شعوب الشرق الأوسط والقلق المشروع
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 7059 - #27-10-2021# - 20:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
امام جميع الحروب ، والصراعات ، والمواجهات العسكرية، التي شهدتها ومازالت تعاني منها بلدان ومناطق الشرق الأوسط ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، مرورا بحقبة الحرب الباردة ونهايتها ، وظهور أنظمة فاشية ، ودكتاتورية ، وشوفينية، وتصاعد إرهاب الإسلام السياسي في مختلف الارجاء ، وموجات الهجرة ، والتهجير القسري ، وحصول عمليات تغيير التركيب الديموغرافي القسري في الكثير من البلدان ، خصوصا في الدول المتعددة القوميات ،والأديان ، والمذاهب ، واقتراف جرائم الإبادة الجماعية لاسباب عنصرية وسياسية ، كما حصل في ظل نظامي البعث في العراق ، وسوريا تحديدا ، نقول أن شعوب وبلدان المنطقة ان استطاعت مواجهة كل ذلك ، والتعامل معها رغم الالام ، والكوارث ، والنكبات الإنسانية ، فانها جميعا ومن دون استثناء أنظمة ، وبلدانا ، وشعوبا ، وحركات سياسية ، تتشارك في المرحلة الراهنة بالقلق العميق على الحاضر ،والمستقبل .
أسباب داخلية ، وخارجية
لاشك ان الأسباب الرئيسية لذلك القلق على الحاضر ، ومايخبؤه المستقبل ، تعود بالدرجة الأولى الى تحكم النظم ، والحكومات غير الديموقراطية ، على مقاليد الحكم في غالبية الدول ، وعجزها عن حل مهام التحرر الوطني ، وإرساء النظام السياسي الديموقراطي السليم ، وإنجاز القضيتين الديموقراطية ، والاقتصادية ، الى جانب هزالة الحركات الديموقراطية المعارضة ، وفشلها في تنظيم الصفوف ، وفرض الإرادة الشعبية ، مما افسح ذلك المجال لبروز ، وسيطرة الأفكار الغيبية ، وثقافة الجهل والتخلف ، وقطعان الإسلام السياسي واجنحته الإرهابية ، وكذلك التيارات المغامرة في الحركات القومية ، والوطنية ،التي ترفع الشعارات البراقة ، وتتواطؤ بالوقت ذاته مع الدوائر الحاكمة في الأنظمة المستبدة .
ومن جملة الأسباب الداخلية عجز ، أو تقصد الأنظمة الحاكمة في حل القضايا القومية ، خاصة وان بلدان الشرق الأوسط من اكثر البلدان بالعالم باحتوائها على العديد من الشعوب ، والاقوام ، والقوميات المحرومة من الاعتراف بوجودها ، وحقوقها الأساسية، وحقها المشروع بتقرير المصير ، مما يخلق ذلك مشاعر الغبن وعدم الرضا ، لدى سكان معظم تلك البلدات ذات التعددية القومية .
وفي ظل الأوضاع الراهنة بالمنطقة، وبسبب التدخلات العسكرية الخارجية ، والنفوذ الواسع لقوى الخارج ، والتبعية الاقتصادية لبلدان المنطقة ، وكذلك لكونه المتكفل لامن وسلامة الأنظمة من شرور الارهاب ، كما حصل في محاربة التحالف الدولي لداعش منذ أعوام وحتى الان ، وكذلك مواجهته حتى لفصائل معارضة فئوية ، وطائفية ضمن التركيب الاجتماعي لبعض الدول ، الى جانب السلوك المشين ، المتوحش للمراكز الراسمالية العالمية تجاه البلدان والشعوب الضعيفة ، الفقيرة ، فان الداخل فقد الاستقلالية ، وارتهن مصيره للخارج الذي يتحكم ، ويقرر مايراه مناسبا لمصالحه القريبة والبعيدة ، دون أي اعتبار لارادة دول ، وشعوب المنطقة .
الكرد في المشهد الشرق اوسطي الراهن
إقليم كردستان العراق يشكل المركز الكردستاني الوحيد بالمنطقة المتفاعل مع ما هو سائد في المشهد الراهن ، وتشعر قيادته بنوع من القلق بسبب تطورات المواقف الدولية ، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان بتلك الطريقة غير السوية ، وذلك حرصا على الإنجازات ،و والمكاسب ، لكونه الكيان الفدرالي المعترف به بالدستور العراقي ، وله مؤسسات تشريعية ، وتنفيذية منتخبة ديموقراطيا ، والمقبول عراقيا ، وإقليميا ، ودوليا ، ويتمتع بنظام فيدرالي متطور ، وتحالفات داخلية بين مختلف المكونات القومية ، والدينية ، والمذهبية ، والتيارات السياسية المتنوعة التي تحظى بدعم شعبي .
