عنوان الكتاب: سوريا: جروح محفورة في الذاكرة
مؤسسة النشر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
تأريخ الأصدار: 2019
خلفية: شكّلت أحداث مدينة القامشلي/قامشلو في شهر آذار/مارس 2004، نقطة تحول كبرى في العلاقة ما بين الكرد السوريين والسلطات السورية، فلطالما عانى الكرد السوريون من التهميش والتمييز والإقصاء على يد الحكومات المتعاقبة إلى الحكم في سوريا. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتمّ فيها تنظيم مثل هذه المظاهرات الواسعة في البلاد من قبل الكرد. ولقد أزعجت درجة وعِظم هذا التحرك السلطات السورية، التي ردّت بالعنف المفرط لقمع الاحتجاجات. وفي التعداد الأخير للخسائر، تبين مقتل ما لا يقل عن 36 شخصاً، وأغلبهم من الكرد، وإصابة أكثر من 160 آخرين. وقد احتجزت أجهزة الأمن أكثر من ألفي كردي (الكثير منهم تمّ العفو عنهم فيما بعد)، مع انتشار تقارير عن التعذيب والمعاملة السيئة بحق المحتجزين.
بدأت أحداث مدينة القامشلي/قامشلو في محافظة الحسكة تحديداً في يوم الجمعة 12 -03- 2004، أثناء صدامات مباشرة بالحجارة والأسلحة البيضاء ما بين مشجّعي فريق الفتوة القادمين من محافظة دير الزور، ومشجّعي فريق الجهاد المحلّي، أثناء مباراة لكرة القدم في الدوري السوري، وأدى ذلك إلى تدخل قوات الشرطة والأجهزة الأمنية السّورية والتي فتحت الرصاص الحي على الغاضبين وخاصة من الكرد، وقُتل على إثر ذلك ما لا يقل عن ستة أشخاص. تحولّت فيما بعد، وفي اليوم التالي، وتحديداً بتاريخ 13-03- 2004 إلى مظاهرات غاضبة وعارمة في العديد من المدن والمناطق التي كان يقطنها الكرد في عموم سوريا وخاصة في القامشلي/قامشلو وعامودا والدرباسية ورأس العين/سري كانييه وكوباني/عين العرب وعفرين والأحياء الكردية في مدينة حلب (الأشرفية والشيخ مقصود) والأحياء الكردية في مدينة دمشق (وادي المشاريع/إضافة إلى المدينة الجامعية) والقحطانية/تربي سبي والمالية/ديريك وغيرها؛ وتمّ تسميتها فيما بعد ب أحدث القامشلي أو انتفاضة قامشلو، حيث سقط قتلى آخرون وعشرات الجرحى ومئات المعتقلين خلال تلك الأيام.
زاد الأمر خطورة استسهال بعض أطراف السلطة إطلاق الرصاص في غير مكان على حشود المواطنين العزل، تبعه اعتقالات عشوائية طالت المئات من الشبان الأكراد، وحصار ظل مستمراً لشهور عديدة -وإن بصورة أقل حدة مقارنة مع الأيام الأولى للأحداث- حول بعض الأحياء والبلدات التي تضم أغلبية كردية. وما زاد الطين بلة الأخبار التي جرى تناقلها عن تسليح القرى والعشائر العربية المتاخمة للقرى الكردية لإطلاق دورها قمعاً وإرهاباً.
وبعكس الأخبار التي وردت في البداية عن ثلاث حالات وفاة لأطفال توفوا دهساً بعد الصدامات المباشرة في الملعب، فقد تبيّن لاحقاً أنّ الخبر كان عارياً عن الصحة، رغم وقوع حالات إطلاق نار على المحتجين في يوم المباراة نفسه أو في الأيام الأخرى التي تلتها.
اختلفت التحليلات حول الأسباب البعيدة لتلك الأحداث، ولكن أشارت العديد من التحليلات آنذاك إلى ارتباطها بشكل وثيق -في أحد أوجهها- بالحرب التي كانت دائرة في الدولة الجارة العراق، حيث أفضت الإطاحة بنظام صدّام حسين في العراق في شهر نيسان/أبريل 2003، إلى تنامي إحساس العشائر والقوى السياسية العربية في محافظة دير الزور بالنقمة الشديدة من سياسات الأحزاب الكردية في العراق ويبدو أنّه انعكس سخطاً على الكرد في سوريا والذين يقطن جزء كبير منهم في محافظة الحسكة وتحديداً مدينة القامشلي.
تباينت الإحصائيات ما بين المصادرة الكردية والمصادر الرسمية، حول أعداد القتلى والمعتقلين، ففي حين قالت المصادر الكردية أنّ عدد القتلى الكرد بلغ حوالي 40 شخصاً، قالت المصادر السوريّة الرسمية أنّ العدد بلغ حوالي 25 شخصاً.[1]