شمال وشرق سوريا أراضٍ سورية يا حكومة دمشق!
ضياء اسكندر
من أهم القوانين التي وضعها إسحاق نيوتن (قانون الفعل وردّ الفعل) الذي ينص على أن: (لكل فعل ردّ فعل مساوٍ له في المقدار ومضادّ له في الاتجاه)، إلا أن رد الفعل الوحيد من حكومة دمشق التي تدّعي بأنها هي الوحيدة الضامنة لوحدة وسيادة الأراضي السورية ضد الانتهاكات والعدوان على هذه الأرض، كان الصمت، حيال هجمات دولة الاحتلال التركي على البنية التحتية قي شمال وشرق سوريا.
هجمات الاحتلال التركي، جاءت بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان والذي تذرّع بعملية أنقرة البطولية لتنفيذ مخطط الدولة التركية المبيّت حيال مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، الأمر الذي نفته قوات سوريا الديموقراطية، وأضاف فيدان في تصريحه متوعّداً، أن كلّ البنى التحتية والمنشآت الكبيرة ومنشآت الطاقة في العراق وسوريا هي أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية.
وبعد تصريح فيدان بساعات، وتحديداً في 4 تشرين الأول الجاري، نفّذ جيش الاحتلال التركي عدوانه الغاشم مستهدفاً المنشآت الحيوية والخدمية والصحية، كمحطات الكهرباء والمياه والطاقة والغاز والنفط، والقرى الآهلة بالسكان، والأكاديميات.. وألحق أضراراً جسيمة بها، تقدّر بمئات الملايين من الدولارات. واستُشهد وأُصيب العشرات من المدنيين بينهم أطفال ونساء وعسكريون وأمنيون مختصون في محاربة الإرهاب والمخدرات. وأثّرت تأثيراً كارثياً مباشراً على حياة أكثر من 5 مليون نسمة من سكان شمال وشرق سوريا.
الاحتلال التركي يرتكب جرائم ضد الإنسانية
مما لا شك فيه أن تهديد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، واعترافه بنيّته تدمير مصادر الحياة الحيوية والمحطات والمنشآت والبنية التحتية، جاء عن سبق الإصرار والترصّد، ما يعني أن توصيف الجريمة التي يقترفها جيش الاحتلال التركي تقع تحت بند (الجريمة العمدية)، وهي من أشد الجرائم شناعةً في القانون الجنائي.
إن تهديد حياة سكان المنطقة وإجبارهم على التخلّي عن منازلهم، وتعريض حياتهم للخطر والعيش تحت نيران القصف، وحرمانهم من أهم مستلزمات العيش من كهرباء وماء وطبابة.. جرائم ترتقي إلى جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية. وهنا لا بد من تقديم دعوى عاجلة على النظام الأردوغاني الفاشي أمام محكمة الجنايات الدولية من قبل الحقوقيين؛ لينال جزاءه العادل.
أهداف العدوان التركي على شمال وشرق وسوريا
ليس جديداً ما قامت وتقوم به دولة الاحتلال التركي من هجمات على المنطقة، وخاصة بعد هزيمة ربيبها داعش على يد قوات سوريا الديمقراطية التي تضم في صفوفها جميع المكونات، والتي تدير وتنظم المناطق التي تسيطر عليها باعتماد نهج جديد تحت عنوان (الإدارة الذاتية المدنية الديمقراطية)، وهو النظام العلماني وفق حكم ديمقراطي مباشر، مستند إلى أيديولوجية اشتراكية تحررية ومعزز للّا مركزية والمساواة بين الجنسين.. الأمر الذي أدى إلى جنون النظام الفاشي في تركيا، وخشي أن تنتقل إلى تركيا وما تحتله، فشنّ عدة حروب في السنوات الأخيرة بذريعة حماية أمنه القومي؛ تمثلت بتنفيذ سلسلة من الهجمات الاحتلالية للأراضي السورية مع مرتزقة جلبها من مختلف أصقاع العالم ومن جنسيات مختلفة، أطلق عليها تسميات متعددة (درع الفرات 2016، وغصن الزيتون 2018، ونبع السلام 2019.. وغيرها). واحتل بموجبها جرابلس وريفها وعفرين وإعزاز والباب ورأس العين وتل أبيض.. مرتكباً أبشع جرائم الحرب المخالفة لكل القوانين والمواثيق الدولية. كما عمد إلى تتريك المناطق المحتلة وتهجير سكانها، مستخدماً كل الوسائل لطمس معالم وهوية المناطق التي احتلتها وإسباغ العثمنة عليها.