دوافع القلق. نابعة بشكل رئيسي من عدة احتمالات أولها – في حال توالي الانسحاب الأمريكي من العراق ثم سوريا ، فان أعباء مواجهة تنظيم داعش ستكون كبيرة على الإقليم خاصة وانه يعتبر شعب الإقليم من الأعداء ، ثانيا – انطواء نفوذ أمريكا والغرب عموما ، سيؤدي الى استشراس القوى والمجموعات الميليشياوية ، الطائفية العنصرية المسلحة ، وتزايد خطورتها على الإقليم الكردستاني ، وكذلك على مصير العملية السياسية ،. في كل العراق . ثالثا – قد يؤدي ذلك الى ازياد اعتداءات جمهورية ايران الإسلامية على شعب كردستان ، وحتى تركيا . رابعا – قد يؤدي ذلك الى قيام مسلحي – ب ك ك – وبدفع من ايران ، أو سوريا ، او الميليشيات العراقية ، الى اقتراف حماقات جديدة ضد شعب الإقليم والإنجازات الفيرالية .
قد تكون تلك الاحتمالات – السلبية – بخصوص إقليم كردستان تبدو مستبعدة للوهلة الأولى على ضوء الاستقبال الحافل للسيد رئيس إقليم كردستان الى بريطانيا ، وقبلها الى فرنسا ، ولكن علينا تحديد الأمور كماهي ، حيث ان الدولتان الصديقتان لم تتجاوزا القضايا البروتوكولية في الزيارتين ، ولم يصدر عنهما سابقا والان ، أي تصريح ،أو وثيقة سياسية تؤكد على حق تقرير مصير إقليم كردستان ، او الالتزام بامنه ، وسلامته ، راهنا ، ومستقبلا .
قيادة إقليم كردستان ولكونها صريحة مع شعبها ، وشفافة في مواقفها تدرك جيدا ان هناك قلق من التطورات الخارجية بعد الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان ، وقد ظهر ذلك بجلاء في كلمة السيد رئيس حكومة الإقليم خلال تدشين بناء القنصلية الامريكية في أربيل ، عندما قال : نحن سعداء بعلاقتنا مع الولايات المتحدة المتحدة الامريكية ، والشراكة العملية في مواجهة داعش وجميع صنوف الإرهاب ، واننا نشكر الحلفاء على كل أوجه المساعدات ، ولكنني طلبت من السفير الأمريكي بالعراق بان يعلنوا عن الموقف السياسي الملتزم تجاه الإقليم ليتوازن مع الجانب العملي ولكن السفير أجاب : ان الجواب هو اننا نبني اكبر قنصلية في العالم بكردستان العراق ؟! .
اغلب الظن لم يكن جوابه مقنعا لرئيس حكومة الإقليم ،كما اعتقد انه غاب عن ذهن السيد السفير ان سفارة بلاده في بغداد صرح كبير من اكبر السفارات هناك ولكنها محاصرة طوال أيام السنة ، وفي أفغانستان كانت من اكبر السفارات بتلك المنطقة ، وكذلك سفارتها بالعاصمة الفيتنامية قبل الهزيمة ، وفي نهاية المطاف تبقى مباني من خراسانات الاسمنت تحتوي على مهابط طائرات ، يمكن مغادرتها في أي وقت ، ولن تكلف سوى مبالغ مالية لن تؤثر في اقتصاد الدولة الأعظم .
من اهم أسباب القلق الذي يسود أجواء شعوب المنطقة هو تراجع الثقة بالمجتمع الدولي ، والدول العظمى ، والكبرى ، وحتى الصغرى ، التي فرضت حروبها بالوكالة بمنطقتنا على حساب دماء أهلها ، ليس من اجل نشر الديموقراطية ، وثقافة الحداثة ، والتطوير الاقتصادي ، والتكنولوجي ، بل لخدمة مصالحها ، ومواقع نفوذها ، وسوريا مثال حي امام الأن.
[1]