لماذا منطقة عازلة في غرب كردستان؟
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4582 - #22-09-2014# - 05:39
المحور: القضية الكردية
داعش تقوم بمهمتها، وبإسناد من الدول التي تعادي كردستان الحلم، وببشاعاتها ومجازرها تحقق رغبات حكومات عنصرية وسلطات شمولية، فهي المنظمة المافوية ذات الأوجه المتعددة والتي تتلاءم وكل الرغبات الخبيثة، ومن ضمنها الموجهة ضد الشعب الكردي، وقيمه، وأحلامه، غيبت بهمجيتها الكثير من الآمال الكردية، وأحالتهم إلى فترات زمنية قادمة.
تساند المنظمة الإرهابية(داعش)، معظم الدول التي تعادي بعضها إيديولوجيا واستراتيجية وتتقاتل في مناطق ساخنة عديدة، وهي ذاتها التي تندرج اليوم في حلف مع أمريكا ضد المنظمة نفسها، كما وتدعمها سراً أو جهاراً. وهنا تكمن الغرابة في الموقف الأمريكي الذي لابد وأنها على علم بكل هذه الفوضى السياسية والنفاق الدبلوماسي، وتصمت عليه وتسير في الركب بدون تبيان أي امتعاض أو صرامة، وربما هي سياسة أوباما الغارقة في الميوعة الديمقراطية. وما يتبين أنهم جميعا متفقون على دعم المنظمة الإرهابية، لأنها تلبي طلبات الجميع، وتحقق أجندات الأغلبية منهم، ولا تتوانى من السير بوجهتها إلى حيث اتفقت عليها هذه الدول المتصارعة، بدأً من السلطة السورية الشمولية إلى تركيا التي تتحرك لتخرج من مستنقع الصراع السوري، وستكتفي بما ستقوم به داعش من تلبية لأجنداتها، إلى إيران الخالقة للمنظمة، والعديد من الدول العربية الغارقة في العنصرية القومية والتي بالإمكان أن تغمض عينيها عن مجازر الأسد حين حضور القضية الكردية.
جميعهم يتفقون على وئد الحلم الكردي في مهده، يدركون أنها الدولة التي ستكون البديلة عن مراكزهم الدولية، وستكون مركز لنشر المفاهيم الديمقراطية في المنطقة، وستقضي على الكثير من هيبتهم. فدفعوا بهذه المنظمة الإجرامية لتغير من مسار صراعها السابق مع المعارضة السورية، بعد أن دعمت بقوة عسكرية متطورة جدا، لتهاجم بشكل مفاجئ المناطق الكردية، بدأتها من جغرافية الإقليم في العراق، إلى حيث غرب كردستان، تحت صمت دولي في بداية الأولى، وصمت لا يزال مستمرا في المرحلة الثانية، وبخلاف الحراك الدولي أو المساندة العسكرية أو الإنسانية، ظهرت بوادر الخطوة الثانية المقررة لغرب كردستان، وهي إقامة منطقة عازلة على طول حدود تركيا الجنوبية، أي إدخال غرب كردستان بشكل مجزئ ضمن حصار عسكري دولي وتحت مراقبة دولية، يقضون بها على الحراك الكردي العام، وتقرير مصيرها في سوريا القادمة وحسبما تتطلبه الدولة المستعمرة لكردستان.
لم يكن تصريح أردوغان حول منطقة العزل وبمساندة أمريكا ودول أخرى، سوى تأكيد على أن الاتفاقية كانت قد بحثت سابقا وهي مكتملة الأوصال، وهو يتحدث نيابة عن الجانب الأمريكي أيضا، في الوقت ذاته، وقبل أيام، هو نفسه الذي رفض الاقتراح الأمريكي للانضمام إلى الحلف الذي يحارب الإرهاب، منظمة داعش بالذات، مستندا في حواراته السرية مع وزير خارجية أمريكا جون كيري على قضية مختطفيه، وهو لا يزال على رفضه رغم إطلاق سراحهم، لكن من الظاهر إن الوسيط قد وضع ضمانات لا يتمكن من إخلاف وعده لداعش، وعلى الأغلب إحدى هذه الضمانات يتعلق بمقبرة السلطان التركي الموجودة على ضفاف الفرات ضمن منطقة سيطرة داعش، وعلى الأغلب الوعد يتضمن الإسناد العسكري وإيواء جرحى الإرهابيين، ولا يشك بأنه هناك وعود على استمرارية الإسناد والتسهيلات، مثل مرور الإرهابيين عن طريق مطاراتها وأراضيها وعدم إغلاق حدودها لتحركاتهم، إضافة إلى صمتها إزاء ما تقوم به من المجازر على طول المنطقة الكردية في غرب كردستان، تحت حجة سيطرة أل ب ي د على المنطقة.
