لامستقبل للكرد السوريين من دون حل أزمة حركتهم
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 7394 - #22-10-2023# - 15:25
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
تعريف : المقصود هو حل أزمة الحركة الكردية السورية ( إعادة بناء تنظيمي ، توحيد ، شرعنة ، فكر قومي ديموقراطي ، توجه وطني - ) ، وذلك لانها تعاني التفكك ، والانقسام ، وضياع المشروع القومي - الوطني المتوافق عليه بين الغالبية الشعبية ، وتحول الصراع السياسي والحوار السلمي الفكري الخلاق الى مواجهات النبذ ، والتخوين ، والاقصاء ، والتجاهل بين أحزاب ، ومحاور حول المصالح الذاتية الخاصة ، وتحريف المسار السياسي عن الخط القومي الديموقراطي من النواحي التاريخية ، والجغرافية ، وتقزيم الأهداف ، والمطالب القومية ، وافراغها من المضمون الحقيقي المستند الى مبدأ تقرير مصير شعب كسائر شعوب المنطقة ، والعالم ، الى جزئيات مناطقية في الشكل والجوهر ، مما تضيف تعقيدات جديدة امام حلها ، ومجرد رغبات لتحسين أوضاع حزبية سلطوية .
في الأولويات ، والنضال السياسي ، والكفاح المسلح
ولكن لماذا اعتبار إعادة بناء الحركة الكردية من الأولويات ؟ لان الحركة الكردية السياسية هي الأداة الوحيدة لنضال الكرد السوريين الذين اختاروا الأسلوب الحواري ،السلمي ، السياسي ، الجماهيري ، الثقافي ، منذ اول الانطلاقة القومية ، لتاكيد الوجود ، واستعادة الحقوق ، ومن الناحية الفعلية خسر الكرد أداتهم النضالية في الظرف الراهن ولابد من استعادتها، من جهة أخرى وباستِناء ظروف طارئة ووقتية مرت على سوريا والكثير من شعوب ، وبلدان المنطقة خلال التصدي لجحافل ارهابيي – داعش – كدفاع عن النفس ، فان الحل العسكري غير وارد بشأن القضية الكردية السورية ، والكرد السورييون بغالبيتهم الساحقة يرفضون عسكرة المجتمع ، وتسليح المرأة والرجل ، والشباب ، والقصر ، ومن الممكن ان تعقب التسليح مواجهات دموية لحل الخلافات في ظل الوضع الموبوء الراهن ، وصولا الى حروب أهلية او ( اقتتال الاخوة ) كما حصل في كردستان العراق في مراحل دامية سابقة .
هنا لابد من الإشارة ان المسالة العسكرية – الأمنية للمناطق الكردية ستكون ضمن الصيغة التي يتم التوافق حولها بشأن حل القضية الكردية النهائي في سوريا ، وحسب إرادة الغالبية الكردية ، وبالتوافق مع الشركاء من الوطنيين الديموقراطيين وفي الاطار السوري العام ، بضمانة دستورية مثبتة ، وموثقة ، وليس من خلال مداولات جانبية سرية لفرض ميليشيات حزبية في هذه المنطقة وتلك .
من المسلمات ان لكل جزء خصوصياته وبينها الاختلاف في وسائل النضال ، ومن المعلوم ان العمل العسكري – الثوري كان طاغيا على معظم حركات الأجزاء الأخرى منذ تقسيم كردستان ، ولاشك ان العامل الوطني كان له دور فاعل في كثير من الحالات حيث نشأت المعارضة العراقية على سبيل المثال منذ تولي حزب البعث مقاليد السلطة على مفاهيم الكفاح المسلح ، والتقت بذلك مع الحالة الكردية الثائرة ، وبخلاف تجربة كردستان العراق المميزة لم تتحقق اية انتصارات عبر العمل العسكري في ساحتي تركيا ، وايران .
تداعيات التخلي عن حل الازمة
لم تكن الحركة في احسن احوالها منذ نحو عقد ، ثم تفاقمت أزمتها أكثر منذ بد ايات الثورة السورية المغدورة ، عندما دب الانقسام في صفوف الأحزاب حول الموقف من الثورة ، والقضية الوطنية ، ونظام الاستبداد ، واستطرادا نشاطات الشباب الكرد ، ومشاركة تنسيقياتهم في التظاهرات الاحتجاجية السلمية اسوة بنظيراتها السورية بمختلف المناطق ، مما خلق ذلك شرخا في الصف الكردي السوري تحديدا بعد وقوف – ب ي د – وتوابعه في صف النظام ، واتخاذ أحزاب أخرى موقف المحايد ، ومضي الشباب والوطنيين اللاحزبيين بالانخراط بالثورة ، ولو لمدة زمنية محدودة وحتى اكتشاف انحراف مكونات المعارضة التي تصدرها الاسلام السياسي عن خط الثورة .
