نغمات مسمومة: الأغاني وتشويه صورة المرأة
آرين سويد
تعيش المرأة في أغلب دول العالم وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، صراعاً شرساً مع ممارسات وجرائم النظام الرأسمالي الأبوي الذي يسيّر عن طريق أدوات الحرب الخاصة، ويستخدم ضمن حربها العديد من الوسائل الإعلامية وشركات الأغاني وغيرها، التي تروّج لهذه السياسات بشكل ماكر وخبيث.
منذ ظهور الهرمية والتحول الطبقي والسلطوي، أُضفي المعنى على التعصب الجنسوي كأيديولوجية السلطة، ولعب الرجل خلالها دوراً ريادياً في تطور السلطة المتمحورة حول النظام الهرمي والدولتي، ليكسر بذلك إدارة المرأة الطبيعية للمجتمع الذي عزّز العطاء والوجود الاجتماعي حتى آخر مرحلة من المجتمع الطبيعي (النيوليتي)؛ لتبدأ بعدها معاناة المرأة تحت وزر العادات والتقاليد وتأويل النصوص الدينية بشكل يضيّق الخناق عليها ويعصر روحها، إلى جانب رؤية المرأة على أنها مجرد ملكية خاصة، أو دمية يجب تزيينها وتجهيزها حتى تنتقل من سجن (العائلة) إلى سجن (الحياة الزوجية).
التداول الكبير لبعض الأغاني العربية التي تشجع على العنف، ومعاقبة المرأة التي ترفض الرجل ضمن المجتمع، أو اعتبارها زينة ويجب إخفاؤها واعتبارها جزءاً من ملكيتهم الخاصة، كان السبب المباشر في كتابة هذا المقال، ولأضع القرّاء في الصورة، أودّ أن أذكر بعضاً من الجمل التي تتردد على مسامعنا بشكل يومي، عن طريق القنوات الغنائية أو التواصل الرقمي: نحن ما عنا بنات تتوظف بشهادتها، عنا البنت بتدلل وكلشي بيجي لخدمتها، ووالله كبرتي وبقى ليكي رأي كمان، وما يخليني إن ما خليتا تشوف نجوم الضهر حدّا، ووالله بكرا لخليها تترجاني تا أردا، وعشان تبقي تقولي.. لا، وغيرها الكثير من الجمل..
استمرار الإذاعات في بث هذه الأغاني هو تكريس للصورة الدونية للمرأة، وعلى الرغم من رفض قسم من النساء لهذه الأغاني ومواجهتها بهجوم نسوي ضارٍ، فإن استمرار بثها في بعض القنوات الغنائية العربية تستدعي موقفاً حازماً وأكثر صلابة من جميع النساء والحركات والتنظيمات النسائية العربية وجميع المثقفات والعاملات في القطاع الفني.
يجب أن تعمل النساء عبر نضالهن، لإنشاء آليات للمراقبة، وسنّ عقوبات في حالة الاستمرارية في بث أي شكل من أشكال العنف أو التحريض على المرأة من قبل القنوات المعنية. ويجب الإشادة بدور المرأة في بناء المجتمعات ودعم حقوق المرأة، ومما لا شك فيه أن العديد من الفنانات العربيات قدّمن مجموعة من الأغاني في هذا السياق، لكنها قليلة بل ونادرة جداً، بالمقارنة بمستوى النضال والثورة النسائية في العالم، وعلى وجه الخصوص بعد ثورة المرأة الحياة الحرية.
وعلى جميع النساء خوض نضال متواصل ومنظّم، وأشدد هنا على كلمة منظّم؛ ليستطعن رفع أصواتهن والانتفاضة بشكل متكاتف لمجابهة السياسات القائمة على تسميم العقول بأفكار الملكية على حساب المرأة؛ أي اعتبار المرأة ملكاً للزوج أو الوالد أو الصديق.. فالمرأة مِلكٌ لذاتها، وإنكار هذا الموضوع بحد ذاته أكبر منبع للعنف.
كنساء، علينا دعم بعضنا البعض، وعلى المرأة اتخاذ قراراتها بنفسها، والطريق الوحيد لتحقيق ذلك، هو انفصال المرأة عن النظام القائم على الذهنية الذكورية الحالي، وتصعيد النضال في سبيل الحرية، والتعرف على ذاتها وجنسها لتصبح ذات إرادة ومكانة.
النظام الرأسمالي الأبوي يهيمن على جميع جوانب الحياة، ويستخدم أعداء المرأة والحياة التشاركية عن طريق السياسة والإعلام وكلمات الأغاني، وما تيسّر لهم من وسائل تدعم وجهة نظرهم.. وفي المقابل، يجب أن ندرك ما وراء هذه السياسات الممنهجة التي تستهدفنا نحن النساء، ونبتعد عن النظر للأشياء بشكلها البسيط، لقد حان الوقت لنتحدث ونفضح معاً جميع السياسات القمعية التي تُنتهج على النساء.
أخيراً، يمكن القول إن الأغاني تُعدّ أداة ثقافية قوية جداً يمكنها أن تكون مؤثرة وعاملاً لإلهام وتغيير حياة الكثيرين. فالتنديد بالأغاني الهابطة التي تسلّع المرأة واجب، وينبغي محاربتها بلا هوادة، وفي الوقت نفسه، ينبغي الترويج للأغاني التي تمجّد المرأة ودورها في الإسهام بتطور المجتمع وازدهاره. ويجب أن ننخرط في هذه الحرب الدائرة بين المفهومين والمستمرة منذ قرون، بكل طاقاتنا وإمكاناتنا، وعلينا أن نعي أن هذه الحرب لا يقتصر خوضها على النساء فقط، بل هي مهمة تقع على عاتق كل من يؤمن بحقوق المرأة ومساواتها إلى جانب الرجل، لأن انتصار المرأة يعني هنا رفع قيم الأسرة والمجتمع. ويمكن الاعتماد في هذا الصدد على وسائل التواصل الافتراضي، والذي يُعدّ من أهم المنابر الإعلامية في الوقت الحاضر، وفضح الظلم والاضطهاد الممارس على المرأة. بالإضافة إلى تنظيم الندوات حول هذا الموضوع في جميع وسائل الإعلام من تلفزيون وسينما وإذاعة وصحف ومجلات وغيرها.
ومن الأهمية بمكان، الذهاب إلى الأحياء والقرى والبلدات ودعوة الناس للحضور والاستماع والمشاركة بمداخلاتهم لإغناء الندوات والوصول إلى وعي مجتمعي.[1]