أردوغان يقوم بهذا التحرك الدبلوماسي والسياسي الواسع لإقامة منطقة عازلة على طول حدودها ضمن سوريا، أي المنطقة الكردية، والخطة منتهية ومتفقون عليها منذ زمن؟ وما تحدث به اليوم وبالنيابة عن أمريكا أيضاً، كانت لاعتبارات دبلوماسية ولإظهارها إعلامياً، ولإدراجها ضمن المنطق القانوني، دوليا، وللحصول على موافقة من مجلس الهيئات الدولية المسؤولة، كمجلس الأمن.
وعلى الأغلب يؤكد هذا التصريح، والخطة المحتملة القيام بها في الأيام أو الأسابيع القادمة، على أن تركيا لها اليد الطولى في هجمات داعش على غرب كردستان، وبإسناد مباشر من السلطة السورية والهلال الشيعي، والصمت العالمي.
ولا شك، لا تندرج هذه الخطة ضمن العمل الإنساني، وخاصة من المنطلق الكردي والشعوب المتواجدة في المنطقة والأقليات الدينية التي تأذت وتتأذى من شرور هذه المنظمة التكفيرية المتشكلة من كل أنواع المجرمين في العالم، فالعمل الإنساني، يتطلب الحد من هجمات المنظمة الظلامية وعدم دعمها عسكريا ولوجستيا، ومحاربتها بكل الطرق وباستخدام كل أنواع القوى. بل لها عدة أبعاد أخرى، سياسية ولوجستية، منها: تأمين منطقة لتجميع السوريين الذي يتواجدون على أراضي تركيا، ستنقل مخيمات اللاجئين إلى هذه المنطقة، وربما قسم من السوريين الذين في لبنان أيضا، وذلك لاعتبارات سياسية وأمنية، وتركيا تدرك أن هذا الكم الهائل من اللاجئين سيكونون قريبا منبعا للعديد من المشاكل الداخلية والخارجية لها، وهي بهذا ستكون قد قضت على سيطرة قوة أل ي ب ك على المنطقة وهي تعتبرها تحديد لقوة أل ب ك ك أيضا، كما وإنها ستغرق المنطقة الكردية في سوريا بفيضان بشري، وستعتم بها على القضية الكردية القومية وستدرجها ضمن القضية الوطنية السورية العامة، وذلك تحت الصبغة الإنسانية. ولا شك إنها الطريقة المثلى التي تجدها تركيا للخلاص من هاجسين: هاجس المهاجرين، وهاجس الصراع السوري التي بدأت تغرق فيه.
وتبقى الحقيقة التي ذكرناها والمخفية عند الأخرين، والواضحة عند الأغلبية الكردية، عملية القضاء على الحلم الكردي في سوريا القادمة وتسييرها حسب أجندات تركيا، في الواقع السوري وإعدام الحلم الكردستاني على مستوى الأمة الكردية عامة.
وهنا ولا بد من البحث ذاتيا عن أحد أسباب التعتيم الدولي على هذه القضية، التي تكاد أن تزول رغم قربها، وأسباب هذه المصائب، والفشل الذي يحيط بنا، والتي تندرج في معظمه ضمن حضن الأحزاب الكردية والكردستانية، وبدون استثناء، نعم بدون استثناء، سوف يحاسبهم الشعب قبل الله يوما ما، يوم كانوا يصمتون ويصمون الأذان عن السماع، والأصوات كانت ولا تزال ترفع من قبل الشعب والكتاب والمثقفين والشباب الثوريين والسياسيين المستقلين، لبناء جيش كردي مشترك، والتضيق على الخلافات، والشراكة في الإدارة السياسية والإدارية والعسكرية، وقبل كل هذا كانت المطالب متحدة من المنتقدين لسياساتهم بالتخلي عن الانتماءات الحزبية الذاتية ومن ثم التبعية للقوى الإقليمية.
لا شك، أن تلك الانتماءات للقوى الإقليمية وارتباطاتهم مع الأعداء، وصراعاتهم المسيرة حسبما تتطلبه أجندات العدو، والتعتيم على كل هذا النفاق في وضح النهار، وتخوين كل من نقدهم على ذيليتهم، خلقت مآسي شنكال وهي تخلق مثيلتها في كوباني وريفها، ولا نعلم ماذا سيكون في المستقبل، وأين ستكون المنطقة القادمة، اللهم لا شماتة بأمتي ولا بشعبي ولا باهلي، ولا بوطن أدين لها بذاتي وضميري المثلوم. هم وحدهم وكلهم جميعا، جميعا، متهمون، متهمون، ليس في وطنيتهم بل في حزبيتهم وجهلهم السياسي.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]