تهجير سياسي ، ثم موجة جديدة
نتج عن تفاقم الخلافات ، وقمع سلطة الامر الواقع ، وبقاء الازمة دون حل ، هجرة واسعة وفي بعض الأحيان التهجير القسري ، وتم افراغ المناطق الكردية لاكثر من النصف ، ومنذ ان فقد الشعب أي امل بتحسن الوضع ، وانفراج ازمة الحركة الكردية ، ظهرت موجة جديدة للهجرة – الانتحارية – عبر المهربين ، والبحار ، ولجأت الأحزاب الى دعم المحاور ، والمال السياسي ، وتراجعت القضية الكردية السورية ، وتبدلت ملامحها ، وأهدافها ، بعد تبنيها لاجندات الاخرين ، وتم الخلط بين الصديق ، والعدو حيث اصبح نظام الاستبداد صديقا بل ملاذا ، واختير أعداء افتراضييون ، واستفحل العداء الكردي – الكردي ، وتعرضت مبادئ العيش المشترك للاهتزاز .
الشأن الفكري الثقافي
تأثرت الحركة الثقافية الكردية سلبا في ظل ازمة الحركة السياسية ، وتراجع الابداع الثقافي الحر ، وانقسم المثقفون بدورهم ليتبعوا هذا الطرف الحزبي او ذاك ولم يتمكنوا حتى الان من تنظيم صفوفهم مهنيا ومن خلال اطرهم ، واتخاذ الموقف المناسب الملتزم بمصالح شعبهم بمعزل عن التبعية ، او المواقف الرمادية ، فالموقع التاريخي للمثقف الملتزم هو الى جانب الغالبية الشعبية ، ومع التطوير ، والتغيير الديموقراطي ، وإعادة البناء ، ومع الحركة الكردية الموحدة ، بل مع اثرائها بالعلم ، والمعرفة ، ومع إعادة كتابة تاريخ الشعب الكردي ، ودوره في احداث المنطقة قديما وحديثا ، لا ان يكتب بدافع العيش حسب عرض ، وطلب السوق يمدح هذا ، ويهجو ذاك ؟! .
من دون انكار تصدر مجموعات من الجيل الجديد في الكتابة النقدية الواعدة ، واطلاق أصوات شبابية تدعو الى التغيير بالداخل ( بالرغم من محاولات استيعابها ، وتدجينها ...) الا ان الساحة الكردية السورية تفتقر بشدة الى نتاجات جادة حول تطورات الفكر القومي ، وتحولاته على ضوء حركة التغيير المتسارعة في بنية ، وبرامج حركات التحرر ، والانتقال الى مراحل جديدة بعد توقف الحرب الباردة ، وسقوط المعسكر الاشتراكي ، والصراعات بين الأقطاب ، والتقدم التكنولوجي المعولم ، وتبدل ملامح القضايا القومية في العالم ، ورجحان كفة البعد الوطني في الدول التي تقتسم الكرد ، وافول نجم الآيديولوجيات ، وظاهرة الثورات الشبابية – النسائية العفوية المسالمة .
لقد دفعت الازمة وادامتها ، وعدم حلها الجزء الأكبر من مسؤولي أحزاب طرفي الاستقطاب المتنفذين ، وبشكل خاص الطرف الذي يقود البقية الباقية من سلطة الامر الواقع اعتبار انفسهم في بعض المواقف أولياء أمور الكرد ، والمتكلمين باسمه ، والمتاجرين بقضيته ، وفي مواقف أخرى لايابهون بمصيره ، ويتبرؤون من قضيته القومية ، ويقفون ضد وحدة حركته ، نعم فان الازدواجية المتناقضة هذه وتدني الشعور بالمسؤولية ، وأساليب التضليل والخداع ، من تداعيات ازمة الحركة وتفاقمها ، وهي العنوان الذي يطبع المشهد الحزبي في هذه المرحلة الأكثر خطورة في تاريخنا .
عودة الى ماقبل الانتماء القومي
من المشاهد المؤلمة والمدمرة التي خلفتها أزمة الحركة ، واستعصاءات حلها ، العودة الى الاحتماء باالعشائرية ، والدعوة الى المناطقية ، والقسم الأكبر من الظاهرة هذه من صنع وتشجيع أحزاب الطرفين ، فهناك من يسعى الى توسيع الهوة بين كرد الجزيرة ، وكوباني ، وعفرين ، فعدد الروابط ، والجمعيات ، والاطر ، والمواقع الإعلامية والنشاطات على أساس مناطقي ، وعشائري في الاعوام الثلاثة الأخيرة يفوق أعداد منظمات المجتمع المدني المهتمة بالثقافة القومية ، والجامعة لكل الكرد السوريين ، وهناك بوادر تشكل تيارات ، وشلل ترجح الانتماء المناطقي على القومي ، والوطني ، وتمنح الأولوية للحلول الجزئية على حساب الحل الشامل للقضية القومية الكردية في سوريا .
لذلك كله ومن اجل وقف التدهور ، وقطع الطريق على جميع أنواع الردات الفكرية ، والثقافية ، والأخلاقية ، لابد من العودة الى الشعب الوحيد الذي يمكن ان يعيد الأمور الى نصابها ، والبحث عن اداتنا النضالية ، من خلال العمل الجاد على توفير شروط عقد المؤتمر التصالحي الكردي السوري وإزالة كل العقبات من طريقه ( راجع مبادرة بزاف المنشورة فيwww.bizav.org ) ، لاعادة توحيد الحركة – الأداة ، وصياغة المشروع الكردي بجانبيه القومي ، والوطني.[1]