لماذا تصمت القوى الدولية حيال العدوان؟
لا ريب في أن المصالح الاقتصادية والمالية والعسكرية والجيوسياسية وغيرها.. تمثّل الدافع الرئيس لأي علاقة بين البلدان، وتأتي القيم الإنسانية والمبدئية والأخلاقية في المرتبة الأخيرة من أركان العلاقة بينها. من هنا فإننا لا نستغرب صمت القوى الدولية حيال الحرب الظالمة التي تشنها الدولة التركية على مناطق شمال وشرق سوريا. حتى أنها لا تكلّف نفسها بالتعليق على الأحداث من قبيل الفضول الإعلامي، وإذا ذُكرت ولا بدّ، فهي تقلّب الحقائق وتسوّغها لصالح قوى العدوان. فما يهمّ أمريكا وروسيا وإيران وغيرها من الدول التي لها نفوذ في المنطقة، بالدرجة الأولى، هو استمرار مصالحها وتعزيزها مع تركيا قبل أي شيء آخر. وهذا ما شجّعها على المضيّ قدماً في عدوانها.
كيف نفسّر صمت حكومة دمشق؟
وإذا كنا نتفهّم صمت القوى الدولية على الجرائم التركية وانتهاكاتها بسبب مصالحها، وعدم رغبتها في خسارة تركيا تحت أي ظرف كان، حتى ولو كان على حساب دماء السوريين؛ فإن الصمت المريب الذي تتسم به حكومة دمشق حيال هذا الهجمات غير مفهوم بتاتاً، رغم استهداف الهجمات العديد من نقاط تمركز قواتها في الوقت نفسه. فهي من جهة، تعتبر تركيا دولة معادية احتلت أراضٍ سورية ونهبت خيراتها.. وتشترط لقاء الصلح مع الحكومة التركية والتطبيع معها، انسحاب الأخيرة من الأراضي السورية المحتلة. لكنها في الوقت ذاته، لا تحرك ساكناً عبر المحافل الدولية بالشكل المطلوب دفاعاً عن سيادتها واحتراماً لترابها، وحثّ القوى الدولية على اتخاذ قرار يدين الممارسات التركية المخالفة لأبسط المعايير والأعراف الدولية، وإجبارها على وقف عدوانها وانسحابها من الأراضي السورية المحتلة، ولم تحرك أيّاً من قواتها للرد على مصادر القصف أو الاستهداف.
وهذا الصمت والتجاهل إنما يدل بوضوح لا لبس فيه على المصلحة المشتركة التي تجمع النظامين السوري والتركي؛ بالقضاء على تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية والإجهاز عليها نهائياً؛ لا سيما أن كليهما لم يخفِ عداءه لهذه التجربة الثرّة والواعدة، وإلا ماذا يعني غياب أي ذكر لوقائع الحرب على شمال وشرق سوريا في الإعلام الرسمي السوري حتى الآن؟! وكأن جريمة العدوان تقع على كوكبٍ آخر لا علاقة لها به إطلاقاً!
خلاصة القول، إن وقف العدوان التركي وانسحاب جيوشه ومرتزقته من الأراضي السورية المحتلة يتطلّب البدء بحل الأزمة السورية سياسياً، وهذا يستدعي تعاوناً مكثفاً من الوطنيين السوريين بمختلف مكوناتهم للضغط على حكومة دمشق؛ لإرغامها على الموافقة على الحل السياسي ووضع حدّ للمأساة السورية والاستفادة من الظروف العربية والدولية بما يخدم مصلحة سوريا وشعبها، وبالذات عبر السير سريعاً نحو الحل الشامل استناداً إلى القرار الأممي (2254) الذي أصبح وحده المدخل نحو إعادة توحيد السوريين.[1]