عودة الى – الخصوصية – الكردية السورية
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 6360 - #24-09-2019# - 13:36
المحور: القضية الكردية
كثيرا مانسمع ونقرأ أن السبب الرئيسي الوحيد لمعاناة كرد سوريا وبقاء قضيتهم دون حلول واستمرارية أزمة حركتهم وتشرذمها وانقساماتها وتحكم مجموعة ذات مصالح بقيادات أحزابهم وتصرفها بمصيرهم يعود الى غياب شخصية كاريزمية تحل قضاياهم وتقودهم الى الانتصار ولكن في الوقت ذاته هناك من يعترض ويرفض هذا الاستخلاص الذي لاينبع من خصوصية الشعب الكردي في سوريا بل ماهو الا استعارة ونقل تجارب شعوب أخرى بصورة ( طبق الأصل ) وبالتالي لايتمتع بالواقعية والتحليل التاريخي العلمي للأسباب والنتائج .
صحيح هناك ميزات وصفات الكاريزما Charisma أو الجاذبية الشخصية كما هو متعارف عليه في المعاجم تمنح الفرد إمكانيات للقيام بأدوار ملفتة في مجالات اجتماعية وفنية ودينية وسياسية ( وهي كلمة مشتقة من اليونانية تعني : التفاؤل والنشاط والحماس وسرعة البديهة والطموح والثقافة وعمق التفكير والثقة بالنفس والصراحة واستعملها للمرة الأولى حديثا عالم الاجتماع الألماني – ماكس فيبر – والمفهوم الحالي للكلمة يطلق غالباعلى الزعماء السياسيين وقادة الطوائف ) وصحيح أيضا أن للفرد دور مهم في صناعة الأحداث وفي لحظات تاريخية حاسمة ولكن ليس بحدود المطلق ففي الدول المتقدمة الناشئة بعد الحربين لم تشهد في نموها – الفلكي – سوى حكم جماعي ديموقراطي على قاعدة الانتقال السلس لسلطة المجموع وبقيادات وشخصيات جماعية متعاونة متكاملة .
وكما أرى فان الانسان الذي يمتلك الكاريزما والتأثير على الآخرين عبر التواصل الشفوي الخطابي أو الكتابي والإعلامي ويمتلك إمكانية التعبير عن أنواع ( الانفعالات ) والمشاعر قد تكون صادقة في بعض الحالات وليس بالضرورة أن تكون غير مفتعلة في بعضها الآخر لتحقيق أهداف فردية خاصة للوصول الى الاستحواز على السلطة وممارسة نوع من الفردية المطلقة لمصلحة ( أتباع ديانته وطائفته أو قومه – بالمعنى العنصري - أو حزبه أو قبيلته أو عائلته ) وهناك دلائل وقرائن حصلت في بلدان الشرق الأوسط خصوصا والعالم عموما .
شهد تاريخ البشرية في القرون الماضية والحديثة كما كتب ونشر في وسائل الاعلام أو في الأفلام والوثائق نماذج معروفة من شخصيات كاريزمية لعبت أدوارا في صناعة تاريخ الشعوب والبلدان من النساء والرجال كأنبياء وأبطال بقوى خارقة ومنقذين وقادة ثورات تحرر وطني وطلاب الحرية ومن بين هؤلاء ومايتعلق بموضوعنا بصفته الكردية الخاصة كل من ( صلاح الدين الأيوبي والملا مصطفى بارزاني ) اللذان صنفتهما وثائق للأمم المتحدة نشرت قبل عدة أعوام من الشخصيات الأبرز في الألفية الثالثة وفيما يتعلق بالبارزاني الخالد فقد كانت شخصية كاريزمية مقبولة ومحبوبة لدى جميع الكرد ومحترمة أمام العالم من دون منازع .
وبما يشبه الاجماع كرديا حول أن لكل جزء من موطن الشعب الكردي خصوصيته علينا قبولها واحترامها من دون أن أسمح لنفسي بالخوض في تفاصيل الأجزاء الأخرى واذا كنا ننطلق من الايمان بالشخصية الكردية السورية المستقلة فان خصوصيتها وكما أرى لاتصلح لمفهوم القائد االفرد المنقذ فمنذ حوالي القرن وحتى الآن من انبثاق حركته القومية أي من باكورة ظهور حركة – خويبون – حيث نشط وساهم في تأسيسها أكثر من شخصية تختلف جذورها العائلية والاجتماعية مرورا بالتنظيم الحزبي الأول الذي شارك في بنائه شخصيات متعددة ولم تقتصر على فرد كاريزمي واحد وهكذا الحال في مراحل لاحقة خلال عمليات اصلاح وتجديد الحركة الوطنية الكردية السورية في منتصف الستينات .
