري موحد لسد الفراغ الحاصل في المنطقة بعد طرد العثمانيين. ولم يألُ جهدا المتنورون من الكرد لإتاحة تقارب بين القادمين الجدد وكرد المنطقة كقوة جديرة لتشكيل كيان كردي مستقل، على الأقل، كمنطقة ذات حكم ذاتي. كما لم يستفد زعماء العشائر وخاصة المثقفين بينهم كالأميرين جلادت وكاميران بدرخان، وآل شاهين البرازي وعشائر منطقة عفرين، وغيرهم الذين عقدوا مؤتمر خويبون الأول من تطوير تجمعهم ذاك إلى مستوى يطمح الفرنسيين بتشكيل كيانهم أسوة بالعلويين والدروز وحلب ودمشق. ليس هذا فحسب، بل لم يعرفوا بما فيه الكفاية كيف يحولوا تجمعهم لدفع القوى الاستعمارية، بتحريك طاقات تلك العشائر والأمراء لضرب القوة التركية من أجل كيان كردي.
لم تَعِرْ فرنسا أهمية للقضية الكردية في المنطقة لعدة أسباب منها ضعف الثقل الكردي حيال الوجود الفرنسي، وغياب الشرط الذاتي الشبه تام، والتركيز على الجزء الشمالي من كردستان؛ بينما الواقع كان رحبا للتوجه نحو الجغرافية التي تشكلت منها سوريا. فالتهميش من قبل فرنسا، إلى جانب جهل استغلال القوة الذاتية الكردية، وتحويلها إلى عامل إرضاخ أو ترغيب للفرنسيين من أجل إيجاد كيان كردي، ليس ترك فرنسا في شكوكها تجاه الكرد. ما يستشف من تاريخ تلك الفترة أن الكرد أهملوا قوتهم وتركوا فرنسا تبددها عندما انتقمت من آل عباس والعشائر الشيتية أثناء عودتها ثانية إلى المنطقة.
أنقسم قادة الكرد في هذه الفترة إلى قسمين، عفوي ذاتي بالنسبة لقادة العشائر الأمية، ومخطط من قبل فرنسا بالنسبة للقادة شبه المثقفين والمثقفين، إلى جانب القلة الذين بحثوا عن مصالحهم الذاتية وساندوا مخطط الفرنسيين لتحويل المنطقة إلى إدارة ذاتية مشابهة لمارونية لبنان، تديرها مراكز عسكرية أمنية، لا تختلف في كثيره عن حاضر السلطة الشمولية السورية...
يتبع...[1]