مقايضة القوى الكردستانية على غرب كردستان
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4476 - #08-06-2014# - 21:17
المحور: القضية الكردية
فيدرالية تصبوا إلى الكونفدرالية، كمرحلة تسبق إزالة اسم إقليم كردستان العراق، تتحرك ضمن دستور السلطة المركزية المطاطي، والمستفاد من بعض جوانبه، رغم الصعوبات والصراعات المتفاقمة بين فترة وأخرى، مقابل الخسارات المتعددة والتي تبدأ من جغرافيتها وتاريخها وجزء من اقتصادها، كعملية التعتيم على القرار رقم 140، إلى جانب الرضوخ، وعلى مضض، لأجندات الدول المجاورة والمستعمرة لكردستان، تحسبا لتحركات دبلوماسية خبيثة قد تكون على حساب كيان لا يزال في طور البناء، وتنتهي بالتهجمات العشوائية من قبل الإخوة في الدم والغاية.
الحركتين الثقافية والسياسية لغرب كردستان كثيرا ما لا تعير اهتماما للأخطار المصيرية المحدقة بها، ولا تقيم دراسة للواقع الجيوبولوتيكي للإقليم، قبل نقدهم لإشكالية العلاقات أو عرض طلبات دبلوماسية سياسية أو حتى اقتصادية منها، فكثيراً ما يتناسون أنهم أمام كيان يصارع ويعاشر مخلفات السلطات الشمولية وثقافتهم، فتأثيراتها لا تزال مترسخة وتبان في كل الزوايا، وهي تنخر في بعضه جسم الإقليم ذاته ولا يمكن إزالتها بمجرد الرغبة أو في سنوات قليلة وخاصة من مفاهيم الشريحة التي عاشرت المراحل وتدير الحكومة بنفس الذهنية أو قريبة منها، إلى جانب ضآلة الخبرة في بناء إقليم تطمح إلى تكوين الدولة، مقارنة بالمخضرمين من الحكومات المحاطة بها والذين يكشرون عن الأنياب عند كل حراك قومي أبعد من جغرافية الإقليم، والتهديدات المبطنة المتصاعدة من الخارج أو من ضمن جغرافيتها ذاته.
الانتقادات عديدة، تتكالب بدراية أو دونها، وتتناول جميع الجوانب، الاستراتيجية منها والتكتيكية، إلى جانب الثقافية والاقتصادية، والأولى هي الأكثر ما يهتم بها البعض من الحراكين في غرب كردستان، تعرض على طاولة كردستان الوطن، دون دراسة الظروف الذاتية والموضوعية التي عرضناها والتي تخص الإقليم ومستقبله. قلائل هم الذين ينتقدون لتصويب المسيرة الذاتية أو الوطنية، ضمن الظروف المتواجدة فيها مقارنة بالقضايا الاستراتيجية الكردستانية، مع الانتباه إلى الأجندات الدولية التي تفرض ذاتها في واقع الشرق الأوسط عامة.
وفي الطرف الأخر حيث القنديل، كقوة في العمق الكردستاني، ومواجهة الحكومات الطورانية المتتالية، لها استراتيجيتها التي تعتمد عليها في صراعها، واستمراريتها كمنظمة لها أيديولوجية مرفوضة من العالمين الأوروبي والأمريكي، ومنفية من معظم العلاقات الدولية والقضايا المخصصة لعالم الشرق الأوسط، تحاربها قوتين، كردستانية ودولية، دون التمعن في الظروف الذاتية والموضوعية التي بنيت عليها حزب ب ك ك ، أو دراسة المفاهيم التي استندت إليها لتبلغ السوية الموجودة حاليا، إلى جانب ظروفها الموضوعية التي تفرض ذاتها عليه للإبقاء على هيمنتها الكردستانية من خلال أجزاء منها، والتي تحولت في العقد الأخير إلى منظمة كردستانية، وفيما بعد ديمقراطية تود أن تتجاوز جغرافية الوطن، والتي لم تتلقى النقد المبني على هذا التحولات أو هذه النقلة الإيديولوجية، ولها ما يبررها من حيث التكتم على علاقاتها الاستراتيجية ونفي ارتباطاتها التكتيكية. والأغلبية من النقاد يتجهون إلى اتهامات مباشرة بتبيان علاقاتها المريبة بالنسبة لهم، وتهجمات دون تحليل لصواب الإيديولوجية أو خطأها، والمطروحة بالنسبة للظروف الذاتية والموضوعية للقضية الكردستانية والشعب الكردي، وهذ كلها بينة لكل متتبع لمسيرة المنظومة.
لا شك، لهما أخطاءهما المصيرية بالنسبة لذاتهما، ولغرب كردستان في ظروفهما الجارية، فانحياز الطرفين إلى ذاتية أنانية، إقليمية لحماية كيانها الجديد، وإيديولوجية أممية، للمنظومة الديمقراطية، على الواقع الكردستاني دون الشعوب أو الحكومات التي تحتل كردستان، له ما يبرره في الذاتية الخاصة، للحفاظ على وجودهما أولاً والوصول إلى الغاية ثانياً، والذي لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند كل نقد أو تهجم، فالتعرض لهما بدون دراية خسارة لكيانات يؤمل منها أن تكون ركائز لكردستان قادمة، حتى ولو بقوا في إطارهم الخاص.
لكن وتبقى لغرب كردستان خصوصيات يتطلب منهم ألا يتطاولون عليها، عند التعامل معها، وألا يحاولا تسخيرها لفرض ذاتهما والاستمرار في خصوصياتهما على أنهما القوى التي يجب أن تقدم لهما الخدمات، أو أن تكون المنطقة وشعبها ضحية لهما، يلغيانها من الإطار الوطني والقومي الكردستاني، ويدرجانها ضمن خلافاتهما الحزبية، أو يقايضانها على طاولة المحافل الدولية، ، ودون أن يعرضان القضية في غرب كردستان بشكلها الوطني الموضوعي، والتي كانت عليهما تقديم ما يتوجب من خدمات ومساعدات، وعدم التدخل في الخلافات التي تثيرها أصلا سلطة الأسد الشمولية.
خلافات الطرفين جلية في غرب كردستان منذ عقود، ويدرجون غرب كردستان ضمنها ويقايضون عليها، فيدفعون بها إلى حواف الصراع العسكري، بالطرق التي يتعاملون بها مع أحزابهم السياسية وحراكهم الثقافي، وأساليب تداولهم لهم كأدوات يتاجرون بهم في محافل الدول الإقليمية، للحصول على قوة ودعم دبلوماسي ما، وهذا ما لا يعيره الحراكين في غرب كردستان اعتبارا، فينجرفون إلى صراعاتهم، وينقلونها إلى منطقتهم، إما بسبب الظروف القاهرة التي تمر بها أو لتبعية فقهية روحية ومادية دون نقاش على ما ستخسره شعبها.
لا شك أن المعاناة والمآسي التي تمر بها المنطقة وسوريا عامة هي من عمل السلطة الشمولية وهي المذنبة في كل ما يحصل في الأفاق الاقتصادية من تدمير، أو هدم للبنية التحتية ولإنسان سوريا عامة وما يجري من الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة، إلا أن إهمال القوتين الكردستانيتين في تناول القضية القومية والوطنية بموضوعية وتفضيل مصالحها الذاتية على الوطنية واحدة من الأسباب التي سهلت الأمور للسلطة السورية والدول الإقليمية بالتلاعب بمصير المنطقة الكردية، وتمرير أجنداتهم، ومن المعروف للجميع أنه لسلطة الأمن السورية علاقات استراتيجية مع الجهتين، حتى ولو كانت قد انعزلت عنها تكتيكيا إقليم شمال العراق.
تفاقم الخلافات بين أل ب ي د وال ب د ك – س جذورها تمتد إلى إيديولوجية واستراتيجية الطرفين الذين يتحكمان بإرادتهما، هولير وقنديل، فمن المؤسف أن تتنازل القوتان عن إرادتهما الذاتية ويستوردان قراراتها من أروقة الدول المتاجرة بالقضية الكردية مع وجودهم ضمن السند الديمغرافي الكردستاني الضخم، والتي بإمكانها أن تغير العديد من المعادلات التي يجب أن تقف عليها الحراكين في غرب كردستان وفي الأقسام الأخرى أيضا، وهنا لا نتعرض إلى العلاقات الدبلوماسية والتحالفات الاستراتيجية، بل منطق الإرادة والقرارات القومية الذاتية، وهي من ضمن جدلية استمراريتها بالبقاء حراً والديمومة في استقلالية القرارات، وتستند إلى ثلاث حالات لا بد من تغييرهم، فبدون إزالتهم ستبقى الإرادة وحرية الاختيار في يد القوى الإقليمية، وهذه الحالات الثلاث هي:
1- التحرر من منطق الاستجداء الذي لقنهم إياها السلطات الشمولية على مدى عقود من الزمن، فمطالب الكرد يجب ألا تستجدى، بل أن تعمل على تطبيقها، كالفيدرالية للمنطقة وعرضها كنظام لسوريا القادمة، فمن شبه المستحيل أن يقدمها الأخر للكرد باستجداء أو بالانجراف معهم في استراتيجية لتحقيق أجنداتهم في المنطقة، فالقوى المسيطرة على كردستان يلغون وجود الكرد كشعب أو كقضية، وفي غرب كردستان تكاد أن تلتقي المعارضة الانتهازية أو السلطة الشمولية المجرمة في هذه.
2- عدم الاستقواء أو أخذ القرارات من القوى أو الدول المحاطة أو المستعمرة لكردستان، إن كانت لغايات وطنية أو إقليمية، ويجب التخلي عن الأهداف الذاتية وتمرير أجندات حزبية تحت حجة الظروف التكتيكية، فتلك القوى لن تسمح للحراك الكردي أن تطرح على الساحة الوطنية أو الدولية مفاهيم كردستانية أو حتى قومية إقليمية، فاختيار القرار ذاتيا وبدون مرجعية تلك الدول ستسهل من اقتراب الأطراف الكردستانية من بعضها وستظهر عوامل التلاقي، عندها سيصبح الهدف واضحا وطنيا.
3- يجب أن يكون التعامل مع هولير وقنديل من خلال البعد الوطني، وتبقى العلاقات مع الأحزاب الكردستانية مستمرة، شريطة ألا تقوم تلك الأحزاب القوية بمقايضة الأجزاء الأخرى لمصالحها الذاتية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]