الواقع– التاريخي - للكرد السوريين يؤكد على التعدد والتنوع من النواحي الاجتماعية بحيث لايطغى لون عشائري أو مناطقي معين حتى ينبثق عنه زعيم كاريزمي يفرض سطوته على الآخرين ويستفرد بالتحكم من دون منازع كما أن الساحة الكردية السورية وفي الجانب السياسي تخلو من حزب جامع مسيطر قائد للمجتمع الكردي ويحظى باحترامه بل هناك تعددية تنظيمية واسعة وحتى الظهور المسيطر الحديث جدا لحزب – ب ي د – في بعض المناطق لم يتم بشكل نمو طبيعي بل عبر حرق المراحل وسلطة القوة لذلك لن يدوم طويلا بصيغته الراهنة ولا يمكن الركون والتأسيس عليه مستقبلا .
من جهة أخرى فان التكون – الجغرافي – للخارطة المجتمعية الكردية السورية من مناطق ثلاث ( الجزيرة – عين العرب كوباني – جبل الكرد عفرين ) يحتم استحالة فقدان أي ضلع من هذه الأضلع الثلاثة والا تبقى الشخصية القومية الكردية السورية ناقصة وغير مكتملة فمنذ اللبنة الأولى خلال انبثاق حركة – خويبون – وظهور الحزب الكردي الأول بانت معالم تلك الشخصية قائمة ومتكاملة من المناطق الثلاث وفي تحول كونفرانس الخامس من آب 1965 وتطوراته فيما بعد بانت أكثر وضوحا بمشاركة فعلية قيادية مثقفة وسياسية مناضلة من شخصيات تنتمي الى المناطق الثلاثة وعبر توزيع ديموقراطي للمسؤوليات في مركز القراروقد كانت هذه الصفة الإيجابيةاحدى ميزات مدرسة آب .
لذلك فان الخصوصية الكردية السورية لاتتناسب والشخص الكاريزمي الفرد الواحد بل تقضي بوجوب البحث عن قيادة جماعية ثلاثية أو من المناطق الثلاث ليس من أجل إدارة الأزمة الراهنة والتخندق الحزبي كما هو قائم الآن بل في سبيل انقاذ الحركة الكردية وإعادة بنائها واستعادة شرعيتها عبر العمل من أجل توفير مستلزمات عقد المؤتمر الوطني الكردي السوري الشامل .
كرد كل جزء مشغولون بمالديهم وطامحون لبناء مستقبل أفضل في حدود جغرافية أجزائهم المرسومة منذ ( عصبة الأمم المتحدة وهيئة الأمم المتحدة وسايكس – بيكو وسائر القرارات الدولية ) ونحن كرد سوريا في أولوياتنا الآن ترتيب بيتنا الداخلي وإعادة بناء وهيكلة وشرعنة حركتنا وإصلاح وتعزيز علاقاتنا الوطنية المصيرية مع شركاء الوطن وترسيخ العمل الأخوي المشترك مع البعد الكردستاني وهذا هو الطريق للخلاص .
أما أن نعيش بالأحلام الوردية ونراهن على منقذ ما من وراء الحدود وندفع شبابنا للموت حرقا لاستحضار ( غودو ) الكاريزمي المخلص المنقذ فسنبقى على مانحن عليه الآن والى الأبد وبالأخير يجب أن نعلم أن محنة الكرد السوريين وأزمة حركتهم لاتتوقف معالجتها في اللحظة الراهنة على استدعاء القومي كما يفعله – ب ي د – وغيره خاصة اذا كان ذلك – القومي – غارقا في الغموض وغير مكتمل المعالم و( قطري وحزبي ) حتى العظم وأحوج مايكون هوالى الإنقاذ لذلك فان الرهان أولا وأخيرا على – الذات – والشخصية القومية – الوطنية الكردية السورية من دون اغفال الاستفادة قدر الحاجة المتوفرة من البعد الكردستاني المتجسد الآن في إقليم كردستان العراق